لقاءات وزير الخارجية الأمريكي الفلسطينية والإسرائيلية: الحفاظ على الوضع القائم

مركز تقدم للسياسات

مقدمة: حكمت الجولات الدبلوماسية وراس المؤسسة الأمنية الامريكية في المنطقة ثوابت أساسية، لا تغيير حقيقيا عليها، رغم كل الهزات والتطورات التي طرأت على المشهد الشرق الاوسطي. الثابت في العقدين الاخيرين كان ولا يزال هو الحيلولة دون امتلاك إيران السلاح النووي، والى تأكيد الالتزام الأمريكي بحل الدولتين ورفض اية خطوات تغير الحالة الراهنة، بما في ذلك تلك التي تدفع لتصعيد التوتر. ركّز بلينكن في زيارته الإسرائيلية على القضايا الداخلية بما فيها الحفاظ على استقلالية الجهاز القضائي ومحوريته في مبنى الدولة، وعلى القيم المشتركة وعلى الدمقراطية وحقوق الاقليات والمجموعات المختلفة وعلى دور المجتمع المدني. كما واجتمع برئيس المعارضة يائير لبيد. في كلمته قبل مغادرته البلاد حث بلينكين إسرائيل على مساندة اوكرانيا، واشار الى ان إيران تساند روسيا.
في رام الله أكد على الالتزام الامريكي بحل الدولتين ووعد بدعم اضافي لوكالة الاونروا، وهو تكرار لموقف ادارة بايدن بخلاف ادارة ترامب التي اوقفت الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين. كما أكد المسؤول الامريكي على السعي لاعتماد الجيل الرابع للشبكات الخليوية. في مناطق السلطة الفلسطينية.
ترافقت زيارة بلينكن بزيارة خاطفة الى رام الله لمسؤولي المخابرات المصري والاردني، حيث التقيا الرئيس محمود عباس، وكان بلينكن قد بدأ جولته في المنطقة بزيارة مصر ولقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي. وذلك بعد ايام من اللقاء الثلاثي في القاهرة بين قادة مصر والاردن وفلسطين.

تحليل:

