قراءة في قرار مجلس الامن بوقف النار في غزة
الحصار يشتد على حكومة نتنياهو، فمَن يسقطها؟
أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
تقديم:
تعكس ردود الفعل الاسرائيلية الرسمية حالة من الهستيريا دبت في حكومة نتنياهو الذي سعى وبكل قوة الى الحيلولة دون امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض الفيتو، وهدد قبيل التصويت في مجلس الامن بأنه في حال لم يكن الفيتو الامريكي، فإنه لن يرسل مسؤولَي الامن القومي الى واشنطن وبأن الامر سيقوض مفاوضات الصفقة الجارية في الدوحة. سيسحب الوفد الامني المفاوض في قطر، لدرجة انه حتى الاعلام الاسرائيلي تهكم على هذه التصريحات التي لا يستطيع نتنياهو المضي بها.
بعد قرار مجلس الامن يوم 25/3 اعتبر رئيس الحكومة الاسرائيلية ان موقف حماس برفض الصيغة الامريكية الاخيرة في المفاوضات كما هي، “يعكس الاضرار التي ألحقها قرار مجلس الامن” ويقصد غياب الفيتو الامريكي، ليأتي الرد الامريكي السريع بأن رد حماس كان قبل جلسة مجلس الامن، وهو يعكس عمق ازمة الثقة بين الادارتين. بينما اكدت ادارة بايدن بأنها ستبحث مسألة اجتياح رفح مع وزير الامن غالنت المتواجد في واشنطن والمتساوق في المجمل مع الموقف الامريكي وبات يشكل تحديا حقيقيا لنتنياهو على خلفية التباينات في السياسات المتعلقة بالحرب وبمصير غزة.
علت اصوات اسرائيلية وازنة من بين المحللين والمسؤولين السابقين، فقد شبّه المحلل العريق امنون ابراموفيتش وضع اسرائيل بعد قرار مجلس الامن بوضع دولة جنوب افريقيا عام 1986 وفرض العقوبات عليها تحت نظام الفصل العنصري.
قراءة:
الامتناع الامريكي عن التصويت في مجلس الامن، هو ابعد من حصره في سياسة التحذيرات والتلميح لحكومة إسرائيل، وأبعد من حصره في تسديد ضربة معنوية فحسب، بل وأبعد من الحرص الامريكي على المدنيين ضحايا الكارثة في غزة، الذين تتحمل ادارة بايدن مسؤولية مباشرة سياسية وقانونية حول اوضاعهم. الامتناع عن الفيتو وفتح المجال لتمرير قرار مجلس الامن، يعد مسعى امريكيا لتدارك الضرر الاستراتيجي اللاحق بهذه الدولة العظمى وهيمنتها عالميا وصراعها من اجل الابقاء على ما راكمته من انجازات النظام العالمي ذي القطب الواحد الذي يتفكك امام ناظريها. وما بدأ يتفكك بتسارع في الحرب في أوكرانيا، يتضاعف التسارع في الحرب على غزة.
في اوائل أيام الحرب صرح بايدن بأن هجوم حماس في 7 اكتوبر قد قطع مسار المخطط الامريكي للتطبيع بين السعودية واسرائيل وفي الممر التجاري المائي البري من الهند الى الخليج ثم الى إسرائيل فأوروبا، كما وتردد تصريحات عديدة بشأن الاطماع في حقول الغاز الفلسطيني في المياه الاقتصادية الفلسطينية. بينما كان لافتا تصريحات دونالد ترامب الساعي لاستعادة الرئاسة الامريكية لصحيفة “يسرائيل هيوم” 25/3، وقوله: ” لو كنتُ رئيسا لما وقع هجوم 7 اكتوبر على اسرائيل” وبأن جميع الاطراف في تلميح منه الى إيران كانت ستدرك مسبقا العواقب عليها، ويشير بأن المسؤولية لوقوع الهجوم هي اسرائيلية وهي امريكية. ويسوّغ فرضيته بقوله “لو كنت رئيسا في 7 اكتوبر لكانت إيران مقوَّضة تماما وما كانت الصين تتجرأ على شراء النفط الايراني لأنها كانت ستخضع للعقوبات”. في حين امتنع ترامب عن ذكر روسيا باعتبار ان اوكرانيا وفقا لاعتبارات سياساته “امريكا أولا” ليست أولوية كما لدى بايدن.
