عام 2025 بين “خطة الحسم” ومشروع الدولة الفلسطينية؟

الضم وتصفية قضية الشعب الفلسطيني ليست قدرا 

أمير مخول، مركز تقدم للسياسات 

ملخص ورقة سياسات  

 

تقديم: اعلان القيادة الفلسطينية بأن العام 2025 هو عام قيام دولة فلسطين، ومسنود بإجماع رسمي عربي واقليمي وافريقي وتأييد دولي، محاولة لتكوين وعي بنقطة انطلاق من الشعار الى المشروع المحدد بجدول زمني، وشبه اجماع دولي. مقابل تصريحات لقيادات إسرائيلية، بأنه حان وقت اعلان الضم وفرض السيادة الاسرائيلية من النهر الى البحر. كلا الرؤيتين يؤشران لطبيعة المرحلة الحالية والمستقبلية. فالصدام يحتدم بين المشروعين النقيضين.

تراهن اسرائيل على طبيعة التعيينات في ادارة ترامب الجديدة ذات الصلة بالمنطقة، ويعتبرها الاعلام اليميني المتطرف بأنها الادارة الاكثر مناصرة لإسرائيل ولفرض السيادة على الضفة الغربية. السفير الامريكي الجديد، ووزير الخارجية، والمندوبة الدائمة في الامم المتحدة ووزير الدفاع والمبعوث الى الشرق الاوسط، جميعهم ينتمون لأقصى اليمين العقائدي الافنجاليكاني .

تشير تركيبة الادارة الجديدة الى توافق على مبدأ “امريكا أولا” وان الصراع الاساسي عالميا هو مع الصين وفي المنطقة مع إيران، لكن الموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو لصالح ضم المناطق المحتلة عام 67 وانهاء حل الدولتين. بيد ان مفاتيح القرار كما ترجح التحليلات هي بيد ترامب، حتى وان لم يعلنها بصورة نهائية بل يكتنفها الغموض.

يستعد نتنياهو لاستقبال الإدارة الجديدة وتيارها التنفيذي المنحاز في تصوراته لمستقبل الصراع، بتسمية سفيره في واشنطن، يحيئيل ليتر،الذي يعد من منظّري اليمين الاستيطاني والضم، يسكن في غوش عتسيون، ومُعتمد كأحد اهم منظري منتدى كوهيليت اليميني العقائدي الذي تعود اليه تسويغات الانقلاب القضائي الاسرائيلي. كما تعود اليه معظم مشاريع القوانين ذات الصلة وكذلك القوانين التي تشرعن سيادة اسرائيل على كل فلسطين. 

فكرة موت حل الدولتين حين تأتي من اقصى اليمين الصهيوني والافنجياليكاني الامريكي، فهي ترديد لمقولة تسعى للتأثير على السياسات الامريكية. فقد نسبها السفير الامريكي السابق في اسرائيل دافيد فريدمان الى ترامب مؤكدا ان الاخير قد توصل الى هذه القناعة. ثم ان فكرة التعايش السلمي بين الفلسطينيين في الضفة مع المستوطنات، يعيدها الى ان العمال الفلسطينيين الذين يعملون فيها في البناء، يتقاضون اجرة شهرية تفوق كثيرا معدل المعاشات في السلطة الفلسطينية، ولهذا فإن فكرة “السلام الاقتصادي” و”تقليص الصراع” ممكنة بحسب رايه، بل ويراها واقعية.

 

في الميزان الاستراتيجي فإن اسرائيل تراجعت اقليميا ودوليا، كما انه بخلاف دورة ترامب السابقة حيث سارعت الدول وحصريا العربية والاوروبية في ملاءمة سياساتها لطموحات ترامب، لكنها في دورته الرئاسية الثانية، بدأ ت تعلي من مصالحها القومية اولا، على غرار امريكا اولا. كما ان السنوات الأربع الماضية شهدت احداثا كبرى واحدثت هزة في مسلمات بدت استمرارا لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، لكن تأثيراتها حفرت عميقا في مجرى ضرورة التغيير لكل المنظومة الدولية ، فجائحة كورونا والحرب الاوكرانية ، خلفت أزمات اقتصادية كبرى ، من الركود الاقتصادي الى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم ، ولم تعد معها كل المقاربات القديمة قادرة على تجاوز الازمات والانفاق الهائل على الحروب ، ومن غير الممكن استمرار منظومة العلاقات الدولية والتحالفات التي تأسست في العقود القادمة على أرضية الحرب البادرة واستقطاباتها ، كما ولم يعد ممكنا اجبار دول المنطقة على خيار الالتزام بحروب أمريكا الكونية ، فالمصالح الخاصة بالدول باتت محكومة بالتنوع والتعدد سواء مع الصين او روسيا ، دون ان يعني ذلك عداء وقطيعة مع الولايات المتحدة ، 

 

تكمن خطورة ادارة ترامب الجديدة في طروحات ” الخطوات الجزئية المؤقتة ” والتي تصبح ثابتة ومؤسسة لخطوات اخرى، كما هو حال نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس قبل ستة اعوام، حين اعتمد ترامب قرارات الكونغرس المجمدة، الا ان ادارة بايدن لم تتراجع عن الخطوة، والتزمت بالواقع القانوني امريكيا. وهو الوضع الذي يجده غلاة المتطرفين إسرائيليا وامريكيا فرصة تاريخية لتقويض فكرة الدولة الفلسطينية وحل الدولتين. ثم انه مقابل مسؤولية الولايات المتحدة عن حرب الابادة في غزة، ستبدو اية خطوة من قبل إدارة ترامب مخفَّفّة.، في أخطر عملية تضليل وإشاعة للاوهام التي تستبق استقرار الإدارة الامريكية.

