قراءة في الصحوة المتأخرة لأحد كبار قادة جيش إسرائيل

” ما يجري في غزة تطهير عرقي”

أمير مخول، مركز تقدم للسياسات

اشغلت تصريحات موشي يعالون في 30 نوفمبر الراي العام الاسرائيلي وأثارت غضب المؤسسة الاعلامية والاوساط الحاكمة وكذلك المعارضة. في حديثه الى منصة “ديموقراطية تي في”. ما أورده وزير الامن الاسبق وقائد الاركان اثناء الاجتياح في الضفة الغربية 2002 وهو المسؤول عن مجزرة مخيم جنين شكل الصدمة، إذ قال “إن الطريق الذي ننجرّ إليه هو الاحتلال والضم والتطهير العرقي في قطاع غزة” مؤكدا ان هذا ليس احتمالا بعيدا، بل يضيف: “لا يوجد بيت لاهيا ولا يوجد بيت حانون وهم يعملون حاليا في جباليا ويقومون بالأساس بتطهير المنطقة من العرب”، موجها كل الاتهامات الى نتنياهو نفسه باعتباره يقود الاسرائيليين والدولة “الى ما لا يقل عن الدمار”، ثم اكد يعالون ” الحكومة تعمل على ترحيل الفلسطينيين في غزة وبناء مستوطنات يهودية”.
قراءة:
يُحسب موشي يعالون على اليمين العقائدي، فقد كان قائدا للأركان في حكومة شارون، وفيما بعد عضو كنيست عن الليكود ووزيرا للأمن بين السنوات 2013 و2016 في حكومة نتنياهو. وهو بالتالي لم يأت من صفوف “اليسار الصهيوني” وفقا للمعايير الاسرائيلية السائدة، ثم ان خلفيته العسكرية تجعل امكانية وصمه بـ”اليسار” او “خدمة اعداء اسرائيل” غير نافذة في الراي العام الاسرائيلي. كما انه لا يقوم بذلك من باب الغيرة على الفلسطينيين بل على اسرائيل. تكمن أهمية اقوال الجنرال الكبير في :
– انها تأتي في سياق باتت فيه اسرائيل وقادتها في قفص المساءلة سواء امام محكمة الجنايات الدولية التي اصدرت اوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالنت لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، بينما لا تزال تنظر محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب افريقيا وغيرها لاعتبار اسرائيل ارتكبت جريمة الابادة الجماعية في قطاع غزة.
– انها تأتي بالتزامن وبالتناقض مع الحملة المضادة التي تقوم بها اسرائيل وادارة بايدن نحو الغاء قرار الجنائية الدولية واعتبر هذه المحكمة موبوءة باللا-سامية ومعادية لإسرائيل وحتى داعمة للإرهاب.
– تصريحات يعالون تشكل مصدر احراج لإدارة بايدن ووزير خارجيته بلينكن، اللذان يكثران من الحديث عن المساعدات الانسانية ويوفران لإسرائيل المهلة بعد الاخرى ويرفضان وقف حرب الابادة.
– بموازاة ذلك تشكل تصريحاته احراجا اكبر للمعارضة الاسرائيلية وتعرية لمواقفها العدوانية، بعد ان ادانت قرار الجنائية الدولية بما لا يقل عن نتنياهو نفسه، وتدعم استمرار الحرب على غزة ولم تدع يوما لوقفها، بل اقتصر مدى تحركها حول صفقة التبادل لا اكثر.
– تصريحاته المباشرة والواضحة تضع نقاش وقف الحرب (وليس الصفقة والهدنة) ورفض التطهير العرقي ورفض الاستيطان في صلب جدول الاعمال الاسرائيلي او حتى جدول اعمال المعارضة.
– لم يقبل يعالون المقولة السائدة القائلة بأن اسرائيل تقوم بحرب دفاعية وبأنها لا تمارس جرائم الابادة والتطهير العرقي والاستيطان، ولا الادعاء الذي تتبناه حتى المعارضة بأن مسألة الاستيطان هي “غير واقعية” كما يقول نتنياهو، بل اعتبر ان الحكومة وبشكل منهجي وواضح لديها مشروع في استيطان القطاع، والاستيطان المتجدد ليس استثناء، بل هو محوري في الحكومة.
