قراءة في المعلن والمستتر في خلافات روسيا والجزائر

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تقديم:
يتحدث مراقبون للشأن الجزائري عن خلافات بين الجزائر وروسيا تتعلّق بتعارض أجندات البلدين في ملفات مصالح مشتركة. ويظهر انفجار الوضع في مالي إحدى واجهات تناقض مصالح الجزائر وروسيا في منطقة شمال أفريقيا والساحل الأفريقي بسبب توسّع أنشطة مجموعة “فاغنر” الروسية في المنطقة. وتعبّر الجزائر همساً عن خيبة أمل حيال دور روسيا في شأن قبول عضوية الجزائر في مجموعة “بريكس” الدولية. فما هي حدّة هذا الخلاف وما هي ملفاته؟
نسوق هنا معطيات ووجهات نظر مراقبين من الجزائر وروسيا لفهم سياق التباين والخلاف بين الدولتين:

– في 22 يوليو 2024 استقبلت الجزائر وفدا موسعا من مجلس “الدوما” الروسي برئاسة رئيسه فياتشيسلاف فيكتوروفيتش فولودين . وقيل إن موسكو عجلت بإرسال هذا الوفد البرلماني وليس وزير الخارجية سيرغي لافروف بسبب توتر في علاقة الجزائر مع شخص الوزير الروسي ومواقفه حيال الجزائر. قالت مصادر سياسية في الجزائر، إن الزيارة”ستبحث في ترميم العلاقات بين شريكين تقليديين كبيرين، تأثرت في المدة الأخيرة، بسبب أحداث متتالية”.
– في 24 أغسطس 2023، ذكر لافروف، خلال مؤتمر صحفي في ختام قمة “بريكس” في جنوب أفريقيا، أن معايير توسيع المجموعة “تضمنت الوزن السياسي وهيبة الدولة ومواقفها على الساحة الدولية”، بما اعتبرته الجزائر نيلا منها ومبرّرا لرفض طلبها بالانضمام إلى المجموعة.
– في نفس اليوم كان رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، قد أعلن دعوة 6 دول جديدة للانضمام إلى مجموعة “بريكس” هي: الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات، فيما غابت الجزائر التي تقدمت بطلب العضوية عن اللائحة.
– قالت مصاد جزائرية مراقبة إن روسيا خيبّت أمل الجزائر بعدم قبولها داخل “بريكس”، وأن موسكو لم تبذل جهودا كافية من أجل فرض “شريك استراتيجي” لها مثل الجزائر عضوا داخل هذه المجموعة.
– جاءت هذه التطوّرات بعد زيارة قام بها الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في يونيو 2023، إلى موسكو لتأكيد متانة علاقات البلدين وتطورها. وقد توّجت رمزية الزيارة بتدشينه نصبا للأمير عبد القادر الجزائري في موسكو، وهو أول نصب لعربي ومسلم في العاصمة الروسية.
– بالمقابل يؤكّد مصدر روسي مراقب أن مسألة الانضمام لمجموعة “بريكس” ما زالت مطروحا وروسيا من بين المؤيدين لعضوية الجزائر . وأن عوائق بيروقراطية وليس سياسية هي التي عرقلت “مؤقتا” انضمام الجزائر إلى المجموعة.
– تعتبر الجزائر روسيا “شريكا استراتيجيا” بحكم علاقات البلدين منذ عهد الاتحاد السوفياتي ولكون روسيا هي المورد الأول للأسلحة إلى الجزائر. يؤكد مصدر جزائري مراقب إن الجزائر لا تستطيع الاستغناء عن روسيا باعتبارها أكبر مزوّد للأسلحة وشريك في عديد من المجالات الأخرى الدفاعية الامنية، وأن هذا ما دعا الجزائر إلى الامتناع عن التصويت على أي قرار ضد روسيا في المحافل الدولية.
– تقول مصادر جزائرية إن استراتيجية العلاقة مع روسيا يجب أن لا تخفي خلافات بين البلدين. وتعتبر الجزائر أن هناك تضاربا في المصالح مع روسيا في منطقة الساحل الأفريقي وأن أنشطة قوات “فاغنر” الروسية في مالي والنيجر وليبيا تثير قلقها. وتعتبر الجزائر ان أنشطة “فاغنر” وأي وجود عسكري أجنبي آخر أمر مزعزع للاستقرار في المنطقة ولا يساعد في الحرب ضد الارهاب.
– يقدر خبراء أن الجزائر تقدم نفسها على أنها قوة اقليمية في شمال افريقيا وترى أن الوجود العسكري الروسي في الساحل الأفريقي يقلل من دورها ونفوذها في المنطقة.
