كيف سينهي ترامب حرب أوكرانيا؟

تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات

تقديم: أصدرت منابر الإدارة في الولايات المتحدة مجموعة من المواقف المتناقضة والتي تبدو متكاملة بشأن خطط لإنهاء الحرب في أوكرانيا. أثار الأمر ردود فعل في روسيا وأوروبا وأوكرانيا، بشأن نقاطع الخلاف والتقاطع مع المقاربة الأميركية. تخشى أوروبا تنازلات مجانية لصالح روسيا، فيما يحذّر مراقبون من تداعيات ارتكاب “سابقة” في أوكرانيا على خطط الصين بشأن تايوان.
في التفاصيل:
– في 12 فبراير 2025، تحدث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن أتصال أجراه مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بشأن الحرب في أوكرانيا. أعلن أنه قد يلتقي بوتين في الأسبوع المقبل، وأن اللقاء قد يعقد في السعودية. في اليوم عينه، تمّ الإعلان عن اتصال أجراه ترامب مع نظيره الأوكراني، فلوديمير زيلنسكي. قال الأخير إنه تناقش إضافة إلى مسألة الحرب والسلم، في مسائل تتعلق في التعاون الاقتصادي بين واشنطن وكييف، بما في ذلك القيام باستثمارات مشتركة في أوكرانيا.
– كان زيلنسكي قد أثار قبلها مسألة قيام شركات أميركية بالاستثمار بالشراكة مع شركات أوكرانيا لاستغلال موارد أوكرانيا من المعادن النادرة. وذكر الرئيس، أن موارد هذه المعادن تقع جلّها في الأراضي التي تحتلها روسيا.
– في 11 فبراير، قال ترامب إن أوكرانيا “قد تصبح روسية يوماً ما”، مجدّدا التأكيد على رغبته بأن تحصل بلاده على كميات ضخمة من المعادن النادرة الأوكرانية مقابل المساعدات التي تقدّمها لكييف في تصدّيها لروسيا.
– في 14 فبراير، أي بعد يومين على اتصال ترامب-بوتين، قال جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي في تصريحات لصحيفة “وول ستريت جورنال” إن واشنطن ستفرض عقوبات على موسكو وربما تتخذ إجراء عسكريا ما لم يوافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اتفاق سلام مع أوكرانيا يضمن استقلال كييف في الأمد الطويل.
– في 13 فبراير، أعلن الرئيس الأميركي أن أوكرانيا ستكون حاضرة في أي مفاوضات للتسوية، وأن وفودا أميركية وروسية وأوكرانية ستلتقي في السعودية الأسبوع المقبل.
– في 13 فبراير، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن “ترتيب لقاء بين بوتين وترامب، ربما في العاصمة السعودية الرياض، قد يستغرق بضعة أشهر”. ما يعني أن مراجعة جرت بعد تصريحات ترامب تنفي فكرة القمة الأسبوع المقبل.
– في 12 فبراير، وأمام اجتماع لحلف الناتو في بروكسل، أعلن وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث‏، أن واشنطن لن تنشر قوات في أوكرانيا بموجب أي اتفاق سلام مع روسيا. واعتبر أن أي عملية سلام “يجب أن تبدأ بالاعتراف بأن العودة إلى حدود أوكرانيا ما قبل عام 2014 هدف غير واقعي”، رغم أن واشنطن على غرار أوروبا تريد “أوكرانيا ذات سيادة ومزدهرة”. وكشف أن “الولايات المتحدة لا تعتقد أن عضوية حلف شمال الأطلسي بالنسبة لأوكرانيا هي نتيجة واقعية لتسوية تفاوضية”.
– أعاد الوزير الأميركي ترداد ما سبق لترامب إثارته معلنا أن “حماية الأمن الأوروبي يجب أن تكون ضرورة ملحة للأعضاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي، ويجب على أوروبا أن تقدم القسم الأكبر من المساعدات الفتاكة وغير الفتاكة المقبلة لأوكرانيا”.

