لافروف.. مراجعة روسية للهولوكست
هل بدأت موسكو بالخروج من حالة التوازن في علاقتها بإسرائيل
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: إضافة إلى انتقاداته لإسرائيل في حربها ضد قطاع غزّة ولبنان، أعاد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إثارة مواقف تتعلّق ب”الهولوكست” واليهود وتضحيات الاتحاد السوفياتي وعدم أحقية بارتكاب إسرائيل ما ترتكبه باسم مظلومية المحرقة. والأرجح أن هذه المواقف قد تكشف تحوّلات للسياسة الخارجية الروسي تقلب التوازن الذي شاب العلاقات مع إسرائيل وسط تقارير مكثّفة عن تعاون عسكري بين طهران وموسكو وذهاب العاصمتين إلى إبرام اتفاق استراتيجي طويل الأمد.
نرصد أعراض هذا التحوّل من خلال المعطيات والخلفيات التالية:
– في 20 سبتمبر 2024، بثّت قناة “سكاي نيوز عربية” مقابلة مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تناول فيها مجموعة من القضايا الدولية. أيد الوزير الروسي تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش أنّ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 “لم يأتِ من فراغ”، على رغم من إدانته لهذا الهجوم.
– وصف اغتيال إسماعيل هنية في إيران خلال مراسم الاحتفال بتنصيب رئيس الجمهورية الجديد بأنّه “عمل دنيء”. وتمنى عدم وقوع حرب كبرى، وأن يكون هناك وقف كامل ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، وبشكل عام في الأراضي الفلسطينية، وإيجاد حل عاجل للقضايا الإنسانية، واستئناف المساعدات الإنسانية بالحجم المطلوب.
– طالب الوزير الروسي ببدء “حديث جدي حول إقامة دولة فلسطينية، لأنه من دون ذلك لن تتوقف انتكاسات اندلاع أعمال العنف في الشرق الأوسط”.
– أكد لافروف أنه يجري استفزاز “حزب الله” من خلال تفجير أجهزة “بيجر”. وقال إن الحزب يتصرف بضبط النفس مقارنة بالإمكانيات التي يمتلكها. وأضاف “إنهم يريدون استفزازه من أجل جعل تدخل الولايات المتحدة في الحرب أمرا لا مفر منه”.
– أشار لافروف إلى أن “الاتحاد السوفيتي فعل أكثر من كل مَن على وجه الأرض لإنقاذ اليهود وهزيمة من صنعوا الهولوكوست”. وأضاف أنّ اليهود لم يقتلوا وحدهم في المحرقة، بل قتل معهم عدد كبير من الروس والبيلاروس والأوكران والكازاخ والشعوب الأخرى التي كانت تقطن أراضي الاتحاد السوفيتي”.
– قال لافروف إنه “عندما يحتكم بعض المسؤولين إلى مقولة إننا نحن الشعب اليهودي كنا ضحايا الهولوكوست، ولذلك كل ما نفعله يمكن التساهل معه وغفرانه، فإن ذلك يتحوّل إلى نزعة سيّئة للغاية(..) إنّ هذه مظهر من مظاهر تلك الاستثنائية التي تميّزت بها ألمانيا الهتلريّة والأيديولوجية الهتلريّة”.
وكان سبق ملاحظات لافروف في هذه المسألة تصريحات له أثارت غضبا في إسرائيل:
– في مايو 2022، أدلى لافروف بتصريحاته خلال مقابلة مع التلفزيون الإيطالي ردا على سؤال حول سبب رغبة بلاده في “القضاء على النزعة النازية” في أوكرانيا بينما رئيس البلاد يهودي. فعندها رد قائلا “أعتقد أن هتلر أيضاً كانت له أصول يهودية لذا فهذا لا يعني شيئا”. كما أضاف أن “حكماء اليهود يقولون إن أكثر المعادين للسامية حماسة هم أساسا من اليهود”.
– أثارت هذه التصريحات غضبا في إسرائيل، فوصف وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، يائير لابيد، تعليق لافروف بأنه “تصريح مشين لا يغتفر”، وقال إن اتهامات اليهود أنفسهم بمعاداة السامية هي “أدنى مستوى من العنصرية”، مطالبا بالاعتذار. واستدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية السفير الروسي للحصول على “توضيحات”.
