قراءة في بيان ثلاثي أميركي مصري قطري يعيد الصراع إلى “مربع غزّة”:
رد نتنياهو، بمجزرة حي الدرج في غزة والتمسك بالحل العسكري
د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات
ورقة سياسات.
• ملخص تنفيذي:
– جهود وقف الحرب في غزّة أخذت زخما لافتا من بيان أميركي مصري قطري مشترك يعيد تفعيل مربع غزّة بصفته الأول للصراع الراهن.
– يرمي البيان إلى نزع فتيل الحرب الشاملة في الشرق الأوسط بعد التصعيد الذي توعّدت به إيران وحزب الله إسرائيل عقب اغتيال هنيّة وشكر.
– أهمية البيان تكمن باحتضان سريع ولافت من قبل معظم دول المنطقة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي.
– وفق البيان من المقرر عودة المفاوضات، بموافقة إسرائيلية، في 15 أغسطس 2024، فيما موقف “حماس” ينتظر دعوات وتوضيحات من أصحاب المبادرة الثلاثية.
– لا تظهر أي أعراض “علنيّة” من قبل نتنياهو أو واشنطن والغرب يمكن التعويل عليها لإحداث البيان اختراقا لوقف الحرب.
• تقديم:
أصدرت الولايات المتحدة ومصر وقطر بيانا مشتركا تدعو فيه إلى دفع أطراف الصراع في قطاع غزّة إلى الذهاب إلى المفاوضات من جديد لإبرام اتفاق ينهي الحرب المدمّرة المندلعة منذ اكتوبر 2023.
وكان لافتاً أن البيان حظي تباعا بدعم عديد من الدول في المنطقة والعالم، بما عُدَّ أنه تحرّك إقليمي دولي منسّق لنزع فتيل تفجّر كبير في الشرق الأوسط من خلال العودة إلى أصل التصعيد وإنهاء الحرب في غزّة.
وقد أتى البيان الثلاثي أيضا في محاولة لإيجاد إطار لمنع أو ضبط الردّ العسكري على إسرائيل إثر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، اسماعيل هنيّة، والقيادي الكبير في حزب الله فؤاد شكر. ويطرح البيان الثلاثي أسئلة بشأن جديده ووسائله وإمكانات أن يحقق ما عجزت عنه مبادرات وجهود سابقة.
• البيان: النقاط والحيثيات:
نشرت وزارة الخارجية الأميركية، في 8 أغسطس 2024, بيانا مشتركا، نُشرته نسخة عنه القاهرة والدوحة، صادرا عن الرئيس الأميركي، جو بايدن، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وتمثّل البلدان الثلاثة الفريق الإقليمي الدولي الأساسي الذي تولى جولات التفاوض التي تلت اندلاع الحرب في غزة إثر عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها كتائب القسّام، الذراع العسكرية لحركة “حماس” في 7 أكتوبر 2023.
ويحتوي نصّ البيان على دعوة جديدة للاتفاق على إنهاء الحرب من خلال النقاط التالية:
1- آن الأوان لتقديم الإغاثة الفورية للناس في غزة الذين طالت معاناتهم وكذلك للرهائن وعائلاتهم الذين طالت معاناتهم. لقد حان الوقت لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن والمعتقلين.
2- عملنا نحن الثلاثة وفِرقنا بلا كلل على مدار أشهر عديدة لصياغة اتفاق إطاري أصبح الآن على الطاولة ولم يتبق سوى تفاصيل التنفيذ. ويستند هذا الاتفاق إلى المبادئ التي حددها الرئيس بايدن في 31 أمايو 2024، والتي أقرها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2735.
3- لم يعد هناك متّسع من الوقت نضيعه ولا أعذار من أي طرف لمزيد من التأخير. لقد حان الوقت لإطلاق سراح الرهائن وبدء وقف إطلاق النار وتنفيذ هذا الاتفاق.
4- بصفتنا وسطاء، فنحن مستعدون، إذا لزم الأمر، لتقديم مقترح نهائي يُجسّر هوة الخلاف لحلّ ما تبقى من قضايا التنفيذ بطريقة تلبي توقعات كلا الطرفين.
5- دعونا كلا الجانبين إلى استئناف المناقشات العاجلة يوم الخميس 15 أغسطس في الدوحة أو القاهرة لسدّ جميع الفجوات المتبقية والبدء في تنفيذ الاتفاق دون مزيد من التأخير.
• مناسبة البيان ودوافعه:
أتى البيان على خلفية عّدة معطيات وعوامل من أهمها:
* ظهورُ أعراض تصعيد خطير في الشرق الأوسط بعد عملية اغتيال، اعترفت بها إسرائيل، نفّذت في 30 يوليو 2024 في ضاحية بيروت الجنوبية في لبنان، استهدفت القائد العسكري الأول لحزب الله، فؤاد شكر، والذي يعتبره خبراء الرجل الثاني في هيكل الحزب التنفيذي بعد أمينه العام، حسن نصر الله.
