قراءة في أبرز تطورات المشهد الاسبوعي الإسرائيلي

أمير مخول، مركز تقدم للسياسات 

1. أزمة المعارضة وتعزز قوة نتنياهو رغما عن الخيبة من سياساته:

يشير المنحى في الاستطلاعات الى تحسن متواصل لوضعية نتنياهو الانتخابية، وفعليا تجاوز معظم التراجع الذي حصل بعد الاسبوع من 7 اكتوبر 2023. وفقا للاستطلاع الاسبوعي الاخير الذي تجريه صحيفة معريف فإن رئيس الوزراء بات يتفوق على معظم معارضيه الحاليين، وهم ليسوا بالضرورة معارضة لليكود. يتفوق نتنياهو على غانتسفي مسألة الملاءمة لرئاسة الحكومة 42% مقابل 40%)، وعلى لبيد 45% مقابل 36%) وعلى ليبرمان (43% مقابل 35%) بينما يتفوق نفتالي بنيت على نتنياهو من حيث الملاءمة لرئاسة الحكومة (49% مقابل 34%).

يشير استطلاع خاص ومتعمق في مسألة “مؤشر التماهي” اجرته شركة “بازيلا (5/ايلول) لصالح صحيفة معريف بعد مؤتمر نتنياهو الصحفي، الى أنه المؤشر بلغ الذروة اذ وصلت النسبة الى 40% وهي الاعلى منذ 7 اكتوبر حين كانت في الحضيض، وهي نسبة كافية كي تبقيه في الحكم كما وتتيح له اتخاذ القرار المعني به بصدد الصفقة.

وفقا للاستطلاع الاخير والذي يأتي في اعقاب المؤتمر الصحفي الذي عقده نتنياهو لتبرير البقاء في محور صلاح الدين/فيلادلفي، فإن كتلة أحزاب الائتلاف الحاكم الحالي تحظى بـ52 مقعدا في الكنيست من أصل 120، اي بزيادة مقعد عن الاسبوع الفائت، بينما تحظى المعارضة الصهيونية مجتمعة بـ 58 والاحزاب العربية بـ10 مقاعد. وفي نظرة الى ما كانت نتائج الاستطلاعات قبل نصف عام مثلا اي خمسة أشهر من اعلان الحرب، فقد كانت كتلة المعارضة الحالية تحظى بـ 64-66 مقعدا، وحزب المعسكر الرسمي بنحو 40 منها، بينما كتلة احزاب الائتلاف بنحو 44-46 مقعدا، بعيدة عن اية امكانية لتشكيل حكومة في حينه لو جرت انتخابات. حاليا انقلبت التوازنات وحقق نتنياهو غايته بخلق حالة تحول دون تشكيل احزاب المعارضة لاي ائتلاف صهيوني حاكم.

من اللافت في الاستطلاعات أن شعبية نتنياهو تتعزز وتتسع، بينما تتسع نسبة المعارضة لسياسته في ادارة الحرب. نسبة الذين يؤيدون ابرام الصفقة مقابل الانسحاب من محور فيلادلفي هي 60% في حين يدعم موقف نتنياهو 28%، كما ان 61% من المستطلعة آراؤهم لا يثقون بنوايا الحكومة ويعتقدون أنها ليست معنية بالصفقة، وذلك وفقا لاستطلاع القنال12 يوم 6 ايلول.

قراءة:

يبيّن مؤشر الملاءمة لرئاسة الحكومة ارتفاعا في وزن كل من لبيد وليبرمان مقابل تراجع في التأييد لغانتس. فعليا ومع احتمالية الخطأ الاحصائي فإن الثلاثة باتوا في وضعية شديدة التنافس حول الانسب ليكون مرشحا لرئاسة الحكومة، الامر الذي من شأنه ان يجعل المعارضة أضعف وقد يستفيد نتنياهو من هذا التنافس في استمالة احداحزاب المعارضة وعلى حساب حليفيه سموتريتش وبن غفير مما سيعزز حكومته. في حين ان تصدّر نفتالي بنيت يتطلب الحذر نظرا لكونه لم يخض بعد المعركة الانتخابية وقد حظي بمثلها يوسي كوهين رئيس الموساد السابق الذي تراجع عن خوض المعترك السياسي لصالح عالم الاعمال. ومن المتوقع ان يتعرض بنيت لهجمة واسعة من نتنياهو والاعلام الموالي له ومن منافسيه الذين لن يتنازل اي منهم لصالحه، مما سيضعف من قوة بنيت. 

