طوفان الأقصى: معركة وطنية شاملة تتطلب من حماس خطابا وطنيا جامعا

ملخص ورقة سياسات، مركز تقدم للسياسات

مقدمة:
ما زالت آلة الدعاية الإسرائيلية وتأثيراتها الممتدة في أرجاء العالم، تصر على تسمية حرب الإبادة الطويلة والطاحنة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بأنها حرب ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وهي تكرر هذه التسمية يوميا من خلال التركيز على أهداف الحرب الرئيسية وفي مقدمتها هدف القضاء على الحركة التي كان لها الدور الرئيسي في عملية طوفان الأقصى تخطيطا وتنفيذا، ثم مقاومة ومفاوضات. والمشكلة أن كثيرا من الدوائر السياسية والإعلامية العربية تتلقف هذه التسمية، وترددها على أنها حقيقة، وهنا تختلط المقاصد الخبيثة بالبريئة، والمنصفة بالمغرضة، إلى الحد الذي بات فيه بعض من يتبنون موقف المقاومة ويتعاطفون معها ويؤيدون مواقفها، بحسن نية أو بسوء تقدير، ينزلقون إلى تبني هذه التسمية للحرب معتقدين أن فيها إنصافا لحماس ولمشروعها المقاوم.
تحليل:
ساهمت عوامل عدة في دفع حماس إلى تصدر وقيادة هذه المعركة الأكبر في تاريخ الشعب الفلسطيني، من بينها:
– ترهل وعجز البنى التقليدية للحركة الوطنية ممثلة بفصائل منظمة التحرير بقيادة حركة فتح، والقيود التي فرضها اتفاق أوسلو على الفصائل، فحدّت من اضطلاعها بدورها الوطني في مواجهة الاحتلال.
– الظروف الخاصة بقطاع غزة من حصار مستمر وحروب متتالية، وانعدام الأمل أمام أجيال من الشباب الفلسطيني في غزة، وتراجع فرص استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية على اثر فشل اتفاقات المصالحة،
– الخبرات التي راكمتها وطورتها حركة المقاومة خلال السنوات السابقة، فضلا عن الظروف الذاتية الخاصة بحركة حماس والتي دفعت إلى قيادة الحركة جيلا جديدا متمسكا بخيار المقاومة على حساب الخيارات والتسويات الأخرى.
كل ما سلف لا ينفي بل يؤكد أن حرب الإبادة الشاملة والطاحنة هي موجهة ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، وليست ضد حركة بعينها، ولهذه الحرب وجهان متلازمان، وهما الحالة الكارثية والمأساوية التي يتعرض لها أكثر من مليوني فلسطيني من إبادة وقتل وتشريد وتجويع وعطش وأمراض وحرمان من أبسط مقومات الحياة الإنسانية، والوجه الآخر هو الصمود والأداء البطولي للشعب والمقاومة والذي ساهم – إلى جانب انكشاف الفظائع الإسرائيلية- في إحباط أهداف الحرب، واستقطاب موجات التعاطف العارمة على مستوى العالم، وما نجم عن الحرب من اهتزاز مكانة إسرائيل وصورتها أمام العالم وأمام نفسها، وتشديد عزلتها وبدء حقبة جديدة في تاريخها تؤكد أنها لم تعد دولة فوق القانون، بل إن العالم، وأدواته القانونية، يرصد جرائمها ويتابعها ويخضعها للمحاسبة ويلاحق قادتها من مجرمي الحرب.
لا تقتصر أهداف الحرب الإسرائيلية على حركة حماس وفصائل المقاومة، بل تهدف لحسم الصراع بالقوة المسلحة وتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية بما يشمل القضاء على طموح الفلسطينيين في الدولة، حسب اعتراف نتنياهو، ومصادرة أكبر مساحات ممكنة من الأراضي الفلسطينية، وفصل غزة عن الضفة، من دون استثناء خيارات التهجير وعودة الاستيطان إلى غزة، وهي أهداف ليست معلنة رسميا ولكنها حاضرة في الخطاب الإسرائيلي والأداء الفعلي لجيش الاحتلال.
وتتسع اشكال الصمود والأداء البطولي لفئات الشعب الفلسطيني لتشمل المقاتلين الذين يجترحون أشكالا للمقاومة هي أقرب للمعجزات قياسا بالإمكانيات المتاحة والحصار الخانق، وتمتد لتشمل كل العاملين في المجالات الإنسانية من أطباء وممرضين ومسعفين، وفرق الإنقاذ والدفاع المدني والصحفيين، وأعمال الإغاثة وتوفير اللوازم الحيوية للنازحين من غذاء وماء وأماكن إيواء، فضلا عن البطولات الاستثنائية لرجال ونساء وأطفال في الحفاظ على أسرهم وإنسانيتهم والتمسك بإرادة الحياة والبقاء.
