لقاء زيلسنكي – ترامب في البيت الأبيض:

ما هي التداعيات والمؤشرات المستقبلية؟

وحدة الشؤون الدولية،حمزة علي

مركز تقدم للسياسات

أثار اللقاء نقاشًا واسعا حول مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية. فاللقاء ونتائجه وتداعياته تفوق المشهدية المسرحية وحتى البروتوكولية غير المسبوقة، نحو رسائل عميقة اعدت جيدا ترتكز الى إشارات تتعلق بفلسفة أمريكا ” الترامبية” الجديدة للعلاقات الدولية، باعتبار الموقف من استمرار الحرب في أوكرانيا وبقية حروب وازمات العالم، سترفع منذ اليوم على أساس مبدأ “أمريكا أولاً”. والعودة المحتملة إلى نموذج “منافسة القوة” الذي حكم سياسة الولايات المتحدة الخارجية قبل الحرب العالمية الثانية.
انشغل المحللون والدارسون في محاولة تفكيك هذه الرؤية فيما يتعلق بالنظام العالمي القائم، وما إذا كانت رؤية ترامب للسياسة الخارجية يمكن أن تعيد تشكيل دور أمريكا على المسرح العالمي، بأدوات واليات وتحالفات جديدة، غير واضحة وربما غير مكتملة الإطار، لكنها في طور التشكل.
نتابع في هذه الورقة المختصرة، ما بدأناه في مركز تقدم للسياسات، قراءة أبرز الآراء للمعلقين والكتاب الغربيين ومنظورهم لهذا التحول الجوهري في السياسة العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

**صحيفة وول ستريت جورنال أبرزت بصورة جلية الرؤية الترامبية الجديدة في 2 مارس ٢٠٢٥.
: في مقال صادر عن مجلس تحرير الصحيفة ذات التأثير الواسع، أشار إلى أن ترامب بدأ “نظامًا عالميًا جديدًا”. ويوصف هذا التحول ليس باعتباره تطورا جديدا ولكن كعودة إلى “النظام القديم” لـ “منافسة القوة” التي سادت قبل الحرب العالمية الثانية.
– وان القائمين عليه حازمون في وجهة نظرهم بأن هذا الترتيب الجديد يتكشف بالفعل. اشارت في مرافعتها دفاعا عن هذا التحول الحاسم في مبنى ومستقبل العلاقات الدولية إلى إلبريدج كولبي، المرشح لمنصب رئيس الاستراتيجية في البنتاغون، كشخصية رئيسية تجسد نهج ترامب في السياسة الخارجية.
– إذ جادل كولبي بأن الولايات المتحدة يجب أن تركز على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تاركة أوروبا والشرق الأوسط للتعامل مع شؤونهما الخاصة. كما اقترح أن كوريا الجنوبية قد تحتاج إلى الدفاع عن نفسها بشكل مستقل وأشار في رسالة له العام الماضي إلى أن “تايوان ليست ذات أهمية وجودية لأمريكا”. ويرسم بهذا المشهد صورة لأمريكا المتراجعة وديناميكية عالمية تتطور بسرعة.