– ربط مراقبون تصريحات لافروف حينها بحسابات حرب أوكرانيا والترويج لمسألة “النازيين الجدد” هناك، لكنهم أشاروا إلى أن هذا الموقف لم يكن بعيدا من مغادرة إسرائيل للحياد حين اتهم لابيد في مارس 2022 روسيا بارتكاب جرائم حرب على الأراضي الأوكرانية.
– يعتبر مراقبون أن تناول مسألة اليهود والهولوكست على لسان لافروف لا يمكن إلا أن تكون جزءا من أجواء الكرملين وبالتنسيق مع الرئيس الروسي، وهي على علاقة ليس فقط بموقف الغرب وإسرائيل من الحرب في أوكرانيا، بل حتى بموقف اليهود الروس من هذه الحرب.
– في مارس 2024، أشارت دراسة روسية متخصصة إلى أن غياب ممثلي الجالية اليهودية في روسيا عن منابر تأييد “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا كانت واضحة، وأن كثير من الممثلين البارزين لليهود الروس اتّخذوا موقفا نشطا مناهضًا للحكومة.
– أشارت الدراسة إلى أن التحرك الأكثر شهرة كان مغادرة الحاخام الأكبر لكنيس موسكو، بنحاس غولدشميت، روسيا، وإعلانه- صراحة- معارضة “العملية العسكرية الخاصة”، وأتبع ذلك، بدعوة اليهود أيضا إلى الفرار من روسيا.
– يعتقد محللون أن مواقف لافروف بشأن غزّة ولبنان وانتقاد الحرب التي تخوضها إسرائيل تندرج في سياق الصراع مع الغرب وانتهاج موسكو اصطفافا معاديا حازما ضد الغرب وقريبا من إيران والصين.
– تأتي تصريحات لافروف وسط اتهامات غربية لإيران بتزويد روسيا بصواريخ باليستية واتهامات لروسيا بتزويد إيران بتقنيات نووية وإعلان موسكو عن موافقة بوتين على إبرام اتفاق استراتيجي طويل الأمد مع إيران.
– تختلف تصريحات لافروف على نحو انقلابي عن تصريحات له في ديسمبر 2023 وصف فيها عملية “طوفان الأقصى” بالعمل الإرهابي وحركة “حماس” بـ “الإرهابية”. وشبه ما يقوم به نتنياهو في غزة بما تسعى روسيا إلى القيام به في أوكرانيا (التخلّص من الإرهابيين)، وأنه بناء على هذا فإن إسرائيل تشترك مع روسيا في الشيء نفسه. وأعرب عن تقديره وارتياحه لما أظهره نتنياهو من “احترام” لروسيا وقيادتها بعد بدء “العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا”.
خلاصة:
** تميل روسيا إلى مغادرة موقع التوازن في علاقاتها مع إسرائيل، وتذهب إلى اتّخاذ مواقف ضد إسرائيل في حربها في غزّة ولبنان. ويستبعد أن تتخلى موسكو عن تفاهمات سابقة مع إسرائيل بشأن إدارة الاشتباك في الميدان السوري.
**موقف لافروف بشأن اليهود والهولوكست يمثّل تصعيدا ضد إسرائيل ورواية وجودها، ما يكشف جانبا أيديولوجيا من رؤية موسكو للرواية الإسرائيلية من جهة، وموقف يهود روسيا من الحرب في أوكرانيا من جهة أخرى.
**يرجّح أن مواقف لافروف المعادية للموقف الإسرائيلي لها حسابات زمنية راهنة تختلف عن حسابات أزمنة سابقة اقتربت مواقفه لافروف من مواقف إسرائيل.
**ترتبط مواقف روسيا من قضايا العالم مباشرة بمجريات الحرب في أوكرانيا، غير أن موسكو تعلن الذهاب بعيدا في إبرام اتفاق استراتيجي طويل الأمد مع إيران، بموازاة تصريحات لنتنياهو يعنبر فيها بأن معركة إسرائيل في غزّة والضفة الغربية ولبنان هي ضد إيران.