* تفاقمُ هذه الأعراض إثر عملية اغتيال أخرى، لم تعترف بها إسرائيل، نُفذت في 31 يوليو 2024 في طهران في إيران، استهدفت، اسماعيل هنّية، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”.
* أثارت عمليتا الاغتيال غضبا من قبل حزب الله وإيران. وقد أعلن زعيم الحزب، حسن نصر الله، أن الحزب سيردّ على اغتيال أحد قياداته على نحو مستقل عن المواجهات “الاسنادية” الجارية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية دعما لغزّة، فيما توعّدت إيران، لا سيما على لسان مرشد الجمهورية الإسلامية، على خامنئي، بالردّ انتقاما لهنيّة ولانتهاك إسرائيل السيادة الإيرانية.
* أخذت الولايات المتحدة هذه الأجواء التصعيدية على محمل الجد ودفعت بتعزيرات عسكرية إلى الشرق الأوسط، شملت سفنا عسكرية وحاملة طائرات Roosevelt وأسراب من مقاتلات من طراز F-22 المتطوّرة. كما أطلقت واشنطن سلسلة مواقف، لا سيما الصادرة عن وزير الدفاع لويد أوستن، تؤكد التعهّد بالدفاع عن أمن إسرائيل، ولجأت إلى قنوات دبلوماسية مباشرة وغير مباشرة لإقناع إيران وحزب الله بضبط الردّ وجعله تحت سقف لا يؤدي إلى صراع شامل.
*شاركت عواصم، من ضمنها باريس ولندن وموسكو وبرلين وعمّان وأنقرة، في التواصل مع طهران، ومنها مع بيروت، في محاولة لخلق أجواء ضاغطة لدفع إيران والحزب إلى عدم الانخراط في ردّ يمكن ألا يكون محسوبا ويسبب صراعا واسعا.
• حوافز البيان وحساباته:
يمثل البيان الثلاثي محاولة من الدول الثلاث تقودها إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لنزع فتيل التصعيد الشامل في الشرق الأوسط من خلال إعادته إلى مربعه الأول في غزّة. ويمثّل البيان العوامل التالية:
الأول: تنامي القناعة في واشنطن بأن إيقاف الحرب في غزّة بات أولوية أميركية على ضوء ما تثيره تلك الحرب من جدل داخل الولايات المتحدة قبل أشهر على موعد الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 5 نوفمبر 2024.
الثاني: ظهور تشّقق نسبي في علاقة الإدارة الديمقراطية في واشنطن وحكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل. ظهر ذلك من خلال تغيّب عشرات من أعضاء الكونغرس عن خطاب نتنياهو في الكابيتول ومواقف نائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة، كامالا هاريس، إثر لقائها برئيس الحكومة الإسرائيلي، ما كشف عن تحوّلات داخل المزاج الأميركي الحاكم حيال الحرب في غزّة.
الثالث: تقاطع توجّهات داخل مؤسسات الحكم في واشنطن بأن إنهاء الحرب في غزّة بات، على الرغم من التهويل الأميركي العسكري في الشرق الأوسط، شرطاً مسبقاً لضبط التداعيات التي تفجّرت خصوصا في البحر الأحمر وعلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية وإثر اغتيال هنيّة وشكر.
الرابع: ظهور مواقف في إيران ومن منابر حزب الله تكرر بأن مواقفها إسنادية لغزّة وأن وقف إطلاق النار هناك يقود إلى توقف بقية الجبهات التي تسيطر عليها إيران، بما أوحى بإمكانية تراجع طهران والحزب عما توعداه من ردّ في حال توقفت الحرب في القطاع أو جعله متّسقا مع قواعد اشتباك تقليدية منضبطة.
• لماذا الاحتضان الدولي السريع والشامل؟
تظهر أهمية بيان القادة الثلاث ليس فيما أورده من نص ودفوع، بل في ردود الفعل التي أظهرتها أطراف الصراع والعواصم المعنيّة والدولية لدعم المبادرة الثلاثية ومنحها أوسع غطاء إقليمي ودولي. وكان لافتا في هذا الصدد ظهور أعراض أهمها:
1- قال مكتب نتانياهو في بيان “في أعقاب اقتراح الولايات المتحدة والوسطاء، سترسل إسرائيل وفدا من المفاوضين إلى المكان الذي سيتم الاتفاق عليه في 15 أغسطس للانتهاء من تفاصيل تنفيذ الاتفاق”.
2- رحب منتدى عائلات المختطفين الإسرائيليين بالبيان الأميركي القطري المصري المشترك الداعي إلى مواصلة المفاوضات والتوصل إلى صفقة تبادل . دعا بيان الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، بنيامين نتانياهو، إلى ما وصفه بـ “التحلي بروح القيادة” والاتفاق على آخر التفاصيل والتوصل إلى اتفاق.
3- في 10 أغسطس، أي بعد يومين من صدور البيان الثلاثي، وبعد 4 أيام على تعيين يحي السنوار رئيسا جديدا للمكتب السياسي خلفا لاسماعيل هنّية، كشف عضو المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق، أن الحركة لم “تحدد بعد موقفها” من البيان الثلاثي، وأن “الحركة لم تتلق إجابات على كثير من الأسئلة” المطروحة على طاولة المفاوضات حول التوصل لاتفاق، في قطاع غزة، وشدد على أنه “في ظل السياسة الأمريكية وتشجيع نتنياهو على القتل لا يعتقد أن تكون فرصة قوية للتوصل لاتفاق”.