تعليقا على ما صدر عن وزير الدفاع الأميركي، شجبت قيادات أوروبية التنازلات المجانية التي تقدمها واشنطن لموسكو قبل أي مفاوضات:
– في 14 فبراير، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية على ضرورة تواجد الأوروبيين على طاولة المفاوضات بشأن السلام في أوكرانيا وتلك المتعلقة بأي بنية أمنية مستقبلية للقارة الأوروبية.
– في 13 فبراير، حذّر المستشار الألماني، أولاف شولتس، من مفاوضات تُفضي إلى انتصار روسي وانهيار لأوكرانيا، وقال: “نعلم أنه لا أحد يطمح إلى السلام أكثر من أوكرانيا، ولكن، في الوقت نفسه، من الواضح تماماً أنّ انتصاراً لروسيا أو انهياراً لأوكرانيا لن يجلبا السلام، بل على العكس”.
– رأى مراقبون أن واشنطن ترى من غير الواقعي العودة إلى حدود 2014 (عام احتلال القرم) متسائلين عن موقف الإدارة الأميركية من حدود عام 2022، أي عام بدء الحرب الروسية التي أدت إلى إعلان ضم 4 أقاليم جديدة شرق أوكرانيا.
– اعتبر مراقبون أميركيون أن الولايات المتحدة توّلت المساهمة في دعم أوكرانيا، ليس فقط دفاعا عن أوكرانيا وأوروبا، بل دفاعا عن الأمن الاستراتيجي الأميركي ومصالح الولايات المتحدة في أوروبا والعالم، وأن خطاب ترامب المهِّدد بسحب الدعم عن أوكرانيا يخالف المصالح العليا للبلاد.
– أشار باحثون أن الدول الأوروبية تستمع إلى دعوات ترامب لرفع المساهمة الأوروبية في ميزانية الناتو وتقرّ بأن الولايات المتحدة تساهم بالقسط الأكبر من هذه الميزانية، لكن الدول الأوروبية عاجزة عن رفع مساهمتها إلى مستوى الـ 5 بالمئة، فيما تجهد بعض بلدان القارة للوصول إلى نسبة 2 بالمئة التي أقرّها الأوروبيون.
– يرى خبراء في الشؤون الاستراتيجية أن تسوية ترضي روسيا على حساب أوكرانيا من شأنها أن تشكّل سابقة قد تغري الصين في ما تهوّل به بالنسبة إلى تايوان. بما يعني أن الأمر سيشجع بكين على الاستيلاء على تايوان معوّلة على قبول الغرب والولايات المتحدة بالأمر الواقع على منوال المثال الأوكراني.
– يحذر خبراء من خطأ التعويل على استمالة روسيا وإبعادها عن الصين في أي مواجهة مقبلة بين واشنطن وبكين. ويعتبرون أن مناعة وقوة روسيا أمام التحالف الغربي والعقوبات الاقتصادية تعود في جزء كبير إلى الاحتضان الصيني الذي منع عن روسيا خطر الاختناق الاقتصادي.

خلاصة:

**أطلق ترامب أوراقه باتجاه روسيا وأوكرانيا وأوروبا واستدرج بذلك ردود أفعال كافة أطراف الحرب في أوكرانيا.
**بدأت تظهر الأعراض الأولى لتراجع ترامب عن فكرة التسوية في أوكرانيا باتفاق ثنائي بين روسيا والولايات المتحدة، لصالح إشراك أوكرانيا في المفاوضات، والإصغاء إلى هواجس ورأي الحلفاء الأوروبيين.
**أظهرت التطوّرات أخذ مسافة من الحلّ التبسيطي لحرب أوكرانيا، والاعتراف بأن عقدا وحسابات، ما زالت تحول دون التسرّع في عقد قمّة بين ترامب وبوتين.
**إضافة إلى تمسّك زيلنسكي بضمانات أمنية أميركية لأي حلّ في أوكرانيا، اقترح دخول استثمارات أميركية لاستغلال موارد بلاده من المعادن النادرة، ما سيجعل من دعم واشنطن العسكري لأوكرانيا مربحا للولايات المتحدة.
**اختار بوتين وترامب السعودية مكانا لمفاوضات روسية أوكرانية أميركية وللقمة بينهما. يعود الأمر إلى علاقة الرياض الممتازة بالبلدين، وموقفها المتوازن من حرب أوكرانيا، وموقعها الجيوستراتيجي خارج أوروبا.
**يحذّر خبراء من تنازلات أميركية امام روسيا في أوكرانيا تعزّز حجج الصين في الاستيلاء على تايوان. ويعتبر هؤلاء أن سابقة من هذا النوع تضعف الولايات المتحدة في سياق المنافسة الاستراتيجية مع الصين.
**لاحظ المراقبون تناقضا بين موقف ترامب الودود تجاه روسيا والموقف الصقوري المهدّد لروسيا لنائبه جي دي فانس. ومن غير الواضح ما إذا كان الأمر هو مجرد توزيع أدور أم تعبيرا عن رأي آخر داخل الإدارة في واشنطن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.