ماذا وراء تضخيم عصابة ابو شباب؟

امير مخول، مركز تقدم للسياسات

خلاصة تقدير موقف.

تقديم: تصدرت وسائل الاعلام الاسرائيلية مؤخرا عناوين تشيد ب المدعو ياسر ابو شباب والمجموعة المسلحة التي اقامها بدعم اسرائيلي بالتدريب والسلاح وتوفير غطاء حماية له. وفي ذات السياق ودائما كصدى للإعلام الإسرائيلي، يصبح الشغل الشاغل لغالبية الاعلام العربي من فضائيات وصحف ومواقع اخبارية.
لماذا هذا الترويج غير العادي اسرائيليا لمجموعة ياسر ابو شباب، وكيف نجحت في تحويله الى الشأن الفلسطيني والعربي والذي يكاد يكون في طليعة الاهتمامات، بينما يتسع ويتكثف نطاق الحرب على الشعب الفلسطيني وجوديا، وذلك في غزة وفي الضفة الغربية.

في المعطيات:

– في تطرقه لمصير قطاع غزة، كرر نتنياهو منذ اكتوبر 2023 مقولته “لا فتحستان ولا حماستان”، وبات ذلك موقف كل وزرائه واوساط واسعة من المعارضة. مغزى القول هو انه يريد حربا مفتوحة على غزة بذريعة وجود حماس والقضاء على سلطاتها الحاكمة مدنيا وأمنيا، بينما يصب الشعار في موقفه الاهم بالنسبة له وهو منع قيام دولة فلسطينية والقضاء على اية كيانية فلسطينية واي ربط بين مصير الضفة الغربية وغزة. ثم ان الشعار المذكور يعني ان مصير قطاع غزة هو المجهول والتهلكة والقضاء على البنية السكانية بمجملها.
– من اللافت ان الراي العام الاسرائيلي كما الاعلام وكما الموقف السياسي غير مكترث اطلاقا لحالة الفلسطينيين الكارثية في غزة، ولا يكترث لسقوط ما معدله المائة وعشرين من الضحايا يوميا ناهيك عن الالاف من الجرحى والمصابين وضحايا التجويع والتعطيش ومنع الدواء ومنع العلاج والنزوح اليومي. هناك اقلام محدودة جدا عدديا تسعى الى مواجهة التيار السائد في الراي العام الاسرائيلي، والتي وجدت مساحة اوسع لنقل الصورة من غزة ونتيجة للتحول في الاعلام والراي العام العالمي.
– كان سموتريتش قد صرح مؤخرا بأن العالم سوف يعتاد على مقتل مائتي فلسطيني يوميا، وللتنويه فإن مثل احصائيات الموت والقتل معناها نحو ألف فلسطيني اسبوعيا وأكثر من اربعة الاف شهريا.
– تزامن ظهور “ابو الشباب” مع بدء التفعيل الفاشل قصداً ل”مؤسسة غزة الانسانية”، باعتبارها آلية لاستبعاد المنظمات الانسانية الاممية ولمواصلة الحرب وتكثيفها والانتصار وفقا لسموتريتش وكاتس. بينما يشكل اعتماد نمط “ابو الشباب” ما أطلقت عليه الابحاث الامنية الاسرائيلية في العام 2021 وبعد معركة “سيف القدس”/ “حارس الاسوار”، الحرب الهجينة، والتي تقوم على دمج كل الوسائل في خدمة هدف واحد وهي الوسائل العسكرية والاقتصادية وتفتيت المجتمع وزرع الفوضى والاقتلاع والدفع نحو الاقتتال الداخلي. كما تقوم هذه الاستراتيجية على مبدأ قهر العدو وانهياره من داخله.
– اعتمدت الاستراتيجية التي عبر عنها المستويان السياسي والامني على فكرة مفادها بانّ التصعيد العسكري لغاية الحد الاقصى الممكن ضد السكان سيدفع الفلسطينيين في غزة الى فك الارتباط بحماس والصدام معها. بموازاة ذلك سيؤدي الى تحطيم قدرات حماس السلطوية ودفعها نحو أضعف حالة ممكنة. الا ان حكومة نتنياهو كما يتضح من ممارساتها ومن تصريحاتها، فإنها في حال قضت على حماس بشكل مطلق وحاسم، فإن مسوّغات استمرار الحرب سوف تلتغي، ولذلك فالحكومة معنية بدوام الوضع القائم المتقهقر فلسطينيا والدافع الى ذهنية تقبل بالاقتلاع والنزوح والتهجير وفعليا بكل مصير تفرضه اسرائيل.
– رفضت حكومة نتنياهو مخرجات قمة القاهرة الاستثنائية لإعادة اعمار غزة مع بقاء اهلها ومنع تهجيرهم، كما رفضت فكرة قوة عربية دولية تدير الجانب الامني واعادة الاعمار مقابل حكومة فلسطينية تكنوقراطية من الموظفين، على ان تنتقل الصلاحيات لاحقا الى السلطة الفلسطينية بغطاء عربي ودولي.
