عودة الكاظمي إلى بغداد.. ما الذي ينتظر العراق؟
تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
تقديم: تؤشّر عودة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى بغداد، إلى ما يشي بتغييرات مقبلة على المشهد السياسي في العراق. يأتي الحدث على خلفية تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، وسقوط نظام الأسد في سوريا، وظهور توتّر في العلاقة بين حكومة العراق وإدارة الرئيس ترامب في واشنطن. فكيف نقرأ عودة الكاظمي في اطار تطورات المشهد الإقليمي والدولي العام؟
– في 25 فبراير 2025، أُعلن عن عودة رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، إلى بغداد، بعد غياب دام عامين قضاها بين بريطانيا والإمارات. وقد لفت الحدث المراقبين لما قد يحمله من إشارات إقليمية ودولية، وحتى عراقية.
– قال مراقبون إن عودة الكاظمي بعد مغادرته شبه منفيّ بسبب الضغوط والأخطار الأمنية التي كانت تتهدد حياته، وعودته هي نتاج قرار عراقي إقليمي ضمن أمنه ومعاملته رسميا كرئيس وزراء سابق تتولى الدولة حمايته.
– كان الكاظمي تولى منصب رئيس الوزراء خلال الفترة من 7 مايو 2020 إلى 27 أكتوبر 2022. بعدها خرج من العراق لدى انتهاء ولايته، وتولي رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني المنصب بعده.
– تعرض الكاظمي لاتهامات من جانب فصائل موالية لإيران بالتواطؤ في اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني الذي اغتيل، في عهد رئاسة الكاظمي للحكومة، في 3 يناير 2020. وفي أبريل عام 2023، أعلن الادعاء العام العراقي إحالة الكاظمي إلى التحقيق في قضية مقتل سليماني وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي.
– في 7 نوفمبر 2021، تعرّض منزل الكاظمي في المنطقة الخضراء إلى هجوم بطائرة مسيّرة مفخخة. وعلى الرّغم من أن أحداً لم يتبنَ محاولة الاغتيال، إلّا أنه يعتقد ان الرسالة كانت تهديدية من قبل الفصائل الشيعية المسلحة في البلاد. وأرسلت طهران حينها قائد فيلق القدس، اسماعيل قآاني إلى الكاظمي لاستنكار الحدث.
– قالت مصادر عراقية إن عودة الكاظمي ليست بعيدة عن واقع جيوستراتيجي جديد، أدى إلى تراجع نفوذ إيران في المنطقة، وتصاعد علاقة متشنجة بين بغداد وإدارة الرئيس دونالد ترامب في واشنطن، وعن الاستعدادات للانتخابات التشريعية التي ستجري اكتوبر من 2025.
– لم يغب عن المراقبين أن الكاظمي قريب من الخليج، وأن إقامته بالإمارات تعدّ رافدا سياسيا له، وأن عودته تحظى برعاية، لا سيما من قبل السعودية والإمارات، وهي دول تسعى لتوسيع حضورها الاقتصادي والسياسي في العراق.
– اكدت مصادر عراقية مطلّعة أن عودة الكاظمي أتت بالتنسيق مع الحكومة العراقية ومع الإطار التنسيقي الشيعي، وأنه كان في استقباله فوج حماية تؤمنه الحكومة عادةً للرؤساء السابقين. وكشفت هذه المصادر ان عودته أتت بعد “دعوة خاصة” لمساعدة تحالف “الإطار التنسيقي” على مواجهة أزمة تلوح مع إدارة ترامب، وسط اعتراف بأن الكاظمي بارع في إنقاذ “الدولة العميقة”.
– في 26 فبراير، حثّ وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في اتصال هاتفي، رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني. على الحدّ من النفوذ الإيراني الذي وصفه بـ”الخبيث” في العراق، كما دعاه إلى ضمان استقلال العراق في مجال الطاقة، ولا سيما استيراد الغاز الذي يعتمد عليه بشكل كبير في إنتاج الكهرباء.
– دفعت المحادثة الهاتفية “الإطار التنسيقي” الشيعي الحاكم بالعراق، إلى الدعوة لعقد اجتماع طارئ لقادته للبحث فيما وصفوه بـ”رسائل تهديد” أمريكية للنظام السياسي في البلد.
