لوثة التوريث في تونس: تفجر أكبر الأحزاب الوطنية
وليد زايد
لم يمر سوى ست سنوات على تأسيس حزب نداء تونس، حتى شهد حالة من التفكك والتشرذم. فالحزب الذيحصد المركز الأول في الأنتخابات البرلمانية في عام 2014، وسيطر على مفاصل الدولة بعدما أعتلى الرئاسيات الثلاثة، الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية، يتراجع الأن نحو الهاوية بعدما فقد المركز الأول في البرلمان،وسحب رئيس الوزراء البساط من تحت أقدام الحزب وخرج عن طوع رئيسه التنفيذي حافظ السبسي، نجل الرئيس، والذي يسعى لمشروع توريث واضح للعيان. الأزمة ليست جديدة ولكنها بدأت منذ اليوم الأول للتأسيس، فقد حمل الحزب أسباب فشله، مع الخلافات الداخلية المستمرة وصراع مراكز القوة التي يشهدها، ولازال .
أولا- التأسيس المأزوم :
تعود جذور الأزمة في حزب نداء تونس إلى ان تشكيله لم يتم بناءً على ايدلوجية فكرية واضحة وفقًا للقواعد الديمقراطية الراسخة في الحياة الحزبية، ولكن من أجل غاية مرحلية وهى الإطاحة بحزب النهضة أو على الأقل قطع الطريق على تفردة بالسلطة السياسية . وفي تصريح للباجي قايد السبسي عند تأسيس الحزب، قال ” أوجه نداءا لمواطنين وانبههم واقول لهم إن حركة النهضة أصبحت أكبر خطر على البلاد، وأن أمنكم لم يعد مضمونا”، وبهذا حمل الحزب عند تأسيسه خطابا يقوم على التخويف من المنافسين والخصوم اكثر مناعتماده على رؤية سياسية واقتصادية وفكرية محددة، فكان منطقيا أن يفشل بعد وصوله للسلطة في تحقيق أى إنجازات اقتصادية واجتماعية ظاهرة.
وقد جمع الحزب الأضداد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ليس بينهم من جامع ومشترك سوى العداءللإسلام السياسي، حيث ضم مجموعة من اليساريين والنقابيين والليبراليين ورجال الأعمال وبعض من أنصارنظام بن على وحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل. هذه التركيبية غير المتجانسة وإن نجحت فيالوصول إلى الحكم وتصدر المشهد السياسي في عام 2014، حين حصلت على نحو 40% من مقاعد البرلمان ،إلا أنها فشلت فى رأب الصدع وتصفية الصراعات التي نشبت بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية. فحينماحقق أهدافه في مواجهة النهضة وتحالف الترويكا، لم يعد هناك مبرر قوي لبقائه، وتوجه الأعضاء للبحث عنمصالحهم التي دخلوا حزب نداء تونس من أجلها.
بدأت الأزمة تلوح في الأفق حينما احتدم الصراع على الحقائب الوزارية وعلى المناصب السيادية ، حيث أتضحوجود لوبيات قوية داخل الحزب نفسه تدعم أطراف مختلفة، وكانت أول الخلافات الواضحة هو الخلاف بينحافظ السبسي والمدير التنفيذي السابق محسن مرزوق على قيادة الحزب خلفًا للباجى قائد السبسي، والذيأدى إلي انشقاق مرزوق عن الحزب وتأسيسه لحزب جديد هو مشروع تونس، تلاها انشقاق برلماني في الكتلة البرلمانية للحزب واستقالة قرابة 30 نائبا ، ثم تلتها انسحابات فردية من الحزب، بعد أن تأكد لعدد كبير من الأعضاء والمؤيدين أن وعود السبسي والحزب بالقطيعة مع حزب النهضة كانت مجرد خطاب شعبوي زائف،ففي أول معضلة تواجه الحزب تحالف وتوافق مع حركة النهضة الإسلامي.
