مؤتمر الرياض للتحالف العالمي لحل الدولتين: الحيثيات والرسائل الدولية
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: استضافت الرياض الاجتماع الأول لـ “التحالف العالمي لتنفيذ حلّ الدولتين” ومواقف السعودية بشأن إقامة دولة فلسطينية كشرط لاتفاق استراتيجي مع الولايات المتحدة يتضمن تطبيعا مع إسرائيل، أثارت كثيرا من الأسئلة بشأن الظروف والحيثيات التي يقوم عليها الموقف السعودي كما رسائله داخل مشهد دولي شديد التحوّل. فكيف نقرأ ونفهم هذا المسار؟
نرصد بحذر هذه المواقف من خلال عرض للمعطيات والخلفيات التالية:
– في 27 سبتمبر 2024، أُعلن في اجتماع وزاري بشأن القضية الفلسطينية وجهود السلام، عقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 79، بمدينة نيويورك الأميركية، إطلاق “التحالف العالمي من أجل تنفيذ حل الدولتين”. نظم الاجتماع الوزاري مجموعة الاتصال الوزارية لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الأوروبي، بالإضافة للنرويج.
– دعا حينها وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان دول العالم للانضمام إلى هذه المبادرة. وشدّد على أن الحرب على غزة تسببت في حدوث كارثة إنسانية، إلى جانب الانتهاكات الخطيرة التي تقوم بها قوة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، وتهديد المسجد الأقصى الشريف، تكريسًا لسياسة الاحتلال والتطرف العنيف.
– أكد الوزير السعودي أن “قيام الدولة الفلسطينية المستقلة حقٌ أصيل وأساس للسلام، وليس نتيجة نهائية يتم التفاوض عليها ضمن عملية سياسية بعيدة المنال”. وأردف: “إنّ تنفيذ حلّ الدولتين هو الحل الأمثل لكسر حلقة الصراع والمعاناة، وإنفاذ واقع جديد تنعم فيه كافة المنطقة، بها فيها إسرائيل، بالأمن والتعايش”.
– في 30 اكتوبر 2024، أطلقت السعودية في الرياض أعمال المؤتمر الأول لـ “التحالف العالمي لتنفيذ حلّ الدولتين”. وقد ترأست السعودية الاجتماع إلى جانب النرويج التي اعترفت مؤخرا بدولة فلسطين.
– وفق الإعلام السعودي، حضر الاجتماع ممثلون عن الدول الخليجية والعربية والإسلامية ومنها تركيا ودول أوروبية وأفريقية. ولم يتضح ما إذا كانت إيران قد حضرت الاجتماع، علما أن الموقف الرسمي لإيران معاد لحل الدولتين، على الرغم من أن الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، كان حاضرا في القمة العربية الإسلامية عام 2023 في الرياض التي طالب بيانها بتنفيذ حلّ الدولتين.
– بحسب وزير الخارجية السعودي شارك في الاجتماع نحو 90 “دولة ومنظمة دولية” الذي استمر ليومين. ونقل عنه القول إن “المملكة ستحشد الرأي العام الدولي ضد ممارسات إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني”. وفي اليوم الثاني ، واختتام أعمال الاجتماع تحدث وكيل الوزارة للشؤون الدولية الدكتور عبد الرحمن الرسي، عن أهمية انخراط الدول المشاركة في الاجتماع برعاية المسار السياسي متعدد الأطراف بهدف تحقيق السلام القائم على حل الدولتين وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي، مستنداً إلى قواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وعلى أساس مرجعيات عملية السلام ومبادرة السلام العربية لعام 2002.
– في 31 اكتوبر 2024، قال وزير الخارجية السعودي، على هامش منتدى “مبادرة الاستثمار” في الرياض، إن التطبيع مع إسرائيل ليس مطروحاً على الطاولة قبل إيجاد حل لإقامة دولة فلسطينية. وأضاف أن أن “إقامة دولة فلسطينية ليست مرتبطة بما إذا كان الإسرائيليون يقبلون بذلك أم لا، لكنه مرتبط بقواعد ومبادئ القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة”.
– في 9 يونيو 2024، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، على وشك وضع اللمسات النهائية على معاهدة مع السعودية تلتزم واشنطن بموجبها بالمساعدة في الدفاع عن المملكة في إطار صفقة تهدف إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وإسرائيل.
