غزة تدخل مرحلة الاحتلال الاسرائيلي المستدام

أمير مخول، الباحث في مركز تقدم للسياسات

تقدير موقف:

تقديم: وفقا للمخطط الذي رصدته” سي ان ان” بواسطة الاقمار الاصطناعية فإن اسرائيل قد انجزت الطرق العرضية باتجاه البحر والتي تقسم غزة شمالا وجنوبا في منطقة وادي غزة وبعرض نحو 7 كيلومترات، والخطوة الحالية هي استخدام كميات كبيرة من الالغام والمواد الناسفة شديدة الانفجار (من صنع امريكي) لنسف ما تبقى من بيوت وبنى تحتية في مناطق عدة في شمال غزة وحصريا في منطقة بين حانون التي يحدها شمالا معسكر ومعبر “ايريز”. وشمل أيضا مدينة غزة وحصريا في ضواحيها الشرقية التي باتت جزءا من المنطقة العازلة التي تبنيها إسرائيل في اراضي غزة. اما في حي الزيتون، فيجري في ظل مفاوضات الهدنة غير المنتهية، انجاز متقدم لتطبيق المشروع التجريبي القائم على السيطرة على توزيع المؤن والذي تقف في خلفيته البعيدة فكرة، أن من يسيطر على إطعام الناس يسيطر عليهم، ويترافق هذا المشروع مع طرد المنظمات الانسانية الدولية من هذه المنطقة، على ان تلحق بها مناطق اخرى وتقوم إسرائيل بالتعاون مع وكلاء فلسطينيين وفقا للخطة بتدريب مجموعات حراسة لهؤلاء، بينما فعليا تصبح ميليشيات قمع فلسطينية للفلسطينيين ويحضروا ليكونوا بنية لمنظومة فساد وارتباط مصلحيا بالاحتلال. كما ان الطريق العريض من هذا المنطقة لغاية البحر يبتر المدينة ويحولها الى مربعات سكنية معزولة وهو كما يبدو يتلاقى والمشروع الامريكي ببناء ميناء عائم “للمساعدات الانسانية”.
في التفاصيل:
على مستوى القطاع تعيد اسرائيل تفعيل بنية الاحتلال التي كانت لغاية 2005 قبل الانسحاب من غزة وشمال الضفة بشكل احادي الجانب. بما في ذلك الطرق الرئيسية والممرات والشوارع المحظورة على الفلسطينيين وفي ذات الاماكن التي كانت فيها لغاية الانسحاب المذكور.
وفقا لكل التصريحات، وبالأساس وفقا لما يحدث على ارض الواقع، فإن اسرائيل تؤسس بنية بقاء احتلالي مستدام في القطاع في ظروف تختلف جوهريا عما كان لغاية 2005، اذ ان القطاع لم يعد امتدادا سكانيا فلسطينيا ولا وحدة جغرافية فلسطينية بل ان الهدف منع عودة النازحين، ومن يعود فلن يجد مكانا يصلح للعيش وهذه عقيدة معمول بها منذ 1948 والنكبة وخلق قضية اللاجئين التي لا تزال تعرّف بأنها مؤقتة، بينما راهنا يجري العمل للإجهاز عليها ومعها وكالة الاونروا.
نتنياهو وحكومته وكابنيت الحرب يهددون باقتحام رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفي)، بتقديرنا ان في ذلك وظيفة تفاوضية لابتزاز حماس وكذلك لابتزاز مصر كي تضغط على حماس، الا ان تقديرات إسرائيلية جديرة تؤكد ان رفح ليست مسألة استراتيجية، بل قد يشكل اجتياحها ورطة اسرائيلية استراتيجية مع مصر. بينما الاهتمام الاستراتيجي الحقيقي ينصب على شمال غزة كما ذكر اعلاه. ومعنى ذلك انه لا مجال بتاتا للتفكير في صفقة شاملة تنهي الحرب، بل فقط في صفقة جزئية ومؤقتة تتواصل الحرب بعدها، وخلالها لا تنسحب اسرائيل ولا يعود النازحون، بل في أحسن الاحوال الحديث عن “عودة نازحين” دون أل التعريف الجامعة. وفعليا قبل الهدنة تكون اسرائيل قد انجزت بنية سيطرتها وبقائها في غزة احتلالا مستداما وليس مجرد عملية عسكرية وتنتهي.