وبدأ يتأكل الحزب داخليًا بفعل الصراعات والمناورات السياسية، الذي يشعلها نجل السبسي، للسيطرة علىمفاصل المؤسسة ؛ حتى تراجعت كتلة الحزب البرلمانية في عام 2016 ليصبح ترتيبه الثاني من حيث عددالمقاعد بعد حزب النهضة، ب69 نائبا مقابل 67 لنداء تونس. وعلى الرغم من أن السبسي قد أجل الانفجار بتأجيله المؤتمر التأسيسي للحزب حتى بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية بفترة، إلا أنه في نهاية الأمر حصل ما كانمتوقعا ، لأن الجميع كان ينتظر تقسيم وتوزيع الحصص في ظل سعى نجل السبسي لأن يرث أبيه في الحزبوالحكم.
ثانيا- معركة الوراثة
لم يكن حافظ السبسي، من السياسين البارزين قبل عام 2011، بل كان من رجال الأعمال والتجارة ولم يمارسالسياسة قبل الثورة التونسية قط ، رغم تجاوزه سن الخمسين . ورغم ضحالة التجربة ، إلا أنه نجح في أن يكونمحط أنظار الرأى العام التونسي ودائما ما يترد أسمه مرتبطًا بالخلافات والصراعات في الحزب أو مع باقيالأحزاب والتيارات الأخرى أو بينه وبين الحكومة.
بدأ أسمه يتردد على الساحة السياسية في الصراع بين مستشار الرئيس اليساري محسن مرزوق، ورضا بلحاجالذي تولى إدارة الديوان الرئاسي، وأصبح أمين سرِّ الرئيس ومدير مكتبه، والذي أنتهى باستبعاد الأثنين تدريجيًاعن القصر وعن دوائر القرار السياسي. في البداية تم استبعاد مرزوق وجعله أمينًا عامًا للحزب، ولكن كان الحزبقد وقع في قبضة حافظ السبسي، مما أدى بدوره إلى تفاقم الأزمات بين الطرفين، خاصة أن السبسي تحالفمع رضا بلحاج ومجموعة من رجال الأعمال كتيار رأسمالي داخل الحزب من أجل الأطاحة بالتيار اليساري وعلىرأسه محسن مرزوق، وبالفعل انتهى الصراع باستقالة مرزوق من الحزب، واستقال معه نحو 25 برلمانيًا منالكتلة البرلمانية للحزب بالإضافة إلى عشرات الأعضاء الآخرين.
وبعد فترة قصيرة حُمل رضا بلحاج مسؤولية الانشقاق الذي حدث في الحزب وإضعاف كتلته في البرلمان،فأقيل من منصبه بديوان رئاسة الجمهورية وتم اقصاءه من الحزب، فدخل في معارك قضائية مع الحزب وذهبوأسس حركة تونس أولا، وبذلك تخلص حافظ السبسي من منافسيه حتى من ساعدوه على التخلص من محسنمرزوق.
وامتدت المشكلات والصراعات من داخل الحزب حول قيادته، إلى مؤسسات الدولة بأكملها في حالة صراعيةحول إمكانيات السيطرة على الحكم ذاته، ولكن تلك المرة بين حافظ السبسي ورئيس الوزراء يوسف الشاهد،وتصاعد التنافس والصراع بين الطرفين حتى وصل الأمر إلى تجميد عضوية الشاهد ذاته في الحزب فيمنتصف الشهر الجاري، بعدما تم تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2 في مايو/ أيار الماضي، نتيجة عدم اتفاقالمجتمعين على النقطة 64 من الوثيقة، وهي النقطة المتعلقة بمصير رئيس الحكومة يوسف الشاهد، رغماتفاقهم على 63 نقطة، حيث تمسك كل طرف بموقفه بشأن الشاهد الذي يترأس الحكومة منذ أغسطس/آب2016.
يرفض ممثلى حزب نداء تونس استمرار حكومة الشاهد، ويصر حافظ السبسي على ضرورة إقالته بعد أن حمّلهنتيجة فشل الحزب في الانتخابات المحلية التي عرفتها تونس في الـ6 من مايو/أيار 2018، حيث أفرزت فوز حركةالنهضة بأغلبية مقاعد المجالس المحلية بنسبة 29.6% بواقع 2135 مقعدًا، في حين حل حزب “نداء تونس” في المرتبة الثانية بـ22.7% من الأصوات، وحصل على 1595 مقعدًا. فتتهم قيادات الحزب الشاهد بأنه مسئولعن ما ألت إلية أوضاع البلاد الأقتصادية وتدهور المقدرة الشرائية للشعب التونسي والانهيار المريع لكلالمؤشرات الاقتصادية وانهيار قيمة الدينار، وانهيار احتياطي الدولة من العملة الصعبة بشكل غير مسبوق ،وتتهم الشاهد بالتعاون مع حزب النهضة، خاصة أن القرارات الأقتصادية الصعبة التي أتخذتها الحكومة تمتقبل الأنتخابات المحلية بوقت قصير، بالإضافة إلى أن الدعم البرلماني المقدم للحكومة يقف وراءه حزبالنهضة.
