كتاب “خط في الرمال: بريطانيا وفرنسا والصراع على الشرق الاوسط”: جيمس بار يعود الى المسرح القديم بكتاب جديد

 

مجدي موسى

في صيف 2007 لفتت نظري جملة في وثيقة افرجت عنها الحكومة البريطانية، ولم تنشر، كتبها احد ضباط جهاز الامن ام. آي. 5 في بداية عام 1914، وكشفت عن اللغز الذي حير الحكومة وقتها: ‘من المسؤول عن تمويل و تسليح الارهابيين اليهود في فلسطين؟’ هكذا بدأ جيمس بار روايته لما اكتشفه الضابط، الذي كان عائدا من زيارة للشرق الاوسط، اتت اجابته على السؤال مذهلة: يبدو ان الارهابيين ‘…يتلقون الدعم من الفرنسيين’ واضاف ان زميلا من جهاز الاستخبارات ام. آي. 6 قد اكد له انهم يعلمون من مصدر سري ان المسؤولين الفرنسيين – في المشرق – يزودون الهاغاناه بالسلاح.

ما اثار دهشة الكاتب، انه في الوقت الذي كان البريطانيون يقاتلون، ويموتون، من اجل تحرير فرنسا التي يفترض انها حليفة لهم، كان الفرنسيون – في السر- يدعمون الجهود اليهودية لقتل المسؤولين والجنود البريطانيين في فلسطين!

هذه الخطوة، الاستثنائية في العلاقات بين حلفاء، كانت ذروة الصراع بين القوتين من اجل السيطرة على الشرق الاوسط، وهوالصراع الذي دام ثلاثين عاما، منذ اتفاقية سايكس – بيكو التي تم بمقتضاها اقتسام ارث الامبراطورية العثمانية في المنطقة؛ بان رسموا خطا في الرمال من ساحل البحر المتوسط الى الجبال التي تحد الحدود الفارسية، وكان من نتائجه أيضا الاتفاق على وضع الاراضي المقدسة تحت ادارة دولية.

هكذا بدأ جيمس بار كتابه ‘خط في الرمال’؛ الذي يبحث في تفاصيل فترة هامة وحاسمة في تاريخ الشرق الاوسط، فلسطين، واثار الصراع الامبريالي، التي ما زالت ملموسة، من اجل السيطرة على الشرق.

بذل الكاتب مجهودا بحثيا، وثائقيا كبيرا في متابعة خيوط الصراع بين بريطانيا وفرنسا من اجل السيطرة على المنطقة وفلسطين، ودور العصابات الارهابية اليهودية في احداثها.

وقد افرد الكاتب مساحة كبيرة لتفاصيل الحملات الارهابية الصهيونية على خلفية تداعيات اتفاقية سايكس – بيكو وكيف نجحت هذه الحملات في نهاية الامر في هزيمة بريطانيا في فلسطين، وتسببت في سقوط العديد من الخسائر الانسانية و المادية. ايضا اوضح دور بعض المنظمات الصهيونية مثل ‘المنظمة الامريكية من اجل فلسطين حرة’ – والتي كانت في الواقع واجهة لمناحيم بيغين ومنظمة ارغون التي ارتكبت جريمة تفجير فندق الملك داود – في جمع تمويلات وضم العديد من المشاهير للضغط على الحكومة الامريكية امثال فرانك سيناترا، بوب هوب، الاخوة ماركس والسيدة روزالين روزفلت وغيرهم.

وقائمة حملات الارهاب اليهودية التي عرض لها طويلة؛ منها:

ـ في 15 نيسان/ابريل 1947 اقتربت فتاة حسنة المظهر من احد مقرات الحكومة البريطانية في لندن وتحايلت على الحراسة المفروضة للدخول الى المبنى مدعية حاجتها لاستخدام الحمام لاصلاح ملابسها الداخلية، حيث تركت عبوة ناسفة، ادى فشلها في الانفجار وفحصها من قبل اجهزة الامن الى كشف ادلة على العلاقة بين المنظمات الارهابية اليهودية و الحكومة الفرنسية (التي قامت بتمويل وتسليح العصابات اليهودية في فلسطين ـ مثل صفقة السلاح التشيكوسلافيكي – قبيل حرب 1948 واستمرت المصدر الرئيسي لتسليحها حتى 1956) وايضا الدور الذي لعبه مناحيم بيغين في التنسيق بينهم.

ـ قام احد تلاميذ الفيلسوف الفرنسي سارتر ـ الذي شارك هو ايضا بدوره في دعم جهود الارهابيين ـ واسمه روبرت مزراحي بتفجير احد الاندية التي يرتادها جنود بريطانيون قرب ميدان ترافلغار في وسط لندن، وهي العملية التي اعلنت منظمة شتيرن مسؤوليتها عنها 1947. ص339

ـ خطة يهودية ارهابية لتلويث مصادر مياه الشرب في لندن (1947) باستخدام بكتيريا الكوليرا، الحصول عليها تم الاتفاق عليه من مصدر يعمل في معهد باستير في باريس. ص341

ـ قيام احد خريجي قسم الفلسفة، الجامعة العبرية، بالتخطيط وتنفيذ عملية تفجير السفارة البريطانية في روما، وقد فر بعدها الى فرنسا واستقر بباريس التي اصبحت مركزا للتمويل والتخطيط للعمليات الارهابية الصهيونية.

ـ اغتيال اللورد موين في القاهرة.

ـ تفجير فندق الملك داود في القدس.

وغيرها الكثير عرض لها الكاتب في سياق الاحداث التي القت بظلها على المنطقة التي تحولت الى ساحة اقتتال القوى العظمى؛ وكان اعلان قيام الدولة اليهودية احد ذراها!

فبريطانيا، التي كانت وقتها تسيطر على مصر، وكان وجودهم في مصر مصدر قوة لهم في المنطقة لاكثر من 50 عاما، وهو الوضع الذي بدا ان رئيس الوزراء وقتها، اسماعيل صدقي، مصمما على انهائه، رأت ان تأييد مطالب الصهاينة بجعل فلسطين دولة يهودية سيوفر لها تأمين منطقة شرق القناة، وبغير ان تتهم بأنها تطمع في السيطرة والاستحواذ على المنطقة بمفردها.

وقد أدرك البريطانيون منذ البداية مدى خطورة التسبب في اغضاب العالم الاسلامي، ولكنهم كانوا على ثقة من التغلب على هذه الصعوبة، بأن اعتقدوا ان العرب سيدركون القيمة الاقتصادية المضافة الناتجة عن الهجرة اليهودية، وان اليهود سيكونون ممتنين لاجل طويل مقابل مساعدتهم على تحقيق حلمهم. الفرضيتان ثبت خطؤهما.

ما بدا وقتها كمخطط ذكي، للتفوق على فرنسا، كانت له عواقب مدمرة… ومازالت!

الكاتب: جيمس بار. الكتاب: خط في الرمال. العنوان: بريطانيا وفرنسا والصراع الذي شكل الشرق الاوسط

اعمال سابقة للمؤلف: اشعال النار في الصحراء، ت. س. لورانس وحرب بريطانيا السرية في شبه الجزيرة العربية

1916-1918.

الناشر: سيمون وشوستر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.