ضرب قنصلية إيران في دمشق: أي مصير لـ “الصبر الاستراتيجي”؟
د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف:
اعتبر متخصصون بالشأن الإيراني أن الغارة التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق تعادل أضعاف الضربة الأميركية بالقرب من مطار بغداد في يناير 2020 والتي أدت إلى مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري. وبغض النظر عن رمزية استهداف “أراض إيرانية” بالعرف الدبلوماسي، لكن الحدث مؤشّر إلى ما يمكن لإسرائيل أن تذهب إليه في ظل ظروف حرب غزّة.
وفق هذا المعطى وجب التوقف عند حيثيات الحدث وردود الفعل عليه والملاحظات التالية:
* قتل جراء الغارة 11 شخصا أبرزهم قائد عمليات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان، محمد رضا زاهدي، وهو الذي كان مشرفا عمل الحرس الثوري في البلدين وعلى ارتباطٍ مباشر ووثيق بـ”حزب الله”. وقتل في الغارة نائبه محمد هادي رحيمي و5 من كبار المستشارين العسكريين الآخرين في الحرس الثوري. ووفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، فإن زاهدي هو “أكبر جنرال يُقتل منذ عملية اغتيال قاسم سليماني.
*لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الغارة لكن صحيفة “نيويورك تايمز” نقلت عن مصادر إسرائيلية أن إسرائيل تقف وراء عملية الاغتيال التي حصلت بعد ساعات من قصف بطائرة مسيرة استهدف مبنى في قاعدة بحرية إسرائيلية في ميناء إيلات، واتهمت تل أبيب طهران بالوقوف وراء القصف. وأوضحت الصحيفة أن المبنى الذي تعرض للقصف في دمشق هو مقر للحرس الثوري وليس مكتبا دبلوماسيا.
*رغم عدم اعتراف إسرائيل بالعملية، لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أبلغ CNN أنه لا يعلق على هذه التقارير، لكن “مخابراتنا تؤكد أن هذه ليست قنصلية وهذه ليست سفارة. هذا مبنى عسكري لقوات القدس متنكرا في زي مبنى مدني في دمشق”.
*. كان لافتا حجم الإدانات العربية ضد الغارة، لا سيما من قبل السعودية والإمارات وقطر والأردن، وكان لافتا أيضا البيان الروسي الذي بعد إدانة “الأعمال العدوانية الإسرائيلية”، شدد (وهنا بيت القصيد) على أن “الهجوم تم تنفيذه في منطقة حضرية مكتظة بالسكان، ما أدى إلى ارتفاع خطر وقوع إصابات جماعية بين السكان المدنيين”. ما لفت المراقبين إلى الجانب الإنساني وليس السياسي في مسألة الإدانة.
*بالمقابل نقل موقع “أكسيوس” الأمريكي ، الإثنين، عن مسؤول أميركي أن واشنطن أبلغت طهران بعدم ضلوعها في الضربة الإسرائيلية وبأنّه لم يكن لديها معلومات عنها. لكن الموقع عاد، الثلاثاء، ونقل عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أن إسرائيل أبلغت واشنطن بالضربة قبل دقائق من تنفيذها.
*تدافعت تحليلات المتخصصين في الشأن الإيراني واعتبرت أن الأمر غير مسبوق. قال باحث في مركز “مجموعة الأزمات الدولية” أن مصطلح “حرب الظل” بين إسرائيل وإيران لم يعد دقيقا. واعتبر أن عدم قيام طهران بالرد سيعتبر ضعفا يستدعي ضربات إسرائيلية جديدة، وأن أي رد إيراني سيقابل برد إسرائيلي أقوى، بمعنى أن المأزق بالاتجاهين.
*كان لافتا أن وزارة الخارجية الإيرانية أبلغت الولايات المتحدة، عبر السفارة السويسرية (راعية المصالح الأميركية) أن على “واشنطن الداعمة لإسرائيل أن تتحمل المسؤولية”، بما عُد فتحا لهذا الملف مع واشنطن وتمهيدا لمفاوضات بشأن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية في المنطقة.
*تولت إسرائيل في الآونة الأخيرة التركيز على استهداف ضباط الحرس الثوري في مواقع متعددة في سوريا وجعل البلد غير آمن لكبار المسؤولين العسكريين. غير أن استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق يعني أنه لم يعد هناك مكان آمن وأن ضرب بعثة دبلوماسية إيرانية هو تجاوز لمحرمات الأمن. يُذكر هنا أن الضابط الإيراني الكبير رضى موسوي الذي استهدفته غارة إسرائيل في 25 ديسمبر الماضي استُهدف بعد ساعات على مغادرته السفارة الإيرانية بساعات، بما يعني أن الممثليات الإيرانية باتت تحت المراقبة الإسرائيلية ومصدرا للتعقب والمعلومات.
**المباني والمنشآت الدبلوماسية بما في ذلك القنصليات ومنزل السفير تحظى بالحصانة الدولية وفق اتفاقات فينا لعام 1961. وهذا جانب ستعمل عليه إيران لدى الهيئات الدولية.
خلاصة:
**لن تعترف إسرائيل رسميا في الوقت الراهن بهذه العملية، ما يجنبها الإدانة المباشرة من قبل مجلس الأمن الذي طلبت طهران انعقاده لمناقشة الأمر. غير أن الغارة بدأت تثير جدلا داخليا في إيران بشأن الخيارات المتاحة.
**رغم ما صدر من توعّد بالانتقام من إيران، ورغم أن التهديد لم يخرج عن سياقات سابقة لم تنتج أي ردّ، غير أن نظام طهران سيكون محرجا سواء ردّ أم لم يرد. وفيما تلوّح طهران بنظرية المرشد علي خامنئي بشأن “الصبر الاستراتيجي” لعدم الانجرار إلى المربع الإسرائيلي، فإن عدم الردّ سيطرح أسئلة داخل إيران كما لدى “محور المقاومة” بشأن موقف الجمهورية الإسلامية بعد استهداف قنصلية تتمته بالسيادة الإيرانية.
**المتوقع أن يصدر عن واشنطن دعوات لتهدئة الموقف ما يساعد على تهدئة طهران وخصوصا بعد حديث الأخيرة عن وجوب تحمل الولايات المتحدة المسؤولية.
**أظهرت دول المنطقة نضجاً من خلال إدانة سريعة لقصف القنصلية الإيرانية في سعيّ للمحافظة على أجواء انفراج في علاقات الخليج وإيران قد تنسحب على بلدان عربية أخرى.