ضربات متزامنة في لبنان والعراق وإيران: قراءة في تداعيات استهداف “وحدة الساحات”
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم:
شهدت الساعات الـ 24 ساعة الماضية تدهورا أمنيا مكثّفا في المنطقة، طال لبنان والعراق وإيران على نحو قد يهدد بتوسيع دائرة صراع غزّة ليشمل جبهات أخرى. وفيما تنشط الاتصالات الدبلوماسية، غير أن استهداف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اسماعيل هنّية، في إيران وقيادي حزب الله، فؤاد شكر، في لبنان واستهداف مقرّات للحشد الشعبي في العراق يمثّل استهدافا مباشرا للنفوذ الأيراني في المنطقة ولاستراتيجية “وحدة الساحات”. فكيف يمكن قراءة هذه الأحداث وما يمكن استشرافه؟
لقراء التطوّرات نرصد مجموعة من المعطيات وخلفياتها:
– في 30 يوليو 2024 نفذت إسرائيل غارة بثلاث صواريخ استهدفت مبنى في قلب الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت بهدف اغتيال القيادي في حزب الله، فؤاد شكر. وأصدر حزب الله بيانا لم يحسم فيه مقتل شكر موضحاً أن الأمر يحتاج إلى تقدم أعمال رفع أنقاض المبنى.
– يُعتبر شكر القيادي العسكري الأول للحزب، ومساعدا عسكريا لزعيمه، وتضعه الولايات المتحدة على لوائح الإرهاب وتتهمه بأنه أحد المسؤولين عن تفجير مقر قوات المارينز في بيروت عام 1983.
– كان مستغربا أن يكون شكر الذي اختفى عن أي ظهور عام منذ الثمانينيات، والذي لم تستطع الولايات المتحدة الوصول إليه رغم رصد 5 ملايين لمن يدلي بمعلومات عنه، هدف الرد على سقوط صاروخ قالت إسرائيل إن مصدره حزب الله على بلدة مجدل شمس في الجولان. فالرجل ليس هدفا ثابتا يمكن اختيار التوقيت لاستهدافه.
– تقول بعض المعطيات إن معلومات توافرت عن تواجد شكر في المبنى المستهدف قادت إلى تنفيذ العملية التي توافقت مع إعلان إسرائيل الانتقام لمجدل شمس. وبالنظر إلى كون شكر مطلوبا من قبل الولايات المتحدة، فإن مصدر المعلومات قد يكون أيضا أميركيا أو أن واشنطن وافقت على ضربة إسرائيلية تستهدف “صيدا ثمينا” تبحث عنه الأجهزة الأميركية.
-“تحييد” شكر ينال من قيادي من الطراز الأول في الحزب وأحد المقربين من زعيمه. ومكان الاستهداف في “الضاحية” هو من الخطوط الحمر التي سبق وضعها من قبل الحزب. غير أن الحزب لم يفعّل هذا الخطّ الأحمر حين اغتالت إسرائيل قيادي حماس، صالح العاروري، في قلب الضاحية في 2 يناير 2024.
– كانت الحكومة اللبنانية قد أعلنت، على لسان وزير الخارجية عبد الله بوحبيب عن تلقيها ضمانات أميركية عن عدم استهداف إسرائيل في ردها على ضربة مجدل شمس العاصمة بيروت والضاحية وأي بنى تحتية لبنانية. وكشف مصادر بيروت أن المستشار الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين هو الذي أجرى الاتصال مع الحكومة اللبنانية ومع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، (كون حادث مجدل شمس استهدف دروزا) من أجل خفض التصعيد.
– تحدثت المنابر القريبة من حزب الله عن ضلوع الولايات المتحدة في عملية قصف الضاحية من خلال “الخديعة” الدبلوماسية التي روّجت لها الحكومة اللبنانية ووزير الخارجية فيها بشأن عدم استهداف الضاحية.
– بالمقابل تستبعد مصادر أمنية أن يكون للاتصالات الدبلوماسية الأميركية دور في “نصب فخّ” الضاحية كون قيادات حزب الله تعمل وفق قواعد أمنية في تحركاتها لا تأخذ بالاعتبار التصريحات والأنشطة الدبلوماسية. لكن المصادر لا تستبعد دورا مخابراتيا أميركيا مباشرا في تنفيذ القصف ودعما لتنفيذ العملية حتى داخل الضاحية.
