مؤشرات لبداية تآكل الاجماع الإسرائيلي والامريكي حول الحرب

تقرير: مركز تقدم للسياسات
من الصعوبة بمكان الحديث اليوم عن اجماع قومي اسرائيلي، حيث بدأت الصراعات تطفو فوق اولوية الحرب التي اعلنتها الحكومة في اعقاب “طوفان الأقصى”. وتدور الصراعات حول أهلية القيادة السياسية لإدارة الحرب، والمطالبة الشعبية الواسعة لنتنياهو بالتنحي، وتتسع المطالبة الشعبية باعتماد قضية الاسرى كأولوية مقابل الاجتياح البري، والتخوفات من ان احتكار ادارة بايدن للقرار الاسرائيلي بشأن الحرب البرية او توسيع نطاقها يشكل قراءة امريكية تعكس ضعفا اسرائيليا غير مسبوق.
ثمة راي بين المعلقين والخبراء في إسرائيل يرتفع اليوم ويقول بانه توجد فرصة هي نتاج توافق المصالح الفظيع بين اسرائيل وحماس بشأن الاسرى الاسرائيليين في غزة مما يدفع نحو صفقة تبادل واسعة النطاق مع الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية. وكان المحلل والخبير بالشأن الامني والسياسي رون بن يشاي من اوائل الاصوات الجدية التي دعت الى إبرام مثل هذه الصفقة ، وهو لا يحصر اهتمامه فقط بالأسرى المدنيين من ذوي الجنسيات المزدوجة، بل بالمدنيين والجنود على السواء اذ ان موضوع الاسرى بات عبئا على حماس كون الامر مرتبط بالمساعدات الانسانية لغزة، وعلى دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا اللتين لهما رعايا ضمن المدنيين الاسرى في غزة، وكذلك عبئا على اسرائيل التي وجدت نفسها في صراع اولويات ما بين انقاذ الاسرى في غزة وبين الاجتياح البري بما في ذلك مواصلة القصف الهائل والذي وفقا لمعطيات حماس تسبب في مقتل 22 من الاسرى الذين طالهم وآسريهم.
بينما يرى يوسي يهوشع في موقع “واينت” انه مقابل إرجاء الاجتياح البري يسعى نتنياهو وغالنت الى ملء الفراغ بالتصريحات النارية. ويتعاظم الصراع بين موقف الجيش ممثلا برئيس الاركان الذي أعلن في خطاب له للإعلام يوم 24/10 بأن الجيش على اهبة الاستعداد وفي ذروة الجهوزية للاجتياح البري منوّها الى الثمن الكبير والمخاطر التي يتطلبها مثل هذا الاجتياح، لكنه يبرره بشكل كامل. كما ويشير الى أن القرار يتخذ بالتنسيق مع المستوى السياسي. وفي ذلك اشارة الى ان مسؤولية إرجاء الاجتياح تقع على المستوى السياسي. يرى يهوشع بأنه مقابل كل تأجيل للاجتياح، يتآكل الاجماع القومي بصدد الانتقام من حماس، ويتعاظم مدى الثمن الاقتصادي والسياسي للحرب.
شكلت تصريحات المسنّة الاسرائيلية يوخيفد ليفشيتس يوم 24/10 بعد ان أطلقت حماس سراحها، ضربة قوية جدا للرواية الاسرائيلية والغربية، لدرجة اعتبرها التيار المركزي في الاعلام الاسرائيلي والجيش بمثابة “عملية تخريبية دعائية”، حين تحدثت عن حسن التعامل والرعاية من قبل آسريها. كما وشكلت ضربة معنوية داخلية ولمدى ثقة الراي العام الاسرائيلي بالدعاية الرسمية.
مع تواصل العملية العسكرية واستمرار الحشد، بدأت تعلو على االسطح نقاشات تتعلق بتواصل تجنيد قوات الاحتياط بمئات الالاف، مما ينعكس على الحالة الاقتصادية الانتاجية والخدماتية والمالية معا، والتراجع في قيمة الشيكل الى مستوى غير مسبوق في العقدين الاخيرين، اضافة الى تكلفة حالة الركود الاقتصادي وتعطّل مرافق الحياة والانتاج. كما وينعكس ذلك في التذمر الاجتماعي نتيجة عدم الأمان الاقتصادي وقرار شركات خاصة أجنبية ومحلية بالتخلص من عمالها وموظفيها، ووفقا لتقديرات اولية فإن تكلفة الحرب لغاية الان تصل الى حوالي الثلاثين مليار شيكل ومن المحتمل الى تصل الى 18 مليار دولار (52 مليار شيكل). ويتوقع ان يصل فقط تعويض مدخول جنود الاحتياط والذين يشكلون عصب الاقتصاد والتشغيل الى ما بين 5 و10 مليار شيكل. هذا مقابل تراجع حاد في مدخول الدولة من الضرائب.
تباين الاولويات مع واشنطن:
وعلى مستوى اخر، بدأت تتضح فجوة اولويات في التقديرات بين الموقفين الامريكي والاسرائيلي، وكان ارسال جنرالات امريكيين بصفة خبراء ممن قادوا العمليات الامريكية في العراق، ليقدموا المشورة الى حكومة الحرب الاسرائيلية والضغط نحو إرجاء الاجتياح وربطه بالأسرى من ناحية وباحترام القانون الدولي من ناحية اخرى. ويقوم الخبراء العسكريون الامريكيون بدفع القيادة الإسرائيلية الى تبني بدائل للاجتياح البري من ناحية، وضمان عدم توسع نطاق الحرب اقليميا مما يهدد المصالح الامريكية الحيوية. كما أن هناك تباين في الموقفين من الدول العربية، ففي حين تحدث بلينكن في خطابه امام مجلس الامن 24/10/2023 عن امتنانه للدور المصري في مسألة المساعدات الانسانية والاسرى، وجد مستشار الامن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي اهمية للثناء على الموقف القطري والذي اعتبره “حيويا” وتجاهل الدور المصري ويبدو ان ذلك يعود للتوتر في العلاقات بين البلدين والموقف المصري الحازم من تنفيذ مشروع تهجير الفلسطينيين الى صحراء سيناء. في حين جاءت محادثة بايدن مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مسعى لتأكيد الدور الامريكي في “التعاون للسلام في الشرق الاوسط” وهو ما لا تتحدث عنه اسرائيل بتاتا وليست معنية بالحديث عن اي مخرج سياسي بل عن حل عسكري رفضته مصر في مؤتمر القاهرة الدولي الاخير. كما ان الثناء الاسرائيلي على قطر يتنافى مع التصريحات الاسرائيلية الرسمية ذاتها والتي اعتبرت قطر “داعمة للإرهاب” والتي دعت ايضا الى اغلاق بث فضائية الجزيرة من اسرائيل واتخاذ قرار حكومي بصددها.
خلاصة:
• باتت مسألة تبادل الاسرى تتصدر جدول الاعمال بعد المساعي الكبيرة لإسكاتها.
• بوادر تصدع في الاجماع القومي الصهيوني حول ضرورة الانتقام من دون اهداف واضحة وسؤال اليوم التالي
• التباين بين الاولويات الامريكية والاسرائيلية بات واضحا بما في ذلك الشعور العام في إسرائيل بان واشنطن تسعى للإشراف على القرار الاسرائيلي.
• بدأ الاقتصاد الاسرائيلي يئن تحت وطأة حالة الحرب وتجنيد قوات الاحتياط، مما يؤشر لبداية ازمة اقتصادية ومالية عميقة تصاحبها ازمة اجتماعية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.