– قالت الصحيفة إن الاتفاق المحتمل، يشمل اتفاقية أمنية وإبرام اتفاق نووي مدني بين واشنطن والرياض واتخاذ خطوات نحو إقامة دولة فلسطينية وإنهاء الحرب في غزة، وأشارت الصحيفة الى أن مسودة المعاهدة تنص على منح واشنطن إمكانية استخدام الأراضي السعودية والمجال الجوي للمملكة من أجل حماية المصالح الأميركية وشركائها في المنطقة، مقابل التزام الولايات المتحدة بالمساعدة في الدفاع عن السعودية في حالة تعرضها لهجوم.
– نقلت الصحيفة عن مسؤولين قولهم إن المعاهدة تهدف أيضا إلى توثيق الروابط بين الرياض وواشنطن من خلال منع الصين من بناء قواعد في المملكة أو مواصلة التعاون الأمني معها.
– ستتطلب الموافقة على هذه المعاهدة، التي قالت “وول ستريت جورنال” إنها ستحمل اسم اتفاقية “التحالف الاستراتيجي”، تصويت أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ الأميركي لصالحها، وهو أمر سيكون من الصعب تحقيقه ما لم ينص الاتفاق على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة، حسب الصحيفة.
– منذ الكلام عن هذا الاتفاق كثّفت الرياض المطالبة بقيام دولة فلسطينية وفق المبادرة العربية للسلام كشرط للتطبيع مع إسرائيل، وبالتالي شرط لإبرام الاتفاقية مع الولايات المتحدة.
– بالمقابل كثّفت الإدارة الأميركية الضغوط على الرياض من زاوية أن تحوّل الاتفاقية إلى معاهدة، كما تطلب الرياض، يتطلب تمريرها داخل الكونغرس، الذي سيكون من الصعب عليه، وفق موفدي واشنطن، المصادقة عليها إذا لم تتضمن نصا واضحا بشأن التطبيع السعودي الإسرائيلي.
خلاصة:
**رأى مراقبون أن السعودية صعّبت مبكّرا من إمكانية الوصول إلى اتفاق استراتيجي مع الإدارة الحالية في الولايات المتحدة عبر اشتراطها قيام دولة فلسطينية، بما أعطى انطباعا بعدم اهتمامها باتفاق مع واشنطن بأي ثمن.
**يرى خبراء في الشؤون السعودية أن الرياض تخشى من أن تفقد رشاقتها الدبلوماسية في العلاقة مع واشنطن وموسكو وبكين وغيرها من خلال تكبيلها باتفاق مع الولايات المتحدة يضيّق تحركها الدولي وحرية خياراتها.
**يرجّح باحثون أن إقامة السعودية لهذا “التحالف العالمي من أجل تنفيذ حل الدولتين” يهدف إلى التحصّن به وتقوية أوراقها بشأن الحلّ الفلسطيني، وربط الأمر أكثر بآلية دولية يقوي من شروط انخراطها في اتفاق استراتيجي مع الولايات المتحدة.
**لاحظت مصادر دبلوماسية أن خطاب الإعلام السعودي في تغطية أعمال اجتماع “التحالف العالمي من أجل تنفيذ حلّ الدولتين” بقيّ تقنيا هادئا، دون اضاءات او اعتباره حدثا كبيرا، وصف في أوساط المراقبين بانه محاولة لعدم إعطاء الحدث جرعات سياسية مفرطة.
**يعتقد مراقبون أن تصريحات الرياض بشأن المسألة الفلسطينية، محصورة بوزير الخارجية الذي يوجه رسائل دبلوماسية، حذقة، وواضحة المفردات، إلى واشنطن والعواصم الدولية بشأن الاعتبارات التي تسيّر السياسة الخارجية السعودية ومعاييره أمام الرأي العام الداخلي والإقليمي، العربي والإسلامي.
**لاحظ متابعون لشؤون المملكة أن السقف العالي الذي تطالب به الرياض بشأن حلّ الدولتين وقيام دولة فلسطينية لم يُضخم ويروّج له في كتابات المعلقين السعوديين وفي المزاج العام لحسابات السوشيال ميديا في السعودية.
**هناك تقدير بأن السعودية تحاول استباق احتمال وصول دونالد ترامب إلى منصب الرئاسة في الولايات المتحدة وما سيحمله ذلك من ضغوط بشأن التطبيع، من خلال إظهار مواقف أكثر تصلّبا ووضوحا بشأن حل الدولتين.
**تقدّر الرياض أنه في ظل “حروب نتنياهو” وغموض مآلاتها في الشرق الأوسط يجدر رفع سواتر حمائية سياسية استباقا لتحوّلات ضبابية في المنطقة تبدو واشنطن ضالعة بها.