– مع تراجع ترامب عن مشروع التهجير والاستيلاء على قطاع غزة، راهنت استراتيجية حكومة نتنياهو على اعتماد قوة فلسطينية غير سياسية تمنع دخول السلطة الفلسطينية بأية حال، كما تعتمد على قوى عشائرية وحمائلية تكون بمثابة وكيل ذي وزن لإسرائيل في توزيع المساعدات الانسانية المنقذة لحياة الفلسطينيين وتحول دون تدخّل حماس ودون اي دور للمنظمات الانسانية الاممية وحصريا الاونروا ومنظمة الامم المتحدة للمساعدات الانسانية. الا ان هذه المحاولة فشلت.
– اصدرت قبيلة الترابين والمنشرة في غزة والنقب وسيناء والاردن، بيانا تتبرّأ فيه من ياسر ابو الشباب وتتهمه بالخيانة، كما رفض البيان اي تعاون مع احتلال اسرائيل لغزة، بل اعتبرت نفسها “جزءا اصيلا من الشعب الفلسطيني”. الا ان ذلك لم يردع حكومة نتنياهو من المجاهرة بعلاقتها مع ابو الشباب وعصابته الجنائية الاجرامية كما تؤكد معظم المصادر الفلسطينية.
– من اللافت ايضا ان المؤسسة الامنية الاسرائيلية تدرك بأنها بمجاهرتها بتوزيع السلاح والمال والمساعدات على مجموعة ابو الشباب وتوفير الحماية الحربية لها، انما تحكم عليها بالإعدام فلسطينيا، وفعليا تؤكد عدم اكتراثها لمصير المجموعة بعد ان تقوم بمهامها الوظيفية في تفتيت جوهري اضافي للحالة الفلسطينية المفككة والمتهالكة نتيجة للحرب الإبادية على الوجود السكاني.
– وفقا للتقديرات الاعلامية العبرية فإن هذه المجموعة لن يكتب لها البقاء وان دعمها تمويليا وعسكريا هو بمثابة فضيحة لحكومة نتنياهو الا ان اجواء الحرب والذهنية السائدة، تتيح ذلك وتجعله مقبولا على الراي العام الاسرائيلي.
– وفقا لمعهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي فإن اسرائيل تعتمد استراتيجية احادية المنحى تقوم على الحل العسكري وفقط الحل العسكري، واستبعاد اي حل سياسي سواء في الحالة الفلسطينية ام لبنان ام سوريا ام اليمن والحوثيين وبالطبع مع إيران في حال توفرت مقومات لحل عسكري. بناء عليه فإن معظم الانجازات العسكرية تتآكل وتهدر بعدم استغلالها للحلول العسكرية. كما من شأن هذا التوجه حسب معهد الدراسات ان يكون تدميريا اسرائيلياً على المستوى الاستراتيجي وبمفهوم الامن القومي طويل الامد.
– يؤكد نمط “ابو الشباب”، وهو ليس جديد في الممارسات الاحتلالية والاستعمارية، بان التوجه اسرائيليا وحصريا لدى حكومة نتنياهو وشركائه هو الحرب المفتوحة بخلاف تقديرات قيادة اركان الجيش وبخلاف الراي العام الداخلي. كما انها تشكل استراتيجية تستخدم في غزة وحاليا في الضفة الغربية تقوم على تحويل الشعب الفلسطيني الى حالة تفكيكية من الحالات الفاشلة غير الجديرة بحق تقرير المصير او الدولة، كما انه سينشغل في مقومات وجوده الحياتية الوجودية بدلا من الحقوق السياسية، وبذلك شطب قضية فلسطين بمجملها.

في الخلاصة:

** احد اهم اركان الحرب على غزة ويضاف اليها على الضفة الغربية هو تفكيك الشعب الفلسطيني وشطب قضيته وحقوقه.
** الهدف من دعم ظاهرة أبو شباب هو الدفع نحو الاقتتال الفلسطيني الداخلي وتقويض الشعب الفلسطيني من داخله وهو جزء لا يتجزأ من الحرب المفتوحة على غزة
** التحولات الدولية والمواقف العربية والمخارج التي تطرحها وفقا لمخرجات قمة القاهرة الاستثنائية، وما ينتظره المؤتمر الدولي في نيويورك 17/حزيران واعتماد استراتيجيات التدخل الدولي الفعال لفرض اقامة دولة فلسطينية، باتت ضرورية ومصيرية لوقف الحرب وادخال المساعدات الى غزة وانقاذ حياة سكانها والحل السياسي.
** تؤكد الحالة على ضرورة توافق فلسطيني في اطار عربي يحول دون التهجير ودون تدفيع الشعب الفلسطيني أثمان اضافية ذات ابعاد وجودية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.