صفقة تبادل وهدنة لأسبوعين: نحو تغيير وتيرة الحرب

وحدة الشؤون الإسرائيلية ، مركز تقدم للسياسات

وفقا لموقع واينت الاسرائيلي ونقلا عن واشنطن بوست، فإن كابينيت الحرب يدرس امكانية تمديد الهدنة التالية التي ستعرضها على حماس من خلال الوسطاء والمرافقة لصفقة تبادل قادمة، لمدة اسبوعين، وذلك لاتاحة المجال امام حماس لتجميع الرهائن المحتجزين في غزة في مكان آمن. و”من المحتمل ان تلتزم اسرائيل بعملية انسحاب لقواتها (دون تحديد المدى) في اعقاب عملية وقف القتال هذه، على ان تواصل ادارة عمليات عينية مركزة اكثر وحصريا في شمال قطاع غزة”.
مثل هذا التحول يأتي ايضا ضمن الضغوطات الداخلية ففي رده على سؤال احد الصحفيين في مؤتمره الصحفي اليومي بتاريخ 19/12 اكد الناطق باسم الجيش بأنه كان من الخطأ ابقاء كتيبة المظليين في غزة طوال 75 يوما منذ بداية الحرب دون اي تبديل من اجل الاستراحة من القتال، مؤكدا ان الجيش يقوم بتصحيح الخطأ وفقا لموقع سروجيم. وفي ذلك اشارة الى تراكم المواقف التي تعبر عن القلق من حجم الخسائر البشرية للجيش والتي ارتفعت في الاسبوعين الاخيرين في اعقاب معركة الشجاعية والتي فقد فيها الجيش قائد الكتيبة وضباط كبار. لتبدأ ضغوطات من داخل الجيش وخارجه تطالب بتسريح جزء كبير من جنود الاحتياط.
تأتي المطالبة الواسعة بتسريح جنود الاحتياط ايضا نتيجة الحاجة الماسة للاقتصاد الاسرائيلي وللاضرار اللاحقة بالمصالح الاقتصادية التابعة لجنود الاحتياط انفسهم. لتشكل حالة ضاغطة لا تتماشى مع ما يصرح به وزير الامن غالنت بصدد توسيع الحرب وتعميقها في غزة بذات الوتيرة، وليشكل الضغط الاقتصادي اضافة الى تفاقم ازمة السكان النازحين من المناطق الحدودية والبالغ عددهم نحو مائتي ألفا، والضغوطات نحو عودتهم الى بلداتهم الحدودية ايضا دفعا لتقليص نطاق الحرب وقوتها.
وفقا لتقديرات امريكية عبر عنها ديفيد اغناتيوس في واشنطن بوست (20/12) فإن إطالة أمد الحرب يتطلب بالضرورة تغيير مسارها والتحول من حرب دمار شامل من طرف واحد الى إبقاء التواجد العسكري الاسرائيلي الذي بات احتلالا واللجوء الى عمليات محددة واستهداف قادة حماس والجهاد وفقا للتقديرات، كما تأتي هذه التقديرات تعبيرا عن تراجع الدعم الدولي للحرب الاسرائيلية على غزة والذي بدأ يلحق الضرر سياسيا بإدارة بادين وللأمن القومي الامريكي كما تفهمه الادارة الامريكية، وذلك لدرجة التململ داخل اصدقاء اسرائيل في الكونغرس وحتى من الحزب الجمهوري وابرزهم ليندزي غراهم صاحب الباع الطويلة في مساعي التطبيع بين السعودية واسرائيل والذي يرى ان اسرائيل تفوّت الفرصة.
ويربط اغناتيوس التحول المتوقع في مجريات الحرب بما يسمى “اليوم التالي”، ويؤكد بأنه بخلاف اللهجة الخطابية التصعيدية يبدو أن مسؤولين اسرائيليين في اشارة الى غانتس وايزنكوت وقيادات أمنية يتفقون مع إدارة بايدن على الأساسيات: على سبيل المثال، في غزة ما بعد الحرب، لن تكون «حماس» قادرة على فرض سياستها. وسيتولى فلسطينيون آخرون، ربما من داخل السلطة الفلسطينية المجددة ، المسؤولية عن الحكم. مع قوة حفظ سلام مدعومة من الدول العربية المعتدلة. يسمي إغناتيوس الكيان الذي سيتم إنشاؤه “سلطة إعادة إعمار غزة”.
تتطلّب إعادة تحديد الاهداف بهذا الشكل والتراجع عن خطابات “الابادة والقضاء على حماس” تغييرا ملموسا في اسلوب الحرب وطبيعتها واهدافها الميدانية، وكذلك اعطاء الاولوية أكثر لمسألة الاسرى والمحتجزين الامر الذي يتطلب تنفيذه هدنة طويلة نسبيا، لتشكّل ممرّاً للتحول نحو الوتيرة “المخففة”، الامر الذي يتماشى مع طموح نتنياهو في القاء المسؤولية عن اخفاق السابع من تشرين اول على الجيش والجهات الامنية.
يُلاحظ اتساع في دائرة الاوساط الاسرائيلية وبالذات الامنية السابقة التي تقول ، بأن مسعى نتنياهو لاطالة امد حكومته بات يمر من خلال التصعيد الحربي الذي تردد سابقا بشأنه. وفي مواجهة ذلك بدأت تعلو اصوات من قيادات المعارضة ممثلة بزعيمي المعارضة لبيد وليبرمان، ودعوتهما لاجراء انتخابات للكنيست في الاشهر القريبة وخلال الحرب لاول مرة.
اشرطة الفيديو القصيرة التي حررها كل من حماس والجهاد الاسلامي في الايام الماضية والتي يظهر فيها محتجزون اسرائيليون قد تكون مؤشرا لرغبة التنظيمين في عقد صفقة تبادل، وهكذا سيتم استيعاب الامر اسرائيليا أضافة الى البعد التحريكي في بث الشريطين للراي العام الاسرائيلي.
الخلاصة:
– تتداخل الازمة الاسرائيلية السياسية مع الاخفاق العسكري ومع الاخفاق في تحقيق اهداف الحرب وفي الصراعات حول اولوية اعادة الاسرى والمحتجزين، مع الاثمان الهائلة للحرب والاضرار الاقتصادية التي لا يمكن تقديرها بشكل دقيق ولا تقدير اسقاطاتها على الاقتصاد والمجتمع في الاعوام القادمة، كل ذلك يضاف اليه الضغوطات الهادفة الى تسريح اعداد كبيرة من جنود الاحتياط، لتشكل جميعها قوى ضاغطة نحو تغيير وتيرة الحرب، وفي تناقض مباشر مع رغبة اطراف الائتلاف الحاكم بالبقاء في السلطة والابقاء على تماسكهم.
– اعتراف نتنياهو المتكرر بعدم النجاح في تحرير المحتجزين من خلال عمليات استخباراتية عسكرية يدعم المطلب بضرورة السعي الى التفاوض حول هدنة.
– من المستبعد تماما قبول اسرائيل في هذه المرحلة وقفا دائما لاطلاق النار، بل الامكانية متاحة لهدنة مؤقتة بشروط تختلف عن الهدن السابقة والانتقال بعدها الى مرحلة جديدة من الحرب. مع التأكيد بأن اسرائيل ليست في وضع تملك فيه القدرة على فرض شروطها ولا تصورها لليوم التالي للحرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.