صورة انتصار وكيٍّ للوعي بينما المعادلات الاستراتيجية على حالها
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
دلالات كثيرة لعملية تفجير اجهزة الاتصال والتي راح ضحيتها عدد من القتلى ونحو اربعة الاف من الاصابات منها اكثر من 400 في حالة الخطر، وذلك في كل من لبنان وسوريا.
– تشكل العملية كيّ وعيٍ موجع لحزب الله وللبنان كدولة، وتسعى اسرائيل لان يكون رادعا لدرجة تغير ميزان الردع القائم، وان يزرع الشك والتشكيك في داخل صفوف الحزب ويدق الاسافين بينه وبين معظم اللبنانيين.
– تذكّر العملية المتزامنة على بقعة جغرافية واسعة في العاصمة اللبنانية وضاحيتها وفي سوريا، بعملية في استهداف اجهزة الطرد المركزي في المفاعلات الايرانية لتخصيب اليورانيوم، بحيث تم الوصول الى أحد مصانع الشرائح ذات الصلة بالأجهزة وزرعت فيها اجهزة التخريب خارج ايران ثم تم تفعيلها بعد ان تم تركيبها في المفاعل الايراني.
– الفرضية الاسرائيلية هي ان الحرب مع حزب الله واقعة ولا بد منها، وذلك لتغيير الواقع الامني والسكاني الاسرائيلي في الشمال، وقد تقع خلال اسابيع او أشهر وقد يجري استعجالها في حال كانت التقديرات بانها حرب طويلة الامد، وذلك كي لا تدخل فصل الامطار في الشتاء مما يعقد الاجتياح البري المخطط له في حال تم اعتماده.
تشكل العملية “صورة انتصار” اسرائيلي كبير الاثر وحصريا لدى رئيس وزرائها نتنياهو. والى حين اتضاح الصورة بالإمكان الاشارة الى الدلالات التالية:
• اعتمدت اسرائيل مبدأ تدفيع الثمن لحزب الله ولمجمل الدولة والشعب في لبنان، وذلك بتأكيد نمط فعل حربي مفاده انها لن تفرق في حربها بين عناصر حزب الله ومعظم الشعب اللبناني بل تستهدف الجميع.
• في مواقف نسبت الى مستشارين كبار لنتنياهو فلن يكون من المستبعد قيام اسرائيل بالمبادرة الى ضربة استباقية مكثفة لحزب الله وللبنان تكون رادعة لأية ردة فعل متوقعة، وفعليا في مسعى لتغيير جوهري في قواعد اللعبة ومعادلات الردع. كما ان رسالة التهدئة من الجبهة الداخلية قد تكون مضللة في سياق الواقع الاكثر توترا وتصعيدا.
• داخليا وسياسيا في اسرائيل فإن التفجيرات قد خلقت نوعا من الاجماع القومي حول حكومة نتنياهو في خطوتها هذه، كما غيّبت الصراعات في الحكومة وحصريا بين وزير الحرب ورئيس الحكومة.
• يبدو ان اسرائيل توصلت الى التقدير بأن قدرتها على تحقيق انتصار استراتيجي والتفوق بالأدوات التقليدية باتت محدودة للغاية، بل لجأت الى نمط مصغر من اسلحة الدمار الشامل او الاستهداف الجماعي للبنان. وقد تشكل هذه العملية بديلا آنيا لحرب دمار شامل لا تملك اسرائيل القدرة على ضمان نتائجها.
• بعد مرحلة النشوة والاحتفالية العامة من الحكومة والمعارضة على السواء، بدأت تتسع حلقة التشكيك في العملية، وهل هي ذات أثر استراتيجي يتجلى في معادلات الردع، وهل تقترب الامور من الحرب وهل هي عمل عسكري يدفع نحو حرب غير ضرورية ام حرب لا بد منها.
وفقا للمحلل الاستراتيجي في هارتس تسفي بارئيل فإن “اسرائيل تندفع بتسارع وبعينين مفتوحتين نحو حرب اختيارية في لبنان، في لحظة ليس معروفا فيها من سيكون وزير الامن الذي سيقود الحرب، وفي حين ان مدى جهوزية الجيش غير واضح، وحيث ان الغطاء الدولي محدود جدا وكما لم يكن يوما، بينما الجبهة الداخلية محطمة”.