حين تصر الدعاية الإسرائيلية على أن حربها هي ضد حركة (حماس) فهي تهدف إلى شيطنة الحركة واستثارة كل الحساسيات الثقافية والسياسية ضد قوى الإسلام السياسي وتبرير حرب الإبادة، مع أنها لا تفرق في عملياتها الحربية بين مقاتلين ومدنيين ولا بين رجال وأطفال ونساء، وتعاقب مليونين وربع المليون فلسطيني.
ساهمت ثقافة الانقسام والحساسيات الفلسطينية، في ارتكاب أخطاء دعاوية وإعلامية في بداية الحرب كالقول ان الأنفاق هي للمقاتلين وأن مسؤولية حماية المدنيين هي من اختصاص الأمم المتحدة، والتقليل من أهمية الخسائر في صفوف المدنيين والقول أن الخسائر محدودة في صفوف المقاتلين، وغير ذلك من شطحات، والتركيز على الخطاب الحزبي ومصطلحاته وكأن السياق هو سياق تنافس فئوي وفصائلي، وليس حرب إبادة ضد الشعب. كل ذلك يجري على الرغم من التطويرات الملحوظة على خطاب حماس سواء في وثيقة طوفان الأقصى، أو في ردودها المتتالية على الصيغ المقترحة لصفقة التبادل وأدائها في المفاوضات غير المباشرة.
لقد باتت حماس، موضوعيا وعمليا في موقع قيادة مرحلة دقيقة وحساسة في نضال الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، دورها الفعلي في المقاومة كما في التفاوض، تجاوز كل الأطر والقوالب والتشكيلات الرسمية، وقبل أن تنخرط في مؤسسات منظمة الحرير، أو تتهيأ لهذا الدور في تحالفاتها المحلية والدولية وفي خطابها. صحيح أنها أنجزت نقلات نوعية في وثائقها الأخيرة حين عرفت نفسها على أنها جزء من حركة التحرر الوطني الفلسطيني وليست مجرد فرع فلسطيني لحركة الاخوان المسلمين، وتحدثت بإيجابية عن الشرعية الدولية والقانون الدولي، وعن البرنامج الوطني لمنظمة التحرير. لكن ذلك ليس كافيا في ضوء ارتكاب بعض الهفوات من بعض قادة حماس، ومواصلة الحديث عن المعركة على أنها بين إسرائيل وحماس، بما يوحي وكأن الكلام يأتي في سياق سجال فصائلي داخلي وليس عن حرب وطنية كبرى تستهدف الشعب وحقوقه الوطنية، والعدد الأكبر من الضحايا هم من فئات الشعب المختلفة، كما أن فعاليات مساندة المقاومة تقع على عاتق جميع الفئات الشعبية والصديقة وانصار فلسطين على امتداد العالم.
خلاصة وتوصيات:
• لن تتوقف الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين عند حدود العمليات العسكرية، بل ستشمل حلقات سياسية لا تقل خطورة، وبات مطلوبا من حماس العمل على مواءمة خطابها وأدائها السياسي بما ينسجم مع الطبيعة الوطنية الشاملة لهذه المعركة، وفي نفس الوقت فإن الوفاء بهذه المتطلبات ليست مهمة حصرية بحماس والفصائل المقاتلة، بل هي مطلوبة من كل داعمي المقاومة وبرنامجها من فئات الشعب الفلسطيني ومناضليه ومثقفيه ونخبه القادرة على الإسهام في هذه المعركة، ولعل من المفيد تطوير بعض الآليات ووضع بعض الضوابط والمحددات التي تخدم وطنية المعركة وأهميتها الاستراتيجية، ومن بينها:
– التركيز على أن الحرب هي امتداد للمعارك الطويلة للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، وعلى وطنية المعركة وليس على طابعها الحزبي والأيديولوجي.
– مواءمة خطاب المقاومة مع القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان.
– النأي عن محاولات تديين الصراع والتي لا تسهم ابدا في إثارة الشعوب الإسلامية، والتأسيس على النص الصريح الوارد في وثيقة حماس الذي ينفي بشكل قاطع مبدا العداء لليهود كديانة، وتشجيع المجموعات اليهودية والمسيحية واليسارية الناشطة ضد الحرب.
– بناء تحالفات وطنية ودولية عريضة تعارض الحرب وتؤيد الكفاح الفلسطيني، وهنا يبرز بشكل خاص دور الجاليات والأطر الجالوية على الرغم من تأثيرات الانقسام السلبية.
– الاستعانة بخبرات سياسية ومهنية وإعلامية في جميع الساحات لتعزيز خطاب المقاومة ومصداقيته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.