يستند هؤلاء المتطرفون الى ان فكرة حل الدولتين لم تكن يوما مقبولة اسرائيليا، سواء ما ينسب الى حكومة رابين الثانية أو مواقف لم تتجسد مثل اولمرت، في حين ان الوثائق التاريخية التي تم الكشف عنها مؤخرا عن رابين من العام 1974 والتي كانت سرية في أرشيف الدولة لخمسين عاما، فإنها تشير الى تحذيره من خطورة قيام دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 67.

ما يغيب عن النقاش العربي والدولي هو، ان حل الدولتين ليس منوطا بموافقة اسرائيل بل بقدرة الفلسطينيين والعرب على تحقيقها مستندين الى القرارات الدولية التي قامت عليها اسرائيل مشروطة بقيام فلسطين. وهو ما يتبلور حاليا كوعي دولي اخذ بالاتساع. فقد طالبت شخصيات في موقع القرار الاوروبي بضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية خارج عملية التفاوض، بل كحق غير قابل للتصرف، وفي السياق أيضا تأتي اهمية مؤتمر الرياض للدول العربية والاسلامية والمنظمات الدولية، الذي دعا الى اقامة دولة فلسطين وفقا لجدول زمني وللدفع نحو تحرك دولي بفرض الحل. كما من اللافت أيضا طرح بداية مقترح مفوض العلاقات الخارجية جوسيب بوريل هذا الموضوع على جدول اعمال القمة الاوروبية ودعوته لبحث تعليق الحوار الاوروبي الاسرائيلي. قد لا يتوافق الاتحاد الاوروبي على الإجماع بسبب الية اتخاذ القرار، الا ان التحول في جدول الاعمال من مستوى التصريحات العامة، الى التوجه القائم على فرض العقوبات والمساءلة وفرض الحلول، وهو ما يعد تطورا جديدا يمكن البناء عليه.   

يسعى نتنياهو الى الاستفادة من موقف ترامب الأوّلي من الحرب في اوكرانيا ليشكل فرصة اسرائيلية في سياساتها تجاه الفلسطينيين والاحتلال والضم. تنطلق القراءة الاسرائيلية من أن موقف ترامب هو وقف الحرب في اوكرانيا والتوقف عن تمويلها امريكيا الا إذا كان طرف اوروبي معني بتمويلها. يرى نتنياهو انه اذا كان الاتجاه في الادارة الان هو القبول بإنهاء الحرب “وفقا للواقع على الارض” اي ضم المناطق التي اخضعتها القوات الروسية الى روسيا، فإن ذلك يفتح المجال وفقا له الى المطالبة الاسرائيلية رسميا بضم الضفة الغربية. بناء عليه لن يكون مفاجئا ان تدعم حكومة نتنياهو الموقف الروسي في هذا الصدد، سعيا لتعزيز مطلبها بضم الضفة الغربية وانهاء فكرة دولة فلسطين.

انه النمط السياسي الذي اعتمده ترامب في دورته السابقة في المنطقة العربية، من فكرة مقايضة الحماية الامريكية وبدور اسرائيلي محوري، بالتمويل العربي وحصريا الخليجي، ضد إيران باعتبارها “العدو المشترك”، وبناء عليه كانت فكرة التحالف الإبراهيمي والحلف العسكري الاقليمي وفي محوره اسرائيل وهو التصور الذي لم ينجح فعليا، بل تراجع ولن يجد في المنطقة دولا ترهن مصالحها العليا للسياسات الامريكية.

 

الخلاصة:

*من الخطأ المصيري التعامل مع مسألة الضم كما لو كان واقعا وقدرا، او التقليل من جديته وخطره، بل ان افق منعه لا يزال قائما. ترامب بدوره سيواجه حقيقة أن المنطقة قد تغيرت في السنوات الاربع الماضية، منذ انهاء ولايته السابقة، كما تغيرت طريقة ارتباطاتها بالنظام العالمي الاخذ بالتبلور. كما ان الموقف العربي والاقليمي وفي المقدمة، الايراني والتركي، قد يكون مؤثرا ويؤخذ في حساب الموازين الخاصة بالصراع في الشرق الاوسط. يضاف الى ذلك كله، ان الوعي بارتباط الامن والاستقرار في المنطقة والاقليم، بتحقيق السلام القائم على تمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم وحقهم في الحرية والكرامة والاستقلال.

*من المفروغ منه ان الموقف الامريكي من اسرائيل يتجاوز موقف وقدرة أي رئيس امريكي واي رئيس حكومة اسرائيلي، الا ان الحراك الفلسطيني والعربي والدولي المناصر لقيام دولة فلسطينية قد يكون اللاعب الحاسم الذي لا تستطيع ادارة ترامب تجاوزه.

* يشكل الحراك لإقامة دولة فلسطينية نقطة التقاء للمستوى الرسمي فلسطينيا وعربيا ودوليا وللمستوى الشعبي الموازي والمدني.

لا مكان للتسليم بأن خطة الضم و”خطة الحسم” واقعتين لا محالة، بل ان الارادة الفلسطينية هي شأن حاسم لمنع طمس حقوق شعب فلسطين، ولا زالت م ت ف، الإطار الجامع للفلسطينيين يمكن استنهاضها وتفعيلها، من بوابة الاولويات المباشرة: وقف حرب الابادة وضمان سيادة فلسطينية واحدة وأن مصير غزة والضفة والقدس واحد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.