جولات المسؤولين الامريكيين الكبار في المنطقة، تأتي في المقام الأول لخدمة مصالح الولايات المتحدة الدولية. ويتضح ان الائتلاف الاسرائيلي الحاكم وخطوطه العريضة وممارساته، تشكل مجتمعة تهديدا مباشرا او غير مباشر للمصالح الامريكية، مما قد ينعكس على جوانب مهمة في علاقاتها مع اسرائيل. قامت ادارة بايدن وخارجيتها بإشراك طرفين عربيين رئيسيين وهما مصر والاردن، ضمن مسعى متعدد الاطراف لضبط الهدوء والحفاظ على الحالة الراهنة وعدم التأثير على انشغالات الولايات المتحدة واولوياتها القومية وفي المقدمة، الحرب في اوكرانيا والتنافس مع الصين والحفاظ على طابع العلاقات الدولية الراهنة ومنع التحول الى نظام متعدد الأقطاب.
أعدّت الخارجية الامريكية جيدا لجولة بلينكين على خلاف الزيارات السابقة ، فقد سبقه على التوالي مستشار الامن القومي جاك سوليفان ورئيس المخابرات “السي آي إيه” وليم بيرنز، بالإضافة الى زيارات قام بها اعضاء كونغرس من مناصري اسرائيل من الحزب الدمقراطي لثني الحكومة عن خطواتها لانقلاب على “اساسات الدولة الديمقراطية” ، وتشكل هذه الزيارات حملة ضاغطة على رئيس الحكومة نتنياهو لتامين استقرارها. من شأن هكذا رقابة امريكية متواصلة ان تعمق الشروخ داخل الائتلاف الحاكم، الذي تتعزز التقديرات بهشاشته وعدم القدرة على الالتزام بخطوطه السياسية العريضة التي اتفق عليها.
كان لافتاً مدى تقارب اللغة والمفردات بين بلينكين وغانتس وزير الدفاع السابق واحد قادة المعارضة الذي قدم مبادرة للحوار بين الحكومة والمعارضة بشأن التغييرات الدستورية وحصريا في الجهاز القضائي، والذي له اسقاطات على الاقتصاد وعلى الأمن القومي سواء الاسرائيلي او الامريكي. ويشار هنا الى استمرار المراهنة على استبدال حزب “عوتسما يهوديت” بحزب “المعسكر الرسمي” بقيادة غانتس كشريك محتمل في الحكومة.
التزام بلينكن في رام الله بشأن الاونروا والجيل الرابع للشبكات الخليوية فيه تأكيد على ان واشنطن لا تملك تصورا لمواجهة الاحتمالات الخطرة لتطبيق برنامج الائتلاف الحكومي في إسرائيل، والذي قد يقلب كل اساسات الصراع في المنطقة، ويفتح الباب لتطورات لا يمكن التنبؤ بها. ولإعطاء إشارات على الجدية الامريكية، قراره إبقاء مساعديه لمتابعة العمل مع الأطراف، ورهانه على المنظومة الاقليمية المستندة الى الدورين المصري والاردني.
بخلاف موقف حكومة نتنياهو فإن بلينكن معنى بتقوية السلطة الفلسطينية، وبصورة اكبر في استمرار التنسيق الأمني ويتخوّف من ممارسات الوزير في وزارة الأمن سموتريتش الذي يسعى الى إضعاف السلطة الفلسطينية إن لم يكن القضاء عليها .
في هذا الصدد يبرز التناسق بين التوجه الامريكي والمصري-الاردني، وعليه شهدت المنطقة تحركات جديرة بالتنويه كان ابرزها قمة القاهرة الثلاثية مع الرئيس محمود عباس، ثم مشاركة كل من الرئيس السيسي والملك عبدالله الثاني في قمة دول الخليج بغياب السعودية والكويت.
إشراك الطرفين المصري والاردني هو توجه أمريكي لتأسيس منظومة إقليمية ثابتة وذات مصلحة مباشرة لضبط الأمور كما تقتضيه السياسة الامريكية التي صرّح بها بلينكن. كما تتماشى مع سياسة البلدين وترمي الى تثبيت الدور المصري المركزي وبالذات في ضمان التهدئة مع قطاع غزة، بينما إشراك الجانب الاردني فيه تعزيز لدوره وطمأنة بهذا الصدد وبالذات في أنّ إطار حل القضية الفلسطينية لن يكون سوى في حدود فلسطين التاريخية على العكس من نوايا الائتلاف الحاكم، كما وفيه تأكيد على اولوية ادارة بايدن بالحفاظ على الوضع القائم في منطقة E1 الخان الأحمر، وكذلك في القدس ومقدساتها وبالذات في المسجد الاقصى. إن إبقاء الطواقم الامريكية في البلاد لمراقبة عمل الحكومة وبالذات في هاتين المسألتين من شأنه ان يعمّق الشرخ بين نتنياهو وبين بن غفير وسموتريتش.
اعتمد نتنياهو مبدأ المقايضة بين الجبهات المختلفة ومنها سعيه للتطبيع مع السعودية مقابل ضبط محدود لممارسات دولة الاحتلال تجاه الفلسطينيين دونما التقدم بالمسار السياسي، او سعيه الى دفع واشنطن الى نقطة اللا-عودة الى الاتفاق النووي الايراني، وكانت الضربة العسكرية في مصنع تطوير الصواريخ عالية التكنولوجيا في أصفهان عشية وصول بلينكن، والتي اعترف بها نتنياهو ضمنيا يوم 1 شباط/فبراير بأن اسرائيل معنية بتسديد ضربة لصناعات نوع معين من السلاح الايراني، والتي تلت المناورات البحرية الضخمة بين القوات الامريكية والاسرائيلية، بينما في تصريحاته الختامية دعا بلينكبن اسرائيل الى مساندة اوكرانيا مبررا ذلك بأن ايران تساند روسيا.

الخلاصة:

نتائج زيارة المسؤولين الأمريكيين للمنطقة والمتعلقة بفلسطين والملف الايراني، لم تخرج عن إطار المواقف التقليدية للإدارة، الا ان ما يميزها هذه المرة، هو الإصرار الأمريكي على منع تصاعد التوتر مما يعيق أولوياتها الإقليمية والدولية.
لا تعوّل الادرة الامريكية على وعود نتنياهو ولا تثق به شخصيا ولا بحكومته الصهيودينية، بل تستحدث منظومة رقابة على سياساته الداخلية والخارجية على السواء. وقد تقود هذه الرقابة مترافقة مع المظاهرات الاسرائيلية المعارضة الى تصدّع في الائتلاف الحاكم. ولهذا يمكن القول ان جولة بلينكن لم تعزز حكومة نتنياهو، بل عمّقت أزمتها، كما انها لم تأت ببشائر الانفراج او الحماية للشعب الفلسطيني بل أن استهدافه اسرائيلياً يتصاعد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.