شكوك حول جدية التحالف الدولي في محاربة الإرهاب وداعش يعتمد استراتيجية حرب العصابات

أسعد كنجو

جاء الهجوم الأخير لتنظيم داعش في دير الزور وما خلفه من عدد قتلى مرتفع في صفوف حلفاء الولايات المتحدة، ليطرح التساؤلات مجددا عن المشهد الملتبس في تلك المنطقة، وعن الأسباب التي لازالت تؤخر إنهاء التنظيم في سوريا. فقد شن التحالف الدولي والنظام وحلفائه عمليات قاسية ، أفقدت التنظيم أكثر من ٩٨ بالمئة من الجغرافيا التي كان يسيطر عليها، وشردت معظم عناصره وأجبرتهم على الفرار باتجاهات مختلفة. واليوم ينحصر التنظيم في ثلاثة جيوب رئيسية غير مترابطة جغرافيا هي بادية حمص، وبادية السويداء، وجيب في دير الزور مؤلف من عدة قرى على الضفاف الشرقية لنهر الفرات، ويعتبر الجيب الأخير هو المنطقة المأهولة الوحيدة التي لازال يسيطر عليها التنظيم، والتي شن منها عمليته الأخيرة على قوات سوريا الديمقراطية، في محاولة لفك الخناق عن قواته.

رقصة الموت:

في أعنف هجوم ينفذه تنظيم الدولة الإسلامية منذ انهياره، شن أكثر من ٣٠٠ من عناصر داعش بينهم نساء، هجوما على قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف في دير الزور، الهجوم جاء انطلاقا من الجيب الأخير للتنظيم في المحافظة، في محاولة لفك الطوق الذي تضربه قوات التحالف على التنظيم في آخر منطقة مأهولة يسيطر عليها في سوريا عامة، آخر جيب له على الضفاف الشرقية لنهر الفرات. حيث قام التنظيم مطلع الأسبوع الفائت بدفع امرأة من المبايعات له إلى نقاط تماسه مع قوات سوريا الديمقراطية، ومثلت طلبها للمساعدة واستنجدت بقوات سوريا الديمقراطية، وما أن ظهر عناصر الأخيرة وكشفوا مواقعهم حتى باشر التنظيم هجومه مستهدفا تلك القوات، وفوجئت قوات سوريا الديمقراطية بعشرات العربات المدرعة تخرج من” باطن الأرض“، فيما تبين أنها أنفاق قام التنظيم بحفرها بهدف إبعاد عرباته عن عيون طائرات التحالف الدولي. أفضت العملية لسيطرة التنظيم على عدة قرى وبلدات وسعت مناطق نفوذه حتى وصلت الحدود السورية العراقية، بالإضافة لإجبارها قوات التحالف على الانسحاب من النقاط القريبة من خط المواجهة باتجاه قاعدة حقل العمر النفطي. في ذلك الوقت عزز الجيش العراقي تواجده على الطرف االاخر من الحدود بغرض منع التنظيم من العبور، وأدت العملية لمقتل المئات من عناصر قوات سوريا الديمقراطية معظمهم من المقاتلين العرب، بالإضافة لتمكن التنظيم من أسر عشرات العناصر، لاسيما مع غياب كامل لطائرات التحالف الدولي وتغطيته المدفعية، وهو ما بررته قوات التحالف بأن السبب يعود إلى العاصفة الرملية التي ضربت المنطقة، والتي عطلت قدرة الطائرات على مساندة القوات البرية.

قرار الحسم:

الهجوم الأخير أحدث هزة في أوساط قوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية، وأسئلة حول جدوى الانتظار والتلكؤ في إطلاق عملية إنهاء التنظيم في مناطق شرق الفرات. فالمعطيات الميدانية تذكر أن قوات سوريا الديمقراطية كانت تتجنب أي عملية عسكرية، كونها ستتكبد خسائر بشرية كبيرة قياسا بالمعارك السابقة، فالمصادر الميدانية تشير لتواجد أكثر من ٤٠٠٠ مقاتل من تنظيم داعش في هذا الجيب المحاصر بينهم نحو ٨٠ من قيادات الصف الأول في التنظيم، معظهم ممن يعرفون ب “الحازميون” ، وهم غلاة التنظيم الذين يرفضون أي صفقات استسلام. ولهذا تدرك كافة الأطراف أن أي معركة كبرى ستشكل عبئا ثقيلا وستكون ذات كلفة باهظة، وهو ما كان يتم العمل على تجنبه عبر عدة معارك صغيرة ومناوشات وقصف من قبل التحالف الدولي، لكي يجبر عناصر التنظيم على الفرار وعبور نهر الفرات باتجاه الضفة الغربية، وبالتالي الاصطدام مع قوات النظام أو العبور عبر الصحاري إلى مناطق سيطرة التنظيم في البادية السورية خلف خطوط النظام، وهو هدف يبدو أنه يلقى قبولا لدى التحالف الدولي، أو أقله لا يمانع حصوله، فتواجد التنظيم في تلك المناطق سيضعه في مواجهة مع قوات النظام والإيرانيين، ويعيق الطريق الذي فتحته إيران بين طهران وبيروت، إلا أن هذا الحال لم يعد ممكنا، خصوصا بعد تنبه الايرانيين للسياسة التي كانت تتبعها قوات التحالف، فقامت طهران بتعزيز تواجدها وتواجد الفصائل الموالية لها في تلك المنطقة، واستقدمت معدات خاصة للتصدي لأي عمليات تسلل لعناصر التنظيم، وهو ما أدى لإحكام الخناق على التنظيم بحيث لم يعد له أي ممر للتسلل أو الهروب، وكان ذلك أحد أهم الأسباب التي دفعت بالتنظيم لشن هجومه الأخير بهدف فك الطوق الذي بات يخنقه في تلك المنطقة.

المشهد في دير الزور

بعد توقف هجوم تنظيم داعش، بدأت قوات التحالف الدولي بشكل مباشر الإعداد لعملية تهدف لإنهاء تواجد  التنظيم في دير الزور، وابعاد خطره عنها وعن قوات حلفائها، وتظهر المؤشرات أن العملية التي ستكون بمثابة آخر المعارك لإنهاء تواجد التنظيم في المحافظة، وفي آخر منطقة مأهولة يسيطر عليها داخل الأراضي السورية، إذ يقطنها نحو ٢٠٠٠ مدني بين من تبقى من سكان المنطقة ومن عوائل التنظيم، بالإضافة لعائلات عراقية سنية ممن فروا خوفا من عمليات انتقام الحشد الشعبي بعد معركة الموصل، ومن المتوقع انطلاق المعركة خلال الأيام القليلة القادمة، وذلك بعد أن قامت قوات التحالف الدولي بعملية إعادة هيكلة قوات سوريا الديمقراطية المنتشرة في المنطقة، حيث تم استبعاد العناصر والقيادات العربية بشكل شبه كامل، ويأتي هذا بعد حالات الفرار والامتناع عن القتال التي شهدتها صفوف المكون العربي داخل قوات سوريا الديمقراطية، وتعزى حالات الفرار و ”التخاذل“ تلك نتيجة استياء عام يسود المكون العربي داخل القوات الحليفة للتحالف الدولي، فالمصادر المحلية تشير لحالة تمييز واضحة من قبل الأكراد بحق رفاق السلاح العرب، حيث تقوم القيادات الكردية بالدفع بالعناصر العرب إلى الجبهات مع داعش، ويتولى الكرد عمليات