– في 28 فبراير، تشرت قناة “فوكس نيوز” تقريرا ذكرت فيه أن النائب الأمريكي الجمهوري، جو ويلسون، وهو ايضا عضو في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، دعا إلى “جعل العراق عظيما مجددا”، وإلى وقف سيطرة إيران عليه، بعد دعواته السابقة الى وقف التمويل للعراق.
– رأت مصادر عراقية أن عودة الكاظمي قد ترتبط بعجز حكومة السوداني عن تحقيق اختراق لدى إدارة ترامب، لا سيما وأن الإدارة الأميركية تنظر إلى الحكومة التي شكلتها المجموعة الشيعية الحليفة لإيران بأنها “حكومة مقاومة”، ما قد يضع العراق بشكل كامل في مواجهة مع إدارة ترامب، ما قد يعرّض الحكومة لعقوبات نتيجة وجود شخصيات داخل الحكومة سبق أن أدرجت داخل قوائم الإرهاب الأميركية.
– يقول سياسيون عراقيون إن عهد ترامب والشرق الأوسط الجديد سيفرضان معادلة سياسية جديدة في بغداد تتطلب شخصاً “يكون شريكاً موثوقاً لمطبخ القرار العربي في الشرق الأوسط، حتى يكون معروف التوجه لدى الأميركيين”.
– يرجّح مراقبون إدراج عودة الكاظمي للعمل على تهدئة خصوصا أنه سبق أن عيّن رئيسا للوزراء لتهدئة “ثورة” أطاحت بحكومة عادل عبد المهدي الموالية لطهران. يضيف المراقبون أن الكاظمي يتمتع بعلاقات مع كل من إيران والولايات المتحدة، ما يؤهله ليكون مرشحاً محتملاً لرئاسة الوزراء في المستقبل القريب.
– تزامنت عودة الكاظمي مع إعلان التيار الصدري خوض الانتخابات تحت مُسمّى “التيار الشيعي الوطنيّ”. ويحمل الاسم الجديد رسالة بأن الصدريين يعملون تحتَ العنوان الوطني العراقي، بعيداً عن التّبعيّة لإيران.
– كما أعلن رئيس الوزراء الأسبق، أياد علّاوي، العودة إلى الساحة السياسية عبر إطلاق تحالف سياسي جديد، تحت اسم “التجمع المدني الوطني العراقي”، وقال إنه يهدف للمشاركة في الانتخابات المنتظر أن تجري في أكتوبر 2025. ما يؤشر إلى انطلاق تحركات لتغيير التوازنات السياسية لعراق ما بعد تراجع نفوذ طهران في المنطقة.
خلاصة:
**يعتقد أن عودة الكاظمي تمت وفق ضمانات أمنية تقاطعت على توفيرها ضغوط إقليمية دولية، والتقت مع مصالح عراقية تهدف إلى التهدئة مع الولايات المتحدة.
**الأرجح أن الكاظمي، الذي تنقل بين بريطانيا والإمارات أثناء فترة وجوده خارج العراق، يتمتع بثقة خليجية، وبالتالي يستطيع الاستقواء بحاضنة عربية لتطوير برنامجه السياسي في بلاده.
**تأتي عودة الكاظمي في ظل توتر واضح في علاقة حكومة محمد شيّاع السوداني وإدارة ترامب في واشنطن وسط تخوف من عقوبات أميركية قد تفرض على بغداد.
**لا يمكن قراءة عودة الكاظمي إلا على خلفية تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة وسعيّ التحالف الشيعي القريب من طهران إلى الحفاظ على مكانته في الحكم، والتعويل على دور الكاظمي لتهدئة ترضي واشنطن ولا تغضب طهران.
**تتواكب عودة الكاظمي مع إعلان كل من مقتدى الصدر ورئيس الوزراء العراقي، إياد علاوي، العودة للاستعداد لخوض الانتخابات التشريعية في اكتوبر 2025، علما أن التيار الصدري كان حاضنا للكاظمي في منصبه رئيسا للحكومة.
**من غير المستبعد خوض الكاظمي نفسه للانتخابات، بالنظر إلى تواصله مع القيادات العراقية واحتمال أن يتحرك وفق تحالفات سياسية معيّنة.
**يعتقد أن الثقة التي يمتلكها الكاظمي للعودة إلى العراق، تعود إلى حمله رسائل أميركية عربية إلى المنظومة الحاكمة بشأن كيفية التأقلم مع المتغيرات التي فرضتها تداعيات “طوفان الأقصى “وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، وسقوط نظام الأسد في سوريا.