4- رحبت السعودية والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمّان والعراق ودول أخرى بالبيان وأعلنت الدعم له.
5- أصدرت بيروت بيانا عدّه المراقبون غير بعيد عن توجّهات حزب الله. فقد أعلن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب، في مؤتمر صحفي، في 9 أغسطس، أي في اليوم التالي لصدور البيان الثلاثي، دعم بيروت للمبادرة الأمريكية المصرية القطرية. وقال إن “الحكومة اللبنانية تنضم إلى الدعوة لاستئناف المناقشات العاجلة بالدوحة أو القاهرة لإنهاء الاتفاق وبدء تنفيذه على الفور”. لكن بوحبيب أشار من جهة ثانية إلى أن “الحكومة اللبنانية تعتزم دعم وتقديم مقترح جديد لاستكمال تنفيذ البنود الأخرى (للصفقة المطروحة على الطاولة) بطريقة ترضي جميع الأطراف المعنية”، دون توضيح تفاصيل بشأنه.
6- حظي البيان بدعم الاتحاد الأوروبي، على لسان رئيسة المفوضية، أورسولا فان دير لاين، ومنسق السياسة الخارجية، جوزيب بوريل. كما صدرت بيانات داعمة من فرنسا واسبانيا وألمانيا ودول اوروبية أخرى. كما حظيّ البيان بدعم وترحيب تركيا
• المبادرة ومواقف نتنياهو:
على الرغم من الالتفاف العربي الدولي اللافت حول البيان الثلاثي غير أن أسئلة ما زالت تدور بشأن ما تمتلكه واشنطن وشركاؤها في هذا البيان-المبادرة يمكن أن يؤدي إلى تحقيق اختراق فشل تحقيقه قبل ذلك.
وفيما راجت تقارير بشأن استياء أميركي مبطّن من قيام إسرائيل باغتيال شكر وهنّية، فإن إسرائيل نفّذت مجزرة فجر 10 أغسطس، أي بعد يومين من صدور البيان الثلاثي، من خلال قصف مدرسة التابعين في حي الدرج وسط مدينة غزة التي تأوي آلاف من النازحين. وتمثّل هذه المجزرة تمسكّا بالحلّ العسكري الذي يدافع عنه نتنياهو وأكد عليه في المقابلة التي نشرتها صحيفة “تايم” في 8 أغسطس أي في يوم صدور البيان الثلاثي:
*أكد نتنياهو أن الهدف الرئيسي هو تحقيق نصر حاسم على حركة “حماس” بحيث لا تتمكن من تهديد إسرائيل مجدداً.
*قال إنه لا يعتقد أن إسرائيل ستكون مستعدة لقبول صفقة تطلق سراح الرهائن دون إنهاء سيطرة “حماس” على قطاع غزة.
*قال: “لا أعتقد أن هذا سيكون مجدياً، لأن ذلك قد يؤدي إلى تكرار الأزمات المستقبلية”. وشدد على أن إسرائيل ملتزمة بإطلاق سراح جميع الرهتئن وتحقيق النصر في الحرب.
*اعتبر أن إسرائيل تواجه “محور إرهاب إيراني متكامل” يشمل حماس والحوثيين وحزب الله والميليشيات الشيعية في سوريا والعراق، بالإضافة إلى الجهود لإنشاء جبهة جديدة في الضفة الغربية.
*حول التصعيد المحتمل مع حزب الله قال: “على حزب الله أن يفكر جيداً في العواقب المحتملة لأي هجوم على إسرائيل. إذا كانوا يخططون لذلك، فعليهم أن يفكروا مرتين”. وأضاف أن أي محاولة من قبل حزب الله لفتح جبهة جديدة ستكون لها عواقب وخيمة.
• خلاصة واستنتاجات:
***يعبّر البيان الأميركي المصري القطري عن خطة طريق لإنهاء الحرب في غزّة من دون الدخول في التفاصيل مع الوعد بجسر أية ثغرات تحول دون الاتفاق. وتكمن أهمية المبادرة الثلاثية بسرعة وحجم التأييد الإقليمي والدولي لها.
***تعبّر المبادرة عن عودة واشنطن إلى مربع غزّة ووقف الحرب هناك بصفته المفتاح الوحيد لوقف التصعيد الشامل في الشرق الأوسط.
***من غير الواضح، في ظل مواقف نتنياهو، ما هي العوامل التي استند عليها البيان الثلاثي والدول الداعمة له لإحداث اختراق فشل قبل ذلك لإنهاء الحرب في غزّة.
***يأتي البيان بعد يومين على تعيين يحي السنوار رئيسا للمكتب السياسي، ما يعني أن المبادرة تعترف بالسنوار مفاوضا لإنجاح المفاوضات ووقف الحرب وفق تمنيات البيان ودعوته.