يشير بروفيسور اماتسيا برعام الخبير في شأن حزب الله، الى انه إذا كان المسعى الاسرائيلي هو هجومي كاسح فليكن” الا ان تفجير المئات من اجهزة الاتصال او حتى الألف منها، واصابة الاف العناصر، فكل ذلك قد يكون بداية لعملية هجومية” ويضيف بأنه إذا لم تكن عملية هجومية تصعيدية مباشرة وشاملا تتبع التفجيرات “فلماذا أهدرنا الفرصة المواتية لنا؟”.
في المقابل تؤكد مصادر اسرائيلية نقلا عن مصادر عربية ودولية بأن موقف الادارة الامريكية كان حازما بالنسبة لإسرائيل بصدد حرب شاملة مع حزب الله، وذلك نظرا للأثمان التي قد لا تستطيع اسرائيل تحملها وثانيا نظرا للقوة العسكرية لحزب الله واحتمال قوي لان تتحول الى حرب اقليمية متعددة الجبهات، وثالثا نظرا لان مفتاح الحل والتهدئة هو في ابرام الصفقة ووقف الحرب على غزة وليس في عمل في لبنان.
• لا يزال نتنياهو مترددا بشأن الحرب الشاملة على الجبهة الشمالية، بخلاف موقف غالنت والجيش مدعومين من غالبية المعارضة وحصريا غانتس. كما ان العملية وفقا لتقديرات اسرائيلية قد تشكل بديلا معنويا وسياسيا للحرب الشاملة اي ما هو أقرب الى عقيدة “المعركة بين الحربين”، خاصة وأن تفجير اجهزة الاتصال تشكل رافعة سياسية لنتنياهو لتعزيز حكمه، بينما الحرب الشاملة قد تدفع لنهاية حكمه اسرع مما ينوي. في المقابل تشكل العملية انجازا لكل من وزير الحرب غالنت، ولرئيس الاركان ولقادة الاجهزة الامنية وحصريا الموساد.
• عشية عملية التفجيرات كانت اسرائيل منشغلة بشكل كبير في تداعيات الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون من اليمن نحو مركز البلاد ووصل الى بعد 5 كم من مطار اللد (بن غوريون)، ومشغولة حصريا بالثغرة الكبيرة في المضادات الجوية وعدم القدرة على رصد الصاروخ قبل ان يصل هدفه. كما ربطت التحليلات بين الصاروخ من اليمن وبين المسيّرة قبل فترة وجيزة والتي استهدفت تل ابيب، ولم ترصدها الدفاعات الجوية متعددة الطبقات. كما سبق ذلك عملية مسيرة الهدهد التي قامت بالتحليق فترات طويلة فوق المناطق الحساسة اسرائيليا وتصويرها دون ان يتم اكتشافها. كل ذلك يشير الى التغييرات الجوهرية في شكل الحرب في عصر المسيرات والذكاء الاصطناعي والحرب السيبريانية والاختراقات الامنية.
في الخلاصة:
• الرسائل الاسرائيلية موجهة الى ثلاثة عناوين رئيسية وهي حزب الله ولبنان دولة وشعبا والى ايران، بأن الاطراف جميعها مستهدفة من اسرائيل في حال اندلاع حرب شاملة
• لا مؤشرات بان الواقع الاستراتيجي قد تغير، ولا يزال ميزان الردع والرعب قائما بأدوات اخرى وبمعايير تصاعدية. ولا تزال اسرائيل غير قادرة على حسم المعركة ولا يبدو خيار الحرب الشاملة مع حزب الله او اقليما واعداً، بل سيعيد الامور الى المفاوضات والحل الدبلوماسي والتفاهمات.
• التصعيد الاسرائيلي على الجبهة الشمالية مع لبنان ستكون نتيجته تغييب قضية غزة التي تتعرض لحرب إبادة، ومن خلالها تغييب قضية فلسطين.
• التخوفات العربية والفلسطينية من حرب شاملة على لبنان هي تخوفات حقيقية تجاه تهديدات إسرائيلية الى الامن القومي العربي برمته.
• لا ينبغي استبعاد احتمال ان ينصاع نتنياهو لضغوطات الجيش بشأن المرحلة الأولى من الصفقة في غزة ونقل الاولوية العسكرية منها ومن الضفة الى الجبهة الشمالية مع لبنان
• لا تزال امكانية حرب شاملة غير مضمونة الاطار ولا النتيجة ولا التداعيات مسألة مربكة لإسرائيل وهي ليست الخيار الاول لاي من الاطراف، بينما تسعى اسرائيل كما يبدو الى تصعيد عسكري اضافي نوعي وسريع دون بلوغ سقف الحرب الشاملة.
• داخليا في إسرائيل، قد تدفع الامور الى حكومة وحدة قومية موسعة.