– بالمقابل تنفي مصادر جزائرية مراقبة أن تكون الجزائر تطمح إلى دور قيادي في المنطقة وتضيف أن الجزائر لا تريد هذا الدور وليس لها القدرة على ذلك، وهي تريد الاستقرار.
تضيف المصادر ان المصالحة التي رعتها الجزائر في مالي كانت مهمة للاستقرار وأن الفوضى تصدّر اهتزازات أمنية إلى الجنوب الجزائري. فطول الحدود مع مالي يقدر بأكثر من الف كلم وتخشى الجزائر تسلل الجماعات الانفصالية والإرهابية عبر حدود البلدين أو تدفق آلاف اللاجئين الى اراضيها.
– توضح مصادر الجزائر أن هناك خلافات بين الجزائر وليبيا بشأن أنشطة “فاغنر” وقد تضاعف القلق من تلك الأنشطة في مالي والنيجر. ويعتبر المصدر أن منطقة كيدال في مالي على الحدود مع الجزائر هي خطّ احمر وهذا ما يقلقها في مواجهات فصائل أزوادية ضد القوات المالية وقوات “فاغنر” في المنطقة.
– تشير الجزائر إلى دعم روسيا للحكومات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وترى مصادرها أن إيقاف المجلس العسكري في مالي لـ “اتفاقية الجزائر” الموقعة برعاية الجزائر مع الفصائل الأزوادية عام 2015 وموقفه السلبي من الجزائر لم يكن ليحصل لولا الدعم الروسي لباماكو.
– يضيف المصدر أن قوات الجنرال خليفة حفتر الذي كانت تدعمه روسيا في ليبيا، زحفت باتجاه طرابلس بدعم من “فاغنر” قبل أيام من مؤتمر غدامس الدي دعت اليه الجزائر للمصالحة في ليبيا عام 2019.
– يعتبر المصدر أن من حق روسيا “العودة” إلى أفريقيا بعد غياب بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي، وأن وجود روسيا في القارة السمراء يتّسق مع السياسة الجزائرية لجهة رفضها وجود قواعد غربية وأميركية في المنطقة. ويعتقد المصدر أن أوروبا والولايات المتحدة المتضررتين من العودة الروسية تسعى للتأثير على الدول الأفريقية وعلى العلاقات بين روسيا والجزائر.
– يقول مصدر جزائري إن الجزائر عارضت العمليات العسكرية الفرنسية في الساحل الأفريقي (عملية برخان) وأغلقت مجالها الجوي أمام عبور الطائرات العسكرية الفرنسية. كما عارضت الجزائر أن تكون منطقة شمال افريقيا مركزا لقوة “افريكوم” الأميركية.
– يضيف المصدر أن موقف الجزائر الرافض للوجود الأجنبي في المنطقة ينسحب على أي دولة أخرى بما فيها روسيا أو الصبن أو تركيا وغيرها، وأنه حتى لو غيرت “فاغنر” اسمها أو وضعها فهذا لا يغير من شيئا من هذه المعادلة.
– ترى مصادر مراقبة جزائرية أن موقف الجزائر ليس مضادا لروسيا بقدر ما يريد تأمين منطقة شمال افريقيا والساحل من اي تدخل اجنبي لأن التواجد الروسي سيجذب دول اخرى للتدخل في المنطقة بحيث تصبح منطقة صراعات وعدم استقرار.

خلاصة:
**تحاول روسيا والجزائر معالجة خلافات بين البلدين بشأن أجندات روسية في أفريقيا تعتبرها الجزائر مضرّة بمصالحها السياسية والأمنية في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي.
**تمثّل المواجهات بين الفصائل الانفصالية الأزوادية في شمال مالي ضد الجيش المالي وقوات “فاغنر” الروسية واجهة لتناقض مصالح روسيا والجزائر.
**تعتبر الجزائر أن روسيا لم تبذل جهدا كافيا لدعم طلب انضمام الجزائر إلى “بريكس” بالمقابل امتنعت الجزائر عن التصويت على أي قرار في مجلس الأمن يدين روسيا في حرب أوكرانيا.
**بسبب توتّر علاقات الجزائر مع فرنسا مؤخرا ورمادية علاقاتها غربا، فإن الجزائر ستسعى للتعايش مع أجندة روسيا في أفريقيا وعدم التصادم معها.
**لم يصدر عن المصادر الروسية ما يوحي بإمكانية التراجع لصالح إرضاء الجزائر، لا بل تعتبر أن عودة روسيا إلى أفريقيا هي حقّ بعد غيابها إثر انهيار الاتحاد السوفياتي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.