رغم محاولات رئيسها لبيد تحدي حكومة نتنياهو، فلا يوجد لدى كتلة المعارضة الصهيونية ما تطرحه من مشروع سياسي بديل للحكومة الحالية، في حين ان المعارضة للشخص اي لنتنياهو وليس للحكومة يجعل المعارضة غير ذات شأن في الساحة الاسرائيلية، في حين يتفوق نتنياهو شخصيا على رؤسائها في شعبويته وفي قدرته على كسب التأييد. الا ان مساعي لبيد للتقارب مع حزب شاس وهو ايضا موقف حزب غانتس قد يعمق الشرخ داخل الائتلاف الحاكم المأزوم جوهريا لكن ضعف تماسك المعارضة يعزز بقاءه.

تفضيل اولوية الصفقة على مواصلة الحرب، لا يشكل نهجا سياسيا بديلا، اذ لا يوجد خلاف جوهري على مواصلة الحرب واستدامة الاحتلال حاليا في قطاع غزة. كما ان التناقض البائن بين اتساع التأييد لنتنياهو مقابل اتساع المعارضة لأولويات سياسته، هو مؤشر لغياب البدائل وتردي وضع المعارضة.

تؤكد المعطيات اعلاه ان حركة الاحتجاج وفي محورها منتدى عائلات الاسرى والمحتجزين في غزة، لا تزال محدودة الأثر ولم تنجح في الدفع لانسلاخ جمهور من مؤيدي نتنياهو لصالحها، حتى ولا من بين مؤيدي اولوية الصفقة.

احتمالية حدوث تغيير جوهري في السياسة الاسرائيلية وتوازناتها غير قائمة الا بتصدّع الائتلاف، في الوضعية الحالية، وقد بات الامر منوطا بإحداث انقلاب تام في توجه المعارضة الرسمية، بينما يشير الواقع الى احتمالية تصدع المعارضة حصريا. 

للخلاصة:

• التحولات السياسية الداخلية المتناقضة في اسرائيل وتصاعد شعبية نتنياهو مقابل اتساع المعارضة لسياسته هو من مؤشرات تعزز سيطرة الشعبوية الحاكمة ومن حالة الضياع في المجتمع الاسرائيلي.

• يشكل الدعم الامريكي الشامل لإسرائيل احد اهم مصادر قوة حكومتها ورئيسها داخليا.

• لا مكان فلسطينيا او عربيا او دوليا لانتظار الفرج من حدوث تحولات سياسية اسرائيلية من تلقاء نفسها، بل من خلال فعل سياسي استراتيجي فلسطيني وعربي ودولي يتجاوز مسألة من يحكم اسرائيل.

 

 

2. ميزانية الدولة في ميزان أزمة الحرب والاقتصاد:

في استعراضه الاولي لاطار ميزانية الدولة للعام 2025، والتي سيتم إقرارها لغاية نهاية العام الجاري، يقدر وزير المالية سموتؤيتش بأن التكاليف المباشرة للحرب “الأطول والاعلى تكلفة في تاريخ اسرائيل” تتراوح ما بين 200 – 250 مليار شيكل (نحو 75 مليار دولار). فيما يقف هدف العجز المالي عند 4%. واعدا بتنفيذ إجراءات التقارب التي تبلغ حوالي 35 مليار شيكل، وهي تخفيضات في الميزانيات دون الاضطرار الى زيادة الضرائب. في المقابل تستبعد تحقيق هذا الهدف كل التقديرات المهنية، اذ من المتوقع ان لا تصادق عليه حتى احزاب الائتلاف الحاكم، مما يعني ان التقليصات لن تشمل حتى نصف المبالغ المذكورة (35 مليار شيكل)، مما يعني اما التراجع عن إطار مشروع الميزانية لصالح العجز المتفاقم، والذي بلغ في شهر حزيران 8.1% متجاوزا المخطط وهو 7.7% مما يعني تجاوز المخطط السنوي الحكومي. إلا أنه في الربع الأخير من العام سيقترب من 6.6%. بينما وفي حال اضيفت له تكاليف صندوق التعويضات على اضرار الحرب سيوف يتجاوز العجز 9%.