– من اللافت ان الرأي العام الاسرائيلي لم يقبل بتصريحات يعالون، ويأتي الغضب باعتباره ينبّه الاسرائيليين الى ما هم عليه فعليا، ويضع في ايدي العالم محاججة تنسف الرواية الاسرائيلية السائدة القائمة على بدعة “الحرب الوجودية” التي بادر اليها نتنياهو وغالنت وغانتس مباشرة بعد السابع من اكتوبر 2023، وباستثناء تقارير محدودة لكن هامة قامت بها صحيفة هارتس، وتصريحات محررها المسؤول عاموس شوكين التي تلتقي مع تصريحات يعالون، فهناك عدم اكتراث شامل بما يجري في غزة من اعمال ابادة وتطهير عرقي، وحتى عائلات الاسرى والمحتجزين لم تطرح في حملتها وقفا للحرب او وقف هذه الجرائم وانما انحصر دورها في مسألة المحتجزين واعادتهم احياء بصفقة تبادل.
– تضع استنتاجات يعالون وتصريحاته المعارضة الاسرائيلية في قفص الاتهام بوصفها داعمة للحرب ولا تطرح اي مخرج سياسي، حتى حزب “الدمقراطيون” والذي يدمج بين حزبي العمل وميرتس لا يتحدث عن وقف الحرب.
– لكن يعالون في هذا الموقف يلتقي مع بروفيسور عومري باهم المحاضر في جامعة نيو سكول في نيويورك، الذي بدوره يتهم المعارضة بالمسؤولية عن عدم خلق البديل وعن إلغائها الذاتي السياسي والاخلاقي لدورها، ويوجه كلامه الى ما يسمى “اليسار” الذي يدعم الحروب وهو صاحب فكرة الاستيطان في الضفة الغربية ولا يحمل اية رسالة سلام او مصالحة مع الفلسطينيين.
– يؤكد البروفيسور عومري في لقائه الصحفي مع هآرتس” “أولئك الذين ناضلوا ضد الانقلاب القضائي يتحدثون اليوم عن وقف إطلاق النار من اجل عودة الرهائن. لكننا لم نشهد صرخة عامة من أجل الإنهاء الفوري لسياسة التجويع والقصف والطرد الجماعي لسكان غزة. ليس من بينهم كبار القادة الذين دعوا ذات مرة إلى حل الدولتين، ولا بين أولئك الذين كانوا يعتبرون ذات يوم ضمير اليسار”.
– وينضم رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت الى هذه الاصوات ويسعى للمبادرات بهذا الصدد وقد يكون ذلك تمهيدا لاحتمالية عودته الى الحياة السياسية. ومن اللافت ان القنال 12 الاسرائيلية توقفت في لقاء معه عند استخدامه مفردة “السلام” واعتبرتها المذيعة 30/11 بأن كلمة سلام “لا مكان لها بعد اليوم”. وهو ما يشير ولو جزئيا تراجع نسبة المؤيدين لحل الدولتين بين الشباب في جيل الجندية الى اقل من 8%.
– في اعقاب وقف إطلاق النار في لبنان بدأت تطرح اولوية الصفقة من جديد وحتى اصوات تدعو الى وقف الحرب برمتها، باعتبار ان الحل العسكري لن يوفر مستقبلا أفضل. الا ان هذه الاصوات لا تزال ضعيفة ومحدودة في حين ان الجديد هو انها بدأت تسمع على شكل تصريحات ومقالات. كما ان معظمها لا يأتي من المعارضة الحوبية المنظمة، بل أكثر من اوساط يمينية سابقة مثل يعالون، او من اوساط الحراك الشعبي القائم منذ سنتين بدءا بمواجهة التغييرات القضائية وبعد الحرب من اجل صفقة التبادل والهدنة.
الخلاصة:
* من المبكر الحديث عن صحوة في الراي العام الاسرائيلي تعترف بمحدودية القوة العسكرية وحرب الابادة في تحقيق اي حل. وقد تكون تصريحات يعالون متأخرة باعتبار ان اقصى اليمين بقيادة نتنياهو يسيطر حتى الان على الرواية الاسرائيلية التي تلائم توجهاته.
* التقدير بإن تصريحات يعالون وغيرها من الأصوات الناقدة للاستمرار الحرب، قد تدفع أطراف في المعارضة الى اعادة النظر في طروحاتها العدوانية الداعمة للحرب والمنكرة لجرائم الابادة والتطهير العرقي.
* فلسطينيا، من الأهمية بمكان الاستفادة من تصريحات يعالون في مواجهة الفرية الاسرائيلية السائدة التي تضع اي موقف فلسطيني واي موقف نصير له، وأية مساءلة دولية في خانة اللاسامية التي تجيّرها حكومات اسرائيل لتبرير حرب الابادة وجرائم الاحتلال والعنصرية والتطهير العرقي في كل الجغرافية الفلسطينية.
* مع عودة زخم المظاهرات الشعبية في مدن العالم والدعوات لوقف حرب الابادة والتطهير العرقي على غزة، تبدو كل محاولات حكومة نتنياهو الى صرف الانظار عن جرائمها في قطاع غزة والمناطق الأخرى المحتلة ، ترتد عليها، وهي فرصة فلسطينية وعربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.