بينما يرفض حزب النهضة جميع المساعي التي ترغب في الإطاحة بحكومة الشاهد، خاصة وأن البلاد تستعدلانتخابات تشريعية ورئاسية في عام 2019. ووجه الحزب الاتهام لحزب النداء بأنه يسعى لتفجير الأوضاع وتأزيمالوضع السياسي في تونس، وقد صرح راشد الغنوشي بأن الأطراف المشاركة في مفاوضات وثيقة قرطاج 2 ليسمن ضمن مهامهم تغيير الحكومة وأن من يرغب في ذلك يعليه الذهاب إلى البرلمان وليس مائدة حوار جانبية،لأن شرعية الحكومة منبثقة عن البرلمان فقط وليس لحزب نداء تونس الحق في السعي لتغيير الرئيس بأعتبارهعضو في هيئته العليا .
وفي خطاب بثته القناة الوطنية الأولى ليلة الثلاثاء 29 مايو/آيار 2018، أعلن يوسف الشاهد الحرب علانيةً علىحافظ السبسي، حيث أكد أن أزمة نداء تونس قد تسربت إلى مفاصل الدولة التونسية، وتهدد بمخاطر كبيرةعلى أمن واستقرار الدولة وتسبب زعزعة الأستقرار في البلاد، في لحظة أن الدولة على أبواب انتخابات في العامالمقبل . وفي ظل تنفيذ الحكومة لبرنامج الإصلاح الأقتصادي المتفق عليه وبوادر الانتعاش الاقتصادي
ثالثا- مستقبل الأزمة :
تكمن المعضلة في تونس اليوم، أن مشروع التوريث الذي يسعى إليه السبسي ونجله غير قابل للتحقيق بسهولة، لأنه لم تتوافر فيه الحد الأدنى من الذكاء والوقت الكافي لتمريره، فقد احتاج حسنى مبارك في مصرإلى أكثر من عقدين من الزمان ليتم الحديث عن وجود مشروع للتوريث . في الحالة التونسية يبدو ان الرئيسبات متعجلا ؛ فعمره تجاوز ال 92 عاما، ولا يمتلك رفاهية الوقت لتاخير قرار التوريث .
هذه العجلة أدت إلى نتائج عكسية تمامًا، في البداية محاولة تقديم شخصيات غير معروفة لرئاسة الوزارء، فالشاهد لم يكن معروفًا في المجال العام قبل الثورة، وقبله الحبيب الصيد، كان وزيرًا لوزارة هامشية ، وفيظنه ان ذلك يسهل التحكم في أمور الدولة ومفاصلها، ولكن ما حدث هو العكس أيضا ، فقد حاول الشاهد شيئًافشيئًا توسيع دائرة تحالفاته وتقوية علاقاته، ولم يسعى لخسارة حزب النهضة، بل تعاون معه، هذا التعاون هوالذي جعله مستمرًا حتى الأن في رئاسة الوزراء، لأن الأغلبية البرلمانية معه، ولا يستطيع حزب النداء الإطاحه به.
المنافسة شخصية وفي كل مرة يفوز الشاهد في الصراع ولا يخرج منهزمًا، فبجانب ضمانه لولاء حزب النهضة،فإنه مسيطر على جزء لا يستهان بيه من حزب نداء تونس، ويدعمه أغلب المنشقين عن الحزب. فقد سعىالشاهد لتشكيل كتلة “الائتلاف الوطني”، والتي تقف وراء استمرار ودعم الحكومة، وقد وصل عدد الأعضاء فيهذه الكتلة إلى 41 برلمانيا، بعدما أضم له 8 منشقين من النداء .
السيناريو المرجح في ظل المعطيات الحالية، أن تستمر الأزمة والمراوحة حتى الانتخابات الرئاسية القادمة خاصة بعد فشل السبسي الابن في إسقاط الحكومة من خارج البرلمان .