وفقا لمعظم التقديرات المالية فإن التكاليف المباشرة تتجاوز هذه الارقام بكثير، وفي حال لم تتوقف الحرب او اتسع نطاقها لتشمل الجبهة الشمالية مع لبنان، فإن المعطيات تتغير بشكل جوهري.

ينتقد المحللون الاقتصاديون خطة الميزانية المذكورة، ويحذر تسفي ستيباك رئيس ومؤسسة شركة الاستثمارات “ميتاف داش” الى احتمالية تدهور التصنيف الائتماني لإسرائيل لدرجة تصبح فيها من الدول التي لا يستثمرون فيها. ويشير نحاميا شترسلر الى انها المرة الاولى في تاريخ الدولة التي تقوم معا بتخفيض التصنيف الائتماني مع تحذير من الشركات بأنها ستقوم بتخفيض اضافي قريبا. بينما تقوم اسواق المال العالمية بتصنيف اسرائيل بشكل أكثر تردياً من شركات الائتمان، كما ان النمو الاقتصادي للفرد الاسرائيلي بات سلبيا في الربع الثاني من العام الجاري، وتكليف الفائدة جراء العجز المالي تتصاعد بوتيرة عالية. كما يشير المحلل الاقتصادي الى انكماش الصناعات عالية التطور التكنولوجي (الهايتك) والتي تعتبر قاطرة الانتعاش، والى ان التضخم المالي يتجاوز المخطط له، لدرجة عزوف المستثمرين الاجانب وهروب الادمغة الاسرائيلية الى الخارج. 

للخلاصة:

• لم تبلغ الازمة الاقتصادية والمالية مداها بعد، وفي حال اتساع رقعة الحرب او تواصل الحرب بوتيرتها الحالية، فإن الاقتصاد الاسرائيلي امام مجموعة ازمات لا يستطيع الخروج منها في المدى المنظور وذلك رغم قوة هذا الاقتصاد.

• من المحتمل ان تقوم الولايات المتحدة بتحمل قسطا كبيرا ان لم يكن الاكبر من العجز المالي والتراجع الاقتصادي ودفع اصحاب رؤوس الاموال والمستثمرين الاجانب لإعادة استثماراتهم في اسرائيل.

• سيكون من الصعوبة اكثر عودة المستثمرين الاسرائيليين واصحاب الشركات الناشئة الذين يهاجرون للخارج، بعد ان يؤسسوا مصالحهم في انحاء العالم. ويترافق الى هذا هجرة الادمغة.

• لحد الان لا يربط المجتمع الاسرائيلي بمن فيه حركة الاحتجاج والمعارضة، تدهور الواقع الاقتصادي باستمرار الحرب والسياسة التوسعية التي باتت بشكل جلي عبئا على الاقتصاد. والى حين لم يشعر المجتمع بوطأة التردي الاقتصادي والمالي فمن غير المتوقع ان يحتجوا على استمرار الحرب.

 

3. قلق اسرائيلي من التحركات المصرية والتركية:

أجمع الاعلام الاسرائيلي على أن جولة رئيس الاركان المصري الجنرال أحمد خليفة في محور فيلادلفي ومعبر رفح تشكل مصدر قلق، كما ورأوا فيها تحديا لزيارة رئيس الاركان الاسرائيلي قبلها بيوم. وفي حين اعتبر الاعلام اليميني من يسرائيل هيوم وموقع سروجيم الناطق باسم الصهيونية الدينية وكذلك موقع كيبا الحريدي بأن الجولة يوم 5 ايلول تعبر عن توتير العلاقات مع اسرائيل مشيرين الى ان اسرائيل لا تستطيع التنازل عن السيطرة على محور فيلادلفي، رأى موقع واينت بأنها تشير الى مدى تورط الحكومة الاسرائيلية ورئيسها نتنياهو في تأزيم العلاقات مع مصر والتي تعتبر ركنا من اركان الامن القومي الاسرائيلي تفوق في اهميتها التواجد العسكري الاسرائيلي في المحور، كما قام الموقع بالتركيز على الموقف المصري الغاضب من تصريحات نتنياهو في المؤتمر الصحفي قبل اسبوع والذي وجه فعلياً الانتقاد الى مصر بادعائه بان المحور تحول الى متنفس حماس للحصول على السلاح، ومقللا من شأن الدور المصري في هذا الصدد. كما أكد الموقع على الموقف المصري الثابت منذ 23 اكتوبر بصدد حدودها مع فلسطين في قطاع غزة، منوها الى ان نتنياهو يجعل اتفاقات كامب ديفيد من العام 1978 في موقع الخطر، كما انه يقوم بتوتير العلاقات مع مصر التي تشكل ركنا اساسيا في الوساطة بصدد الصفقة والتهدئة.

تناول الاعلام الاسرائيلي أن القاهرة قد ضاقت ذرعاً بالافتراءات الاسرائيلية التي عبر عنها نتنياهو في تصريحاته معتبرا محور صلاح الدين/فيلادلفي شريان الحياة لحماس. كما عبر هذا الاعلام نقلا عن مصادر رسمية عن “القلق الاسرائيلي من تحركات مصر” وقيامها بفتح قنوات سياسية جديدة وذلك لتحسين موضعة نفسها اقليميا. وحصريا تعزيز علاقاتها مع تركيا والتي بلغت ذروتها في زيارة الرئيس السيسي الى تركيا وما تحقق من اتفاقات وتفاهمات مع الرئيس التركي اردوغان.

ما يسرّع من التحركات المصرية وفقا الى واينت، هو التقديرات بأن نتنياهو لا يريد الصفقة، وأنه بصدد ترسيخ احتلال قطاع غزة بشكل دائم وليس مؤقتا، وهو ما يعني مواصلة احتلال الجانب الفلسطيني من محور فيلادلفيبكل تداعيات ذلك على العلاقات بين مصر واسرائيل. تستند هذه التقديرات الى قرار نتنياهو بان يقوم الجيش الاسرائيلي بالاستعداد لتوزيع المساعدات الغذائية والطبية، وبتعيين ضابط عسكري رفيع يشرف على المساعدات وهو ما يعني وضع حجر الاساس لحكم عسكري لقطاع غزة.  في حين ان كميات المساعدات الانسانية المتكدسة في العريش المصرية هي بكميات هائلة، وبدأ يتلف جزء كبير منها يقدّر بمئات الاطنان، نظرا لمنع ادخالها الى القطاع بينما تسعى حكومة نتنياهو الى مواصلة منع دخولها حتى اتلافها بالكامل او ان تضطر مصر الى الاستجابة للاحتلال الاسرائيلي المنوي به وهو ما لا يبدو واردا.

يشكل التقارب المصري التركي من بين امور عديدة، تعزيزا لمواقع البلدين في حال تعمّدت اسرائيل إفشال الصفقة، وبداية تدحرج نحو تسخين الجبهة الشمالية مع لبنان وانتقالها الى المواجهة الحربية الشاملة، وهو ما عبر عنه غالنت من محور نيتسريم يوم 8 ايلول بأن الانتقال الى الجبهة الشمالية سيكون سريعا جدا حيث الجبهة التي تحظى بمركز الثقل الحربي. كما ويشكل هذا التقارب اشارة تحذيرية لإسرائيل بصدد تصعيدها الحربي في الضفة الغربية ولانتهاكات الاقصى المبارك والمقدسات في القدس، وما تشكله من خطر على السلطة الفلسطينية وعلى الاردن، ليدعو اردوغان الى عقد تحالف للدول الاسلامية في وجه “المخاطر التوسعية المتصاعدة ” من قبل اسرائيل ولوضع حد لهذا النهج التوسعي. كما شكلت جريمة قتل الناشطة المتضامنة التركية الامريكية ايزنورايجي بنيران جيش الاحتلال في منطقة نابلس عاملا في تأجيج التوتر. كما اعتبرت اسرائيل ان التقارب التركي المصري والتركي السوري يدفع بهذا الاتجاه.