المشكلة هي في القراءة الفلسطينية والدولية والعربية في هذا الصدد، فالقراءة الدولية تؤدي الى التركيز على “المساعدات الانسانية”، بينما القراءات الفلسطينية والعربية تشدد على نتائج المفاوضات بشأن الصفقة والهدنة واللهاث على مدار الساعة وراء التفاصيل التي باتت مسلسل إلهاء للفلسطينيين والعرب، بينما المخططات على الارض تؤكد دوام الاحتلال والسعي الى انهاء غزة كوحدة جغرافية واحدة لأهلها. وهناك قراءة السلطة الفلسطينية التي تعترف بكارثية الوضع وتسعى الى فعل عربي مشترك يؤثر دوليا مقابل سعي اسرائيلي استراتيجي لتقويضها بشكل تام ضمن السعي للقضاء على غزة واعتبارها مسألة لا تحتمل الا الحل العسكري.
الاشكالية الثانية تتعلق بمدى الادراك للمشروع الامريكي بصدد الميناء العائم في سياق ادخال “المساعدات الانسانية”، والنية المعلنة في ادخال مليوني وجبة طعام يوميا الى غزة، وتقوم اسرائيل بحماية الميناء اي المسؤولية الامنية بالشراكة مع الجيش الامريكي، والحديث عن فحص المساعدات في ميناء أسدود ولن يدخل الجيش الامريكي الى غزة. من اللافت ان الطريق العريض الذي يقوم الجيش الاسرائيلي بشقه من جنوب شرق غزة المدينة الى البحر هو ايضا يندرج في هندسة طرق “المساعدات الانسانية” لشمال القطاع، ويتماشى جغرافيا مع ما طرحه وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس امام القادة الاوروبيين بصدد جزيرة اصطناعية مقابل غزة يتم تهجير الفلسطينيين اليها من شمال القطاع. ثم ان الاكثار من الحديث عن ترتيبات بصدد شمال غزة، فيه اعتراف دولي بأن شمال غزة بات مفصولا عن الجنوب، وأن اقامة بنية متكاملة حصريا للشمال وفي سياق المساعدات الانسانية تعني استدامة بقاء اسرائيل الاحتلالي في القطاع كما وتعني بأن بنية المساعدات الانسانية الامريكية قد تكون بنية تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي الحالي لغزة، فهذا المشروع الامريكي يأتي على خلفية قيام أنصار حكومة نتنياهو بمنع دخول الشاحنات من معبر كرم ابو سالم دون ان تستغل ادارة بايدن قدرتها على فرض منع ذلك.
الخطاب السياسي الفصائلي الفلسطيني في واد اخر بعيد يتحدث وكأن الوضع لا يزال كما كان لغاية السابع من اكتوبر ولا ينقص الفلسطينيين سوى انتظار “تجاوز الانقسام”، بينما أصبح وادي غزة حدودا لحركة الفلسطينيين الغزيين على الاقل في المدى المنظور، أشبه بالجدار الاحتلالي في الضفة الغربية يغيّر جوهريا ملامح الجغرافيا السياسية والسكانية، ويتم انشاؤه على حطام التواجد العمراني والتواجد السكاني النازح قسراً، والذي ينجز الاحتلال بنية تصدّ وتسدّ كل الطرقات امام عودته.
للخلاصة:
– القراءة الفلسطينية العربية للخطوات الجوهرية الاسرائيلية المتسارعة على ارض غزة والتي تغير معالمها سكانيا وجغرافيا، لا تزال قاصرة عن رؤية الصورة الحقيقية وتتمحور في التفاصيل وليس بالمتغيرات الكبرى الجارية.
– هناك ضرورة في مطالبة الولايات المتحدة فرض ادخال المساعدات الدولية والعربية عن طريق البر، وعدم الانصياع الى الشروط الاسرائيلية اذ ان قطاع غزة منطقة فلسطينية وليست اسرائيلية.
– اتخاذ مواقف حازمة وإطلاق حملة ضاغطة على ادارة بايدن نحو وقف تزويد إسرائيل بالذخيرة والدعم العسكري وبالألغام الناسفة التي تستخدمها الاخيرة في تدمير شامل لمقومات الحياة في غزة، بل وفرض وقف لاطلاق النار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.