** ويتفق كاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز مع هذه الرؤية في 1 مارس ٢٠٢٥. ، ويقدم تقييمًا بالهدف الحقيقي للإطاحة الأخيرة بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من قبل ترامب ونائبه جيه دي فانس. وزعم أن هذه الحادثة كانت تأكيدًا آخر على أن العديد من الادعاءات القديمة التي تدعم القوة الأمريكية والسياسة الخارجية يتم إعادة النظر فيها بسرعة.
– حدد الكاتب ثلاثة ادعاءات مفاهيمية رئيسية خاطئة يعتقد أنها لا تزال قائمة على نطاق واسع ولكنها غير صحيحة بشكل أساسي: – الدور المهيمن للولايات المتحدة: لا يزال الكثيرون يعتقدون أن اميركا قادرة على لعب الدور العالمي المهيمن الذي لعبته قبل 20 عامًا – دعم الحلفاء “الديمقراطيين” بالكامل في كل منطقة والحفاظ على الاستعداد لخوض الحروب عبر مسارح متعددة. – قوة الحلفاء الأوروبيين.
– هناك تصور خاطئ أيضا، بأن الدول الأوروبية شركاء أقوياء ومتساوين في حماية الأمن العالمي. وان احتمالات النصر الأوكراني، لا تزال فكرة قائمة مع المساعدات العسكرية الكافية والدعم المعنوي، وانه يمكن لأوكرانيا صد القوات الروسية واستعادة حدودها قبل الحرب والانضمام في النهاية إلى حلف شمال الأطلسي.
الواقع، كما يراه الكاتب، مختلف تمامًا:
• فلم تعد الولايات المتحدة تمتلك القدرة على الحفاظ على النظام العالمي من جانب واحد.
• سيتم تحديد المستقبل من خلال توازن القوى بين العديد من الدول الكبرى بدلاً من نظام واحد بقيادة الولايات المتحدة.
• سوء الحكم الأوروبي بات واضحا ومتداعيا، وأي إحياء للقوة الأوروبية هو في الغالب تفكير متفائل.
• حرب أوكرانيا في طريق مسدود: لا يوجد مسار واقعي لتحقيق النصر الأوكراني دون تدخل أمريكي مباشر.
• إن التسوية التفاوضية أمر لا مفر منه، ولم تكن عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي نتيجة قابلة للتطبيق أبدًا.
• ويضيف، أن صناع السياسات بحاجة إلى فهم أن الهدنة التي يبدو أن إدارة ترامب تريد التفاوض عليها مع روسيا قد لا تبدو مختلفة كثيرًا عن اللعبة النهائية التي كانت لتتطور تحت رئيس ديمقراطي، فهذه هي طبيعة ما هو مطلوب في هذه الساحة العالمية.
• في الأساس، يزعم كاتب العمود أن النظام الدولي الذي يعتقد الكثيرون أنهم يديرونه غير موجود بالفعل. وأكد على هذا التحول بقوله: “يحتاج الناس إلى معرفة أن العالم ليس كما كان في عام 2000 أو 2012”.
• يخلص الكاتب، إلى أن أولئك الذين غضبوا من اجتماع يوم الجمعة يحتاجون إلى فهم أن قواعد الاشتباك بأكملها تتغير – وقد تغيرت منذ زمن.
** صحيفة الغارديان البريطانية تضيف بُعدًا آخر إلى هذه الرواية في 3 مارس ٢٠٢٥.،
– فاجتماع يوم الجمعة في البيت الأبيض أرسل رسالة “مرعبة” إلى أوروبا، مفادها أن النظام الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية كان يتفكك أمام أعينهم.
– وعزز كاتب عمود آخر في الصحيفة هذه الفكرة، مشيرًا إلى أن “النظام الليبرالي بعد الحرب يتفكك”. وأشار إلى أن حرب أوكرانيا لم تكن المحور الوحيد في لقاء يوم الجمعة؛ بل إن الاجتماع يرمز إلى رؤية ترامب للعالم باعتباره عالمًا لا تحكمه القيم المشتركة بل المعاملات والصفقات.
– وتكهن كاتب العمود بالسيناريوهات المستقبلية المحتملة في ظل هذا النظام الناشئ:
– التوسع الروسي: هل يمكن لروسيا ضم المزيد من الأراضي الأوكرانية دون أي تحد؟
– الطموحات الإسرائيلية: ما الذي قد يمنع إسرائيل من ضم ليس فقط الضفة الغربية ولكن أيضًا جنوب سوريا؟
– الصين وتايوان: هل يمكن مقايضة الغزو الصيني لتايوان في مقابل اتفاقية تجارية مواتية مع الولايات المتحدة وربما منتجعات جديدة تحمل علامة ترامب التجارية؟
ـ ويخلص الكاتب إلى أن النقطة الجوهرية هي، أنه حان الوقت لقبول الواقع الجديد وإجراء ترتيبات وخطط جديدة له.

*خلاصات ختامية*
– يبدو أن إجماعًا يتقدم لدى دارسي العلاقات الدولية، يقوم على أن النظام العالمي الذي هيمن على حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية آخذ في التفكك، مع إفساح الهيمنة الأمريكية المجال لعالم متعدد الأقطاب يقوم على المصالح.
– مع تحول السياسة الخارجية الأمريكية بعيدًا عن أوروبا والشرق الأوسط، فإن الافتراضات القديمة حول التحالفات والأمن والاستقرار تتعرض للتحدي.
– لم يعد من الممكن افتراض استقرار دائم للنظام الليبرالي بعد الحرب بوسائل تقادمت وتحللت.
– بالنسبة لصناع السياسات في العالم وفي المنطقة العربية على وجه التحديد، فإن التحدي الأكبر اليوم هو الاستعداد لمواجهة هذا الواقع الجديد وإعادة معايرة التوقعات والتكيف مع المشهد العالمي وإعادة التفكير في الاستراتيجيات وفقًا لذلك.
– العالم يتجه نحو انحلال النظام القديم بما فيه مؤسساته الدولية، الاقتصادية والعسكرية والمالية والسياسية، لصالح منظومات إقليمية، تتولى مهام التنمية والتعاون والحفاظ على الامن الإقليمي المشترك، بدل التنافس والحروب الكارثية، والبداية قد تكون بكونفدراليات اقتصادية، تربط الدول بمنظومة من المصالح الدائمة، وانسياب للاستثمار والعمل وحرية التنقل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.