قراءة في اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان ومستقبل الحرب على غزة
امير مخول، مركز تقدم للسياسات
ملخص تقدير موقف:
في كلمته للجمهور الاسرائيلي (26/11) تبريرا لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، أكد نتنياهو ان الحرب لم تنته ولن تنتهي قبل عودة سكان الشمال الاسرائيليين الى بلداتهم الحدودية مع لبنان. وأكد كذلك ركائز سياسته للمرحلة القادمة، وهي مواصلة الحرب على غزة “حتى القضاء على حماس”، وتهديده للرئيس السوري باعتباره “يلعب بالنار” وفي تحديد الغاية وهي استهداف النظام الايراني.
في القراءة المدققة للمشهد الإسرائيلي بعد الاتفاق تبرز المعالم السياسية التالية:
– اعتبر جمهور القاعدة الشعبية اليمينية أنه بدلا عن الانتصار الساحق الذي وعد به نتنياهو، الا انه يحمل في طياته اقرارا بالهزيمة، وبأن الواقع الميداني لا يتيح تسميته انتصارا ولا حسما للمعركة، وهو الامر الذي صور على انه بات قريبا، مباشرة بعد تفجيرات اجهزة الاتصال والاغتيالات النوعية المتتالية والمكثفة بلوغا الى امين عام حزب الله حسن نصر الله.
– رغم ان استراتيجية تقويض الحزب حققت اهدافها جزئيا ، ولكن بمرور الوقت بات الحسم بعيدا وخارج المنال بينما تدحرجت الامور الى حرب استنزاف مكثفة وباهظة الثمن للطرفين.
– حدد خطاب نتنياهو ما يمكن تسميته، خارطة طريق لسياسته، والتي باتت اشبه بسياسات فتوحات تمتد جغرافيتها من غزة ولبنان الى سوريا وإيران واليمن، أطلق عليها تغيير خرائط الشرق الاوسط. ثم ان مهلة الستين يوما من وقف إطلاق النار تتطابق مع الاسبوع الاول لدخول الرئيس ترامب الى البيت الأبيض إضافة لمؤشرات الى انه اوعز لإسرائيل لقبول الاتفاق وذلك من خلال تواصل نتنياهو مباشرة معه او من خلال الوزير ديرمر المسؤول عن العلاقة مع الولايات المتحدة.
– بعد الاتفاق مع لبنان عادت التصريحات للحديث عن اصل الشر وهو ايران وان الحساب معها لا زال مفتوحا ، لكن الجديد هو الحديث عن سوريا بوصفها الهدف القادم لإسرائيل، وهو ما نوّه له نتنياهو باعتبار حسم المعركة من وجهة النظر الإسرائيلية، يتطلب بالضرورة اغلاق المدى السوري الذي يتيح وفقا لنتنياهو مدّ حزب الله بإعادة بناء قدراته العسكرية التي فقدها وتطويرها. وقام الجيش الإسرائيلي وقبل دخول وقف إطلاق حيز التنفيذ بدقائق معدودة باستهداف عدة جسور وطرق على الحدود السورية اللبنانية.
– في المقابل نقلت معاريف عن مصدر عسكري رفيع تهديده للأسد بان ” سوريا تقف على مفترق طرق من الفرص والخيارات، وإذا ما اختار الرئيس الاسد دعم تسليح حزب الله فإن سوريا ستدفع الثمن”.
– وفقا للتصريحات والتحليلات الاسرائيلية فإنه سيرافقها مساع اسرائيلية للسيطرة على مناطق سورية واحتلالها، كما يجري الحديث عن مخطط لإقامة شريط حدودي عازل مع لبنان على غرار محور صلاح الدين/فيلادلفي على الحدود المصرية الفلسطينية في قطاع غزة والذي احتلت إسرائيل جانبه الفلسطيني.
– وفي ما يبدو تسهيلا لتوقيع الاتفاق مع لبنان، تشدد اسرائيل على آلية التطبيق و”حرية الحركة” التي منحها اياها الاتفاق مع الادارة الامريكية في بند منفصل، مقابل مصادقة بايدن على مدّ اسرائيل بإحدى أكثر منظومات الصواريخ دقة JDAM والتي تحول القنابل التقليدية الى قنابل ذكية وموجّهة بشكل بالغ الدقة.
