لعنة اكتوبر الإسرائيلية:
انهيار شامل لأسس العقيدة العسكرية الاسرائيلية
تقدير موقف اولي: مركز تقدم للسياسات
وفقا للتقديرات وردود الفعل الاسرائيلية والسلوك الشعبي والرسمي، فإن السابع من تشرين/اكتوبر 2023 هو حدث مفصلي سوف تتبين ابعاده اكثر حين تهدأ غبار المعركة، حين تنظر اسرائيل الى ذاتها وتجد انها فقدت مواطن قوتها العسكرية والمجتمعية وفقدت اهم مقومات لحمتها الداخلية.
اتضحت معادلة الانتصار والهزيمة في اللحظة الاولى لحملة كتائب القسام “طوفان الاقصى” العسكرية متكاملة الاركان استخباراتيا وعملياتيا وجرأة ومراوغة عسكرية.
– تعيش اسرائيل اليوم تحت الضغط الشعبي والاعلامي والسياسي للدفع نحو إعادة احتلال غزة والاجتياح البري ، لكنها لا تتحكم بمركبات جوهرية أربعة وهي: هل يملك جيش الاحتلال القدرة على هكذا حرب، والثمن لهكذا عملية، وهل سيفتح ذلك جبهات اخرى خاصة الشمالية وهي التي تعتبرها اسرائيل الأخطر، هل تضمن اسرائيل ألّا تتورط اكثر.
– عكست جلسة الحكومة في اليوم ذاته حالة من التعثر الشامل وتراشق الاتهامات والصراخ بين الوزراء ومسعى واضح المعالم لإلقاء كامل المسؤولية على الجيش وقائد الاركان ورئيس شعبة الاستخبارات ورئيس جهاز الامن العام الشاباك. لكنها عكست بالأساس فقدان التوازن في المؤسسة الحاكمة وإدراك ان ما حدث هو هزة ارضية ستطيح بقيادات سياسية وعسكرية وستعصف بكل المنظومة الاسرائيلية وستنهي مفهوم جيش الشعب نهائيا.
– فقدت اسرائيل معظم مركبات عقيدتها العسكرية وهي كالتالي: احتكار قرار الحرب والبدء بها والمفاجأة، والقدرة على ادارة المعارك في ارض العدو، والقدرة على التحكم بمجريات القتال، وباتت جبهتها الداخلية هي خاصرتها الضعيفة، والتقدير أيضا انها فقدت احتكار الحرب السيبرانية بعد تعطيل منظوماتها والتشويش على التواصل فيما بينها.
– طورت اسرائيل عقيدة جديدة في العقد الاخير فيما يخص تبادل الأسرى، ووضعت حدودا جديدة لحرية الحكومة في التفاوض وحددت مبدأ إطلاق سراح اسير فلسطيني واحد مقابل اسير اسرائيلي واحد، الا انها وامام عدد الاسرائيليين الاسرى بمن فيهم ضباط كبار وفقا للإعلام، قد تبخرت كما لو لم تكن، فقواعد اللعبة جديدة ومختلفة جوهرية.
– تاريخيا اقامت الحركة الصهيونية قبل 1948 المستعمرات وخاصة “الكيبوتس” على نقطة الحدود بدون اي فاصل، وذلك من باب عقيدة بأنه اينما يكون تواجد سكاني يهودي تكون الحدود الأمنية وتتحول هذه المستعمرات الى تشكيلات ذات وظيفة عسكرية قتالية جوهرية تعمل تحت امرة قيادة الاركان. حاليا ثبت ان هذه المستوطنات باتت عبئا على الامن الاسرائيلي وبات الامن الاسرائيلي غير قادر على توفير الحماية لها.
– اصوات الاستغاثة وطلبات النجدة والخلاص التي اسمعها سكان الجنوب في هذه المستعمرات، وتأكيداتهم على عار الدولة والحكومة والجيش، هي نقطة متقدمة في انتهاء عقيدة جيش الشعب ونهاية اللحمة الداخلية وفيها فقدان تام للثقة بالمؤسستين الامنية – العسكرية والسياسية.
– الشعور بالاهانة والانهيار هو ما سيطر على الاعلام الاسرائيلي الذي تحول الى اعلام حربي عدواني يدعو الى تدمير غزة على سكانها دون اية روادع، مقابل فقدان الاعلام الرسمي لاية مصداقية بعد انهياره مقابل وسائل التواصل الاجتماعي التي نقلت الصورة بحرية والتي شاهد فيها سكان المستعمرات الجنوبية صور حية لافراد عائلاتهم في الأسر في غزة.
– انطلاق الدعوات التي تطالب بلجنة تحقيق رسمية في الاخفاق الهائل والمقارنة بالإخفاق الكبير كما حدث بعد حرب أكتوبر 1973. التقدير هو ان تؤجج هذه اللجنة الصراع بين المستويين العسكري والسياسي في مسألة تحميل المسؤولية، ومن المتوقع ان تؤدي الى ضعضعة مكانة الجيش والى الاطاحة بهذه الحكومة التي لا يوجد من ينقذها من مصيرها هذا سوى رئيسا المعارضة الصهيونية غانتس ولبيد، وقد ينضما لحكومة طوارئ او وحدة قومية مع سموتريتش وبن غفير او دعم الحكومة من خارج الائتلاف.
الخلاصة:
• تملك اسرائيل ترسانة عسكرية هائلة، ولكنها فقدت القدرة على الانتصار على الشعب الفلسطيني في اي موقع. تدهور اضافي ونوعي جوهري لوزن اسرائيل الاقليمي، وكل رهان عربي على قوتها وأثرها بات مراهنة على وهم خطير.
• الازمة الاسرائيلية الداخلية حول التغييرات القضائية باتت عاملا مخفَّفا امام عظمة الاثر التي تولدت في السابع من تشرين، والتي تشكل هزة ارضية مزلزلة في اسرائيل سياسيا وعسكريا ومجتمعيا.
• فلسطينيا ان الاوان لاستعادة الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام الذي سيبقى ثغرة وشرخا تدخل به دولة الاحتلال.
• الموقف الامريكي هو تأكيد اضافي بأن كل رهان عليه سيحصد اصحابه العرب الاخفاق الدائم .