تشير هذه التصريحات بأن الحرب على غزة هي اوسع بتداعياتها من جغرافية غزة ومن المنطقة، بل حدودها العالم ومستقبل النظام العالمي برمته. لدرجة ان ادارة بايدن التي تناصب كلا من الصين وروسيا العداء، قد اصطدمت بموقف عربي نادرا ما كان موحدا بمثل ما هو اليوم بصدد عدم الرهان على نظام القطب الواحد وعلى القطب الامريكي، بل ان مصالح الدول العربية وحصريا دول الخليج ومصر مع الصين وروسيا هي مصالح أمن قومي لا ينوي اي نظام بالتفريط بها، وضمن ذلك اتت المصالحة بين السعودية وإيران في العام الفائت. وفي ظل هذه الاصطفافات تراجع النفوذ الامريكي بالتوازي مع ضعف اسرائيل استراتيجياً ووظيفياً وتراجع نفوذها اقليميا، في وقت تسابق ادارة بايدن الزمن للحيلولة دون تفويت فرصة اعادة بناء تحالفاتها دوليا ، في هذا السياق باتت السياسة الإسرائيلية الحاكمة حجرة عثرة امامها.
ما يضاعف الورطة الاسرائيلية، هو غياب الافق نحو اي مخرج سياسي وكذلك الفجوة ما بين النوايا الحكومية مقابل قدرات الجيش وتقديراته واعتبارات الامن القومي. فإن اجتاح الجيش لرفح، تلبية لرغبة نتنياهو ومصادقته على القرار، فسوف يكون في ورطة استراتيجية نتيجة للكارثة الانسانية التي لا يمكن تفاديها، ولو تراجع عن ذلك علنا يكون رئيس الحكومة وفقا لتصريحاته قد “منحنا النصر لحماس” و”انهزمت اسرائيل”.
ان التصعيد على الجبهة الشمالية والمتزامن مع قرار مجلس الامن المذكور، هو تصعيد نوعي متبادل للحفاظ من قبل الطرفين على معادلة الردع كل من وجهة نظره. لكنه يبدو كما التصعيد الاسرائيلي في غزة ووضع العراقيل امام مفاوضات الصفقة، يصب في خانة تحسين شروط التفاوض على الجبهتين سواء امام حماس فلسطينيا وحزب الله لبنانيا، او امام الجهات الوسيطة في الجبهتين، الا ان اسرائيل لا تستطيع ان تتجاهل قرار مجلس الامن ولا الامتناع الامريكي ولا قرار جديد قد يصدر قريبا عن محكمة العدل الدولية.
في المقابل تشير تصريحات نتنياهو في الايام الاخيرة بأنه اختار السير في ادارة الحرب وفقا لنوايا أقصى اليمين اي التصعيد وتوسيع الحرب وجغرافيتها وإن لم يكن ممكنا فالسعي لكسب الوقت، وهو يتحدث عن التواجد العسكري طويل الامد في غزة وبترها ومنع النازحين المقتلعين من العودة الى شمالها. ومنع اي دور لوكالة الاونروا، وفعليا لم يعارض بأي موقف مسألة اعادة الاستيطان في غزة والمخططات الجاهزة.
شكل قرار مجلس الامن وحصريا امتناع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو هزة عنيفة لمجمل المنظومة الاسرائيلية وادخلها في صراع داخلي قوي وبالذات بين المستويين السياسي والعسكري، وبمقدوره ان يسقط حكومة نتنياهو في حال كانت معارضة برلمانية وشعبية اسرائيلية معنية بذلك وقادرة عليه في هذه المرحلة. بل ان المعارضة والبدائل دخلوا في سجال داخلي في الضغط على حزب المعسكر الرسمي (غانتس) للانسحاب من كابنيت الحرب والحكومة، في حين لا يزال التهديد الاقوى لاستمرارية حكومة نتنياهو هو قانون تجنيد اليهود المتدينين للجيش، وقد يدفع نحو تسريع موعد الانتخابات.
للخلاصة:
– التناقضات بين ادارة بايدن وحكومة نتنياهو باتت جدية وأبعد من تكتيكات داخلية او انتخابية.
– انسداد الافق قد يقود في اتجاهات غير متوقعة بما فيه المغامرة باقتحام رفح والتهجير رغم تراجع الاحتمالات امام الثمن الاستراتيجي الذي يتطلبه الامر.
– المتوخى من الموقف العربي ان يبقى منسقاً وان يفرض على المنظومة الدولية فتح المعابر البرية وادخال المساعدات وان يحمي الفلسطينيين.