– سوقت الأوساط اليمينية الاعلامية والرسمية الاتفاق كما لو كان هدنة مؤقتة، كما ألمح نتنياهو في خطابه المسجل للجمهور، وكان لافتا تصريح وزيرة التهويد والمهام الوطنية اوريت ستروك من الصهيونية الدينية “ان الاتفاق مؤقت ويتيح العودة للحرب في اية لحظة” وألمحت الى وجود ما يبرر الاتفاق دون الافصاح عن تفاصيل. وقد يكون نتاج التفاهمات غير الرسمية مع ترامب ورهان أطراف الائتلاف الحاكم عليه في مسألة ضم الضفة الغربية، حيث يستعد اقصى اليمين لمرحلة الإدارة الجديدة.
– وفقا للناطق العسكري الاسرائيلي فقد باتت كلمة السر الاسرائيلية هي “الضبط” ومنع عودة النازحين من الشمال اللبناني الى بلداتهم، وهو ما خرج عن سيطرة الجيش الاسرائيلي الذي لم يستطع ضبط الامور لدرجة اطلاقه النار وتنفيذ اعتقالات. في وقت ينشغل فيه الراي العام بحركة النزوح اللبناني الهائل العائد الى الجنوب، مقابل التعليمات بمنع عودة سكان الشمال الاسرائيليين، مما ضاعف حالة الاحتقان الشعبي الاسرائيلي ضد الحكومة والجيش وضد الاتفاق وعزز الشعور بعبثية القرار الحكومي.
– في ذروة انشداد الراي العام المحلي والعالمي الى جبهة الشمال مع لبنان، استمرت إسرائيل في استكمال أحد أكثر فصول التطهير العرقي والقضاء على مقومات الحياة في شمال قطاع غزة. ويردد نتنياهو ان مسالة غزة ليست محسومة و” لم تتم بعد هزيمة حماس “، مما يدلل على ان استراتيجية هدم اية مقومات لقيام دولة فلسطينية وللتواصل الجغرافي والمصيري بين الضفة وغزة، لا زال معطى ثابتا في السياسة الإسرائيلية.
– بحديثه الصريح ان الحرب لم تنته في غزة، ولتلافي الضغط الشعبي لإنجاز صفقة التبادل، يسعى نتنياهو لتفادي المطالبة الشعبية التي تتعزز بعد اتفاق وقف النار في لبنان والداعية الى تعيين لجنة تحقيق رسمية مستقلة تنظر في اخفاق السابع من اكتوبر 2023. وهو ذات المسوّغ الذي سيدفعه للتخلص من قيادة الاركان والشاباك واقالتهم، وتعيين موالين له.
الخلاصة:
** مهما كان مصير اتفاق وقف اطلاق النار فإن مؤشرات تعمق الازمة السياسية والاضطراب الداخلي في إسرائيل تبدو جدية، وستكون عنوان المرحلة المقبلة، المؤشرات على ذلك التسريع في إصدار التشريعات التي تمنع الحصانة لرجال الدولة وتمنع مساءلتهم، وتمنح الحكومة صلاحيات غير مسبوقة في تفكيك منظومات الدولة وبنائها من جديد من خلال تغيير طبيعتها وهويتها.
**اسرائيل تخفق في الحسم العسكري في لبنان وتذعن الى هذه الحقيقة، مما ينعكس على تراجع اضافي في وزنها الاستراتيجي اقليميا ودوليا.
**تعزيز سيادة الدولة اللبنانية التي رسخها الاتفاق لوقف اطلاق النار يشكل حاجزا اضافيا امام اسرائيل للتعامل مع الاتفاق على أنه مؤقت وأن لديها حرية الحركة في لبنان، بل ان استراتيجية “تدفيع لبنان دولة وشعبا الثمن” تواجه انتكاسة بسبب التوافق اللبناني وعدم القدرة على الدفع نحو حرب اهلية لبنانية.
** الخطر الداهم هو على فلسطين وقضية فلسطين برمتها، وهو ما يتطلب اقصى درجات التأهب والحذر فلسطينيا وعربيا ودوليا، واعتماد استراتيجية البقاء والصمود امام تهديد مجمل الوجود الفلسطيني في وطنه، وذلك برؤية شاملة ركيزتها انهاء الاحتلال وقيام دولة مستقلة ، مع استمرار الأولوية لوقف حرب الإبادة في غزة والتوصل الى صفقة تتيح انقاذ حياة الفلسطينيين وبقائهم على ارضهم.