– في 31 يوليو أعلنت حركة حماس عن اغتيال رئيس المكتب السياسي، اسماعيل هنية، بواسطة صاروخ استهدفه فجرا في مقر إقامته في طهران. وإضافة إلى استهداف إسرائيل قائدا عالي المستوى بحجم هنّية، إلا أن مكان الاستهداف في العاصمة الإيرانية كما استهداف قيادي حزب الله في الضاحية يمثل تحدّيا مباشر ضد إيران.
– قبل ذلك، في 30 يوليو، وفي نفس اليوم الذي استهدفت به الضاحية في لبنان، قتل 4 أشخاص على الأقل في انفجارات وقعت في مقر للحشد الشعبي في منطقة جرف الصخر في محافظة بابل جنوب بغداد. وقال مسؤول أمريكي إن الولايات المتحدة نفذت ضربة في العراق دفاعا عن النفس، وأن الضربة سببها تهديد لقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
– تداولت وسائل الإعلام في الأسابيع الأخيرة خبرا تحدث عن اجتماعات عقدت بين قادة وفصائل “محور المقاومة”، في العاصمة العراقية بغداد، وبحضور قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني، فيما سرت أنباء أخرى عن تنسيق ضربات ضد إسرائيل يجري بين جماعة الحوثي في اليمن والفصائل الموالية لإيران في العراق.
– يعتبر مراقبون أن الضربات التي استهدفت إيران والعراق ولبنان تمثّل توجّها أميركيا إسرائيليا منسقا يستهدف “وحدة الجبهات” التي سبق لإيران أن هددت بها كاستراتيحية ردّ مشترك من كافة الفصائل التابعة لها في المنطقة. وتأتي هذه الضربات متزامنة مع حفل تنصيب مسعود بزشكيان رئيسا منتخبا في إيران على نحو يطرح أسئلة بشأن طبيعة قنوات التواصل التي أعلن عنها بين طهران وواشنطن ومستقبل “الانفتاح” الذي وعد به بزشكيان.
– يعتبر خبراء في الشؤون الإيرانية أن طهران التي تتحكم بمستويات سقوف الحراك العسكري لفصائلها في المنطقة ستقرر مستوى الردّ على استهداف هنية في طهران وشكر في الضاحية ومقرات الحشد في العراق. ويرى هؤلاء أن إدارة هذا الردّ قد تكون متفاوتة وفق نظرية “استقلال الساحات”.
– يرجّح الخبراء قيام طهران بردّ نوعي على اغتيال هنّية على أراضيها لحاجة إيران إلى المحافظة على ثقة “محور المقاومة” بالدور القيادي من دون أن يكون هذا الردّ مباشراً على منوال ما حصل في 13 أبريل 2024.
خلاصة:
**على الرغم من توافق توقيت استهداف قيادي حزب الله، فؤاد شكر، في الضاحية في لبنان مع وعيد إسرائيل بالرد على قصف بلدة مجدل شمس في الجولان، إلا أن مصادر أمنية لا تستبعد أن يكون التوقيت على علاقة بتوفّر معلومات نادرة وفّرت مبررا أميركيا إسرائيلية لاستهدافه.
**يجري ربط استهداف حزب الله في الضاحية باستهداف مقرات الحشد الشعبي في العراق واغتيال اسماعيل هنّية في طهران باعتبارها عمليات تستهدف “وحدة الساحات” التي تعتمدها إيران في المنطقة.
**فيما تنشط التحركات الدبلوماسية لمنع اندلاع حرب شاملة في المنطقة، فإن مسألة الردّ على استهداف شكر وهنّية باتت متعلّقة بشكل الردّ الذي “تسمح” به إيران في مرحلة تسلم الرئيس مسعود بزشكيان منصبه وعلى ضوء مستوى التواصل الجاري مع طهران من قبل واشنطن وباريس خصوصا.
**قد تسرّع التطوّرات الأمنية الأخيرة من إمكانات تنفيذ صفقة لإنهاء الصراع في غزّة تلبية لضغوط أميركية وإقليمية واستيعابا لردود الفعل على ما تعتبره إسرائيل “إنجازا” في استهداف شكر وهنّية.
**بالمقابل قد تعرقل مسألة اغتيال هنّية إمكانات الوصول إلى هذه الصفقة لتعذّر انخراط “حماس” في مفاوضات مع إسرائيل التي اغتالت رئيس مكتبها السياسي.