للخلاصة:

• تدرك اسرائيل مدى القلق الاقليمي من سياساتها التوسعية والاسقاطات الاستراتيجية لهذا النهج الا انها لا تبدو مكترثة، وذلك بخلاف احتمالات الحرب التي كانت تبدو فورية مع ايران وعلى الجبهة الشمالية معا.

• تدرك اسرائيل ان كلا من مصر وتركيا تعتبر دولة عظمى اقليميا وذات وزن دولي اضافة الى الدور المصري المحوري في الوساطة بصدد الصفقة، الا ان حكومة نتنياهو باتت على استعداد للتضحية بهذه العلاقات لصالح الوضع السياسي الداخلي ولصالح السيطرة على كل فلسطين.

• تراهن اسرائيل على الدور الامريكي الضامن لسياساتها مهما كانت الخلافات قوية بين ادارة بايدن وحكومة نتنياهو، كما ويبدو بأن اولويات الولايات المتحدة بصدد التطبيع الاقليمي ليست اولويات اقصى اليمين الحاكم.

• يبدو ان اسرائيل باتت اقرب الى نقطة الحسم فإما الصفقة التي قد توافق على ابرامها في اللحظة الاخيرة الممكنة، او التدحرج غير القابل للإيقاف نحو حرب على الجبهة الشمالية ومخاطرها اقليميا ودوليا. رغما عن المسعى الى تحديد اطارها في عمليات مكثفة قصيرة الامد، لكنها لا تملك القدرة على وضع هذه التحديدات.

 

 

4.  هل يعيدها نتنياهو مخطط شارون “ الاصابع الخمسة” لإعادة استيطان غزة

يحدث انزياح في اهداف الحكومة المعلنة من الحرب على غزة، وذلك بعد تحييد مسألة الصفقة من أولويات نتنياهو وشركائه من اقصى اليمين، وسواء تمّ ابرامها ام لا. يتسارع هذا الانزياح بتناسب مضطرد مع تعزز قوة نتنياهو السياسية وعلى الرغم من فشله في تحقيق اهداف الحرب المركزية. كما تتسع التقديرات الاسرائيلية بأن الغاية الرئيسية ليست محور فيلادلفي، بل يشكل المحور مساحة مناورة سياسية داخلية وخارجية يقوم بها نتنياهو.  كما وتتضح معالمها جراء قرار رئيس الحكومة تعيين قائد عسكري مسؤول عن المساعدات “الانسانية” ضمن مخطط “البديل السلطوي المدني”، اضافة لإصدار تعليماته للجيش ببناء منظومة عسكرية لتوزيع المؤن على سكان غزة، والامران من مقومات الحكم العسكري الاحتلالي تحت مسمى “الادارة المدنية” مع استبعاد اي اطار كياني سلطوي فلسطيني. وهو يتساوق مع ما يقوم به سموتريتش في الضفة الغربية بعد ان حوّل جهاز “الادارة المدنية” الى اداته السياسية كما حوّل بن غفير شرطة اسرائيل الى شرطته الموالية له ولنهجه.

تُعتبر الوزيرة اوريت ستروك من الصهيونية الدينية أنها الرأس العقائدي الاول والاكثر منهاجية، مقارنة بسموتريتشوبن غفير. وقد اوضحت منذ بضعة أشهر بأنه “بدون البقاء على طريق فيلادلفي ونيتساريموالممر الشمالي، فلن تكون حكومة”. يعيدنا هذا الى تصريحات عضو حزبها سيمحا روطمان في اواسط اكتوبر الماضي بأن الهدف النهائي هو “أن يتمكن كل طفل يهودي من المشي في الشارع الرئيسي في مدينة غزة”. وهذا ما يتطابق مع خطة الجنرالات التي ظهرت مؤخرا والتي تلغي مدينة غزة وتلغي اي وجود فلسطيني شمال معبر نيتسريم وتحدد مواقعه جنوبه. 

بالاضافة الى محور نيتسريم و”الممر الشمالي” يقوم الجيش وفقا لمصادر عدة بإعادة ترسيم محوركيسوفيم، وهو المحور الرابط بين مستوطنات قطيف والممتد من جنوب دير البلح وحتى شمال رفح جنوبا وحتى خان يونس شرقا. حيث كانت المستوطنات ال16 فيه والتي لم يتعد عدد سكانها خمسة الاف تسيطر على نحو ربع مساحة القطاع. هذا المحور هو المحور الاستيطاني الاهم مقابل نيتسريم محور السيطرة الاهم على الفلسطينيين. ولو عدنا الى التاريخ الاستعماري لفلسطين فقد عرضت سلطات الانتداب البريطاني الاستعماري على الصندوق القومي امتلاك اراضيه وذلك في العام 1926، الا ان الصفقة لم تخرج الى حيز التنفيذ لاعتبار اراضيه غير صالحة للزراعة وفقا لمواصفات قبل قرن من الزمن.

فعليا تقوم ستروك بعد اتضاح قرار نتنياهو باستدامة احتلال غزة وعدم ايقاف الحرب، بما قام اريئيل شارون في العام 1971 حين طرح خطة الاصابع الخمسة التي تشكل خارطة الاستيطان في القطاع وحصاره وتقطيعه الى مناطق معزولة للفلسطينيين. وهو ما يبدو الخط المركزي الراهن في الحكومة. تستند الخطة في حال بقاء هذه الحكومة وتطبيقها الى خطط قديمة تقوم على ضم القطاع وتهجير سكانه واستيطانه. 

من غير الصحيح عزو هذه المخططات الى اقصى اليمين حتى وان بدت كذلك في الاشهر الاولى من الحرب، بل ان نتنياهو هو من يقود السياسات وليس مقاداً من شركائه. يحظى هذا التوجه بتأييد أوسع من سعة الائتلاف الحاكم، ولغاية الان لم تظهر اية معارضة فعلية له، وإن كانت اية معارضة فهي من منطلقات أمنية وليس سياسية. بينما كرر الجيش بأنه جاهز لكل السيناريوهات ولديه الحلول الميدانية.

للتنويه فإن خطة الاصابع الخمسة” المنسوبة الى شارون قامت على إنشاء كتلة استيطانية في شمال قطاع غزة، وتوسيع المدى الاستيطاني اليهودي جنوب عسقلان وحتى ضواحي بيت حانون وغزة المدينة.   الإصبع الثانية هو محور نيتسريم. كان الهدف منها بتر تواصل الفلسطينيين بين غزة ودير البلح.   أما الإصبع الثالثة فكان عبارة عن كتلة من المستوطنات تهدف إلى فصل دير البلح عن خان يونس وهي جزء من محور كيسوفيم، أما الإصبع الرابعة فكان عبارة عن كتلة من المستوطنات تهدف إلى فصل خان يونس عن رفح.  كانت الاصبع الخامسة تحاصر قطاع غزة من الجنوب وتفصله عن سيناء وعلى الارض المصرية وهي مدينة يميت ومستوطناتها التياقتلعتها اسرائيل في اتفاقات كامب ديفيد مع مصر بينما اقتلعت مستوطنات قطاع غزة عام 2005 وأضيفت اليها مستوطنات شمال الضفة الغربية.

 

للخلاصة:

• من الجدير التعاطي بجدية مع مشاريع اعادة استيطان قطاع غزة وإنهائه كوحدة جغرافية سكانية واحدة، والاستعداد للتصدي لمخططات اسرائيل القاضية بأن غزة لن تعود الى ما كانت عليه وبأن نوايا التطهير العرقي الشامل والإبادي لم ترفع من جدول الاعمال الاسرائيلي.

• مهما كان مصير الصفقة الا انها باتت ثانوية مقارنةً بالمخططات الاحتلالية الاسرائيلية، بل ان الحرب على الشعب الفلسطيني وحصريا على غزة مستدامة ومفتوحة، ولا توجد قوى اسرائيلية سياسية معارضة قادرة او معنية بإيقافها. 

 

5. عملية معبر الكرامة والحرب على الفكرة

في تصريحه الرسمي في اعقاب عملية معبر الكرامة (اللنبي) ومقتل ثلاثة اسرائيليين أكد نتنياهو على أن “ايران تشن حربا بالأفكار المعادية على اسرائيل ومن كل الجهات”. لا يبدو ان في الامر زلة لسان، بل هو من بادر الى هذا الكلام المخطط له في مستهل الجلسة الوزارية يوم 8 ايلول/سبتمبر.

قراءة:

تجاهل نتنياهو حالة الغضب والاحتقان التي تسود الشعب الاردني في اعقاب حرب الابادة على غزة، والعدوان الاتي بروحها على الضفة الغربية وتصريحات فرض النزوح والاقتلاع على الفلسطينيين فيها نحو الضم ودفع الفلسطينيين الى الاردن ضمن مخططات “الوطن البديل”. كما تجاهل نتنياهو الاعتداءات على القدس ومقدساتها واقتحامات الاقصى واعلان وزير الامن القومي بانتهاء “الامر الواقع” في الاقصى، مما يعني انهاء الوصاية الهاشمية على الاوقاف. كما تجاهل نتنياهو النسيج الاجتماعي والرابط المتين بين الفلسطينيين والاردنيين.

تصريح نتنياهو ووزرائه بأن إيران تقف وراء العملية المذكورة، يشكل مسعى خبيثا للنيل من الامن الاردني والتقليل من فاعليته، ودق اسفين بين الاردن وايران، ودفع الاردن الى توثيق علاقاتها مع اسرائيل وخاصة علاقاتها الامنية، وكذلك دفعها للتصدي لاي هجوم ايراني صاروخي على اسرائيل بعيد الاحتمال حاليا، في حال حصل في المستقبل.

يتجاهل نتنياهو بشكل مطبق تحذيرات جهاز الامن العام الشاباك وكذلك الجيش من نتائج سياساته ومستوطنيه والتي تدفع الى تفجير الاوضاع في الضفة الغربية اضافة الى الخناق الاقتصادي الشامل والمساعي لتقويض السلطة الفلسطينية وللنيل من قدراتها السلطوية تجاه الضفة الغربية وفي المناطق التي تقع تحت سيطرتها.

تصريحات نتنياهو في اجتماع المجلس الوزاري بأن صعود اليهود الى الاقصى والحرم يكون بصلاحياته وفقط في حال وافق عليه، هي تصريحات تسويقية لا ينصاع لها بن غفير وميليشياته، ولا الجمعيات الاستيطانية، بل تأتي هذه التصريحات لتهدئة الغضب الاردني لا اكثر.

للخلاصة:

• بخلاف المؤسسة الامنية التي تسعى من منطلقاتها الاستخباراتية الى تخفيف حالة الاحتقان الشعبي الفلسطيني والاردني، تحاول حكومة نتنياهو استغلال عملية معبر الكرامة لإقامة ما يشبه محور فيلادلفي على طول الحدود الاردنية مع فلسطين المحتلة والتي تبلغ نحو 360 كم.

• تؤكد العملية مجددا بأن الحلول العسكرية بحد ذاتها لا يمكن ان توفر لا الأمن ولا الأمان.

• السعي الى اتهام ايران بانها وراء “حرب الافكار” على اسرائيل انما هي من هواجس نتنياهو وليست من الواقع.

 

6. التحرك الفلسطيني القادم يقلق اسرائيل، والدعوة لتضمين الضفة الغربية في اهداف الحرب

• حالة من القلق تعصف بإسرائيل نتيجة التحرك الدبلوماسي الفلسطيني وخطاب الرئيس محمود عباس امام الجمعية العمومية، والذي سيكون في محوره اتخاذ قرارات تعزز فتوى محكمة العدل الدولية الاخيرة والاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال وفي حدود الرابع من حزيران 1967. إضافة الى اسناد قرار عباس بزيارة قطاع غزة لكسر الحصار ووقف الحرب، بالإضافة الى وقف العدوان الاسرائيلي على الضفة الغربية وكشف مخططات دولة الاحتلال.

• تكرر المؤسسة الاسرائيلية اعتبار التحرك الدبلوماسي الفلسطيني “ارهابا دبلوماسيا”، وذلك في مسعى لمصادرة الحق الفلسطيني بالقوة واعتباره اما دعما للإرهاب او توجها لا-ساميا معاديا لليهود.

• دعا وزير الخارجية كاتس الى فرض سلسلة عقوبات على السلطة الفلسطينية ومسؤوليها، بما يتكامل مع الدعوات الحكومية بتقويضها حتى انهيارها.

• دعا الوزير بن غفير الى تضمين الضفة الغربية في اهداف الحرب الاسرائيلية على غزة بما فيه اعتماد قرار حكومي بالقضاء على حماس وكل الفصائل في الضفة وتقويض السلطة

• في رسالة رسمية الى نتنياهو (5/9) طالب وزير الامن القومي بن غفير باتخاذ موقف مبدئي في المجلس الوزاري المصغر يتم بموجبه اضافة هدف الى اهداف الحرب، وذلك بإدماج الضفة الغربية في الاهداف المركزية و”القضاء على حماس” والفصائل الاخرى فيها. دعا الوزير الى الحد من “حرية حركة” سكان المنطقة وحسب تعبيره “سكان السلطة الفلسطينية” والتي تشكل وفقا له حرية حركة للفصائل التي تتعاظم قدراتها واعتبار ذلك يعود الى “التدخل الايراني”. 

قراءة:

ما يسمى جبهة الضفة الغربية أشعلتها اسرائيل منذ اليوم الاول للحرب على غزة، وفعليا كانت قد اشعلتها بشكل مكثف في حقبة حكومة بنيت-لبيد وبعد السابع من اكتوبر جرى تصعيد وتكثيف وبتسارع لا يتوقف، ومن مؤشراته هو اعتقال نحو 14 الف من الفلسطينيين، والاجتياحات المتتالية للمخيمات حصريا في المناطق المعدة للاستيطان وتدمير منهجي للبنية التحتية ولمقومات حياة السكان، حرمان اكثر من 130 الفا من العمال الفلسطينيين من العمل في المرافق الاسرائيلية، السعي المنهجي لسرقة اموال المقاصة التابعة للسلطة الفلسطينية والعمل على تقويضها، قتل المئات وجرح الالاف، وهدم البيوت.

الجهة الاخرى التي تقوم بشكل منهجي بإشعال جبهة الضفة الغربية هي التنظيمات الارهابية وميليشياتها التابعة للتيار الصهيوني ديني والتي قامت وبحماية الجيش والشرطة بتهجير عشرات التجمعات الفلسطينية وحرق القرى كما لم يكن يوما، مصادرة مقومات الحياة للفلسطينيين في المناطق النائية عن المراكز السكانية.

للخلاصة:

• لا تخفي حكومة نتنياهو قلقها من التحركات الدبلوماسية للسلطة الفلسطينية ولمنظمة التحرير وهو ما يؤكد فاعلية هذا المنحى وحصريا مع تجدد حراك الجامعات في الولايات المتحدة والغرب لمناصرة فلسطين واحراج سياسات الدول الداعمة للعدوان الاسرائيلي.

• النضال الدبلوماسي كما اي نضال ليس بحد ذاته، لكنه يشكل رافدا اساسيا في نضال الشعب الفلسطيني لإحقاق حقوقه.

• تسعى اسرائيل الى توسيع الجبهات والى دفع الفلسطينيين في الضفة الى المواجهة في الوضع والتوقيت المواتي لدولة الاحتلال.

• تسعى اسرائيل بشكل حثيث الى اضافة اهداف مستجدة لأهداف حرب الابادة على غزة وهو الاوان لفضح هذه المحاولات والتصدي لها فلسطينيا وعربيا ودوليا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.