كيف تواجه إيران مأزقها في سوريا؟
تقدير موقف، د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات
تقديم: يسلط المراقبون أضواء على ردود فعل إيران حيال التطوّرات الميدانية المفاجئة في شمال سوريا، لجهة التراجع الذي أصاب الميليشيات التابعة لطهران بعد مقتل أحد أبرز المستشارين العسكريين الإيرانيين في حلب. ويراقب الخبراء ردّ الفعل المرتجل التي تقارب بها طهران مأزقها الجديد في هذا البلد.
نقرأ الموقف الإيراني من خلال رصد ردود الفعل والمقاربات المنتهجة للتعامل مع الأزمة وفق الملاحظات والمعطيات التالية:
– في 2 ديسمبر 2024، بعد اجتماعه مع وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مؤتمر صحافي بأنقرة، إنه بحث “المخاوف المشتركة” بشأن سوريا مع تركيا، لافتاً إلى أنه “من الطبيعي أن تكون هناك اختلافات”. بالمقابل قال فيدان إن أنقرة مستعدة للمساهمة في أي حوار بين الحكومة السورية والمعارضة.
– في 2 ديسمبر، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن “وجود المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا سيستمر، بناء على طلب دمشق”.
– في 1 ديسمبر، شدد الرئيس السوري، بشّار الأسد، خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في دمشق، على “أهمية دعم الحلفاء والأصدقاء في التصدي للهجمات الإرهابية المدعومة من الخارج”.
– كان عراقجي أكد قبل وصوله دمشق دعم بلاده “الحازم” للسلطات السورية. وأضاف: “نحن لا نميّز بين النظام الصهيوني والإرهابيين التكفيريين”، في إشارة إلى متمردي سوريا الإسلاميين، وندد بما وصفه بالجهود الخارجية المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
– في 2 ديسمبر، قال مصدران عسكريان سوريان إن “ميليشيات مسلحة شيعية مدعومة من إيران، وصلت إلى سوريا قادمة من العراق، لدعم الجيش السوري في معاركه ضد الفصائل المسلحة المعارضة”.
– أضاف مصدر عسكري آخر أن “العشرات من مقاتلي الحشد الشعبي العراقي وصلوا إلى سوريا، عبر ممر عسكري قرب معبر البوكمال الحدودي”. وأوضح أن المقاتلين “سيتم إرسالهم إلى الخطوط الأمامية”، مشيرا إلى أنهم ينتمون إلى “كتائب حزب الله العراقية ولواء فاطميون”.
– في 1 ديسمبر، كشف مصدر في وزارة الخارجية الإيرانية عن مضمون الرسالة التي بعثها المرشد الإيراني علي خامنئي إلى الرئيس السوري بشار الأسد عبر الوزير عراقجي الذي وصل إلى العاصمة في نفس اليوم. وقال المصدر إن “المرشد علي خامنئي أكد في الرسالة أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تسمح بسقوط سوريا بيد الجماعات الإرهابية التي تحركها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني”.
– في 1 ديسمبر، دعا الرئيس الإيراني، مسعود بزكشيان، الدول الإسلامية إلى “منع استغلال أمريكا والاحتلال الإسرائيلي للصراع الداخلي في سوريا والحيلولة دون استمرار هذه الأزمة”. وفي اليوم نفسه أجرى بزشكيان اتصالا مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لمناقشة الأوضاع في غزة وسوريا.
– في 30 نوفمبر 2024، قال قائد “الحرس الثوري” الإيراني، حسين سلامي، إن من وصفهم بـ “الخاسرين” في حربي غزة ولبنان وراء الهجمات في سوريا، وفقاً لما نقله التلفزيون الرسمي.
– في 30 نوفمبر، وصف مستشار قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال إيرج مسجدي الأحداث في حلب بأنها “محاولة لإثارة الفوضى”. ومن دون الإشارة إلى تحرك مباشر لـ “الحرس الثوري”، قال مسجدي، إن “المقاومة تصنع صواريخ وطائرات مسيرة بنفسها، وهي قادرة على دحر القوى المعادية”. واستدرك بالقول إن “الموقف الرسمي لإيران هو مواصلة دعم المقاومة بشكل شامل دون خوف أو تردد”.
– في 30 نوفمبر 2024، قال السفير الإيراني في لبنان، مجتبى أماني، إن “إيران وروسيا ومحور المقاومة لن يسمحوا بتكرار أحداث السنوات الماضية في سوريا”. وأضاف بأن “الحكومة السورية أقوى من السابق، وطهران ستقدم لها الدعم”. وأشار إلى أن الفصائل المسلحة في سوريا “لن تحقق أي انتصار”.
– في 29 نوفمبر، أشار رئيس مجلس الشورى الاسلامي، محمد باقر قاليباف، الى أن “التحركات الجديدة للجماعات الإرهابية التكفيرية هي جزء من مخطط الولايات المتحدة والكيان الصهيوني غير الشرعي وعلى جيران سوريا أن يكونوا يقظين وألا يقعوا في فخ مخططاتهم”.
– يرى مراقبون للشؤون الإيرانية أن طهران أصيبت بالتوتر والارتباك في فهم تدهوّر الأوضاع الميدانية في شمال سوريا، وأن ميليشياتها انسحبت بسبب عدم وجود معطيّات سابقة بشأن هذا التطوّر وبسبب مقتل واحد من أكبر المستشارين الإيرانيين في المنطقة.
– تتحدث بعض التحليلات عن انهيار مشترك في صفوف الميليشيات التابعة لإيران والجيش السوري، وعن تحضيرات مشتركة للدفاع عن دمشق وحمص أو القيام بهجوم مضاد لاستعادة بعض المناطق التي خسرتها.
– أشارت مصادر إلى تراجع حضور ردّ فعل للحرس الثوري مقابل تقدم حكومة بزشكيان إلى الواجهة في محاولة لمعالجة الموقف بالدبلوماسية والتواصل مع العواصم المعنيّة في المنطقة.
خلاصة:
**دفعت إيران بفصائل موالية لها للتدخل عبر المعابر العراقية لصالح نظام الرئيس بشار الأسد. بالمقابل لم يسجل أي تحرّك لقوات حزب الله في هذا الاتجاه.
**ترافقت أخبار تدخّل الميليشيات العراقية مع جهود دبلوماسية يبذلها وزير الخارجية الإيراني في دمشق وأنقرة. ويعتقد أن طهران أرادت التلويح لتركيا بما تمتلكه من خيارات عسكرية برية إضافة إلى تحرّك نوعي للطيران الروسي. لكن لقاء وزيري خارجية البلدين أظهر خلافا بين البلدين.
**رغم ظهور احتمالات تقاطع مصالح تركية روسية أميركية إسرائيلية، لوحظ أن ردّ فعل المواقف الرسمية ظل ملتزما بسرديات تقليدية تتهم أميركا وإسرائيل والجماعات التكفيرية، ولم تنتقد أي دور تركي رغم ترجيح وقوف تركيا بالوقوف وراء هذه التطوّرات.
**الأرجح أن طهران ستسعى إلى إيجاد مخارج لها عبر الدبلوماسية من خلال توافق بين روسيا وتركيا، بسبب أن تحرّك ميليشياتها ما زال مهددا في سياق الضربات الإسرائيلية التي تكثّفت منذ عام.
**تأخذ إيران بعين الاعتبار في معالجتها لأزمتها في سوريا توجهها الانفتاحي على الغرب واستعدادها لتعامل جديد مع إدارة ترامب المقبلة في الولايات المتحدة.
**يساعد الموقف التركي الرسمي، الذي ينفي التورط المباشر في القتال، في إمكانية ملاقاة إيران في سعيّها إلى حلّ دبلوماسي. كما تعوّل أنقرة على نفوذ طهران على الأسد لفرض مخارج دبلوماسية تأخذ بالاعتبار الأمر الواقع الميداني المستجد. لكن اقتراح أنقرة أن تكون وسيطا بين النظام والمعارضة يوضح لطهران انقلاب موازين القوى لصالح تركيا.
**تستفيد إيران من موقف عربي رسمي أظهر حرصا على السلم في سوريا والالتزام بواقع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية واستئناف بعض العواصم علاقاتها مع دمشق.
**تُضعف التطوّرات في سوريا أحد الأوراق الإيرانية المهمة على طاولة المفاوضات مع الغرب وتغلّب، إضافة إلى التطوّر اللبناني، احتمالات دفع إيران إلى التخليّ عن توسّعها خارج الحدود بما يلبي مطالب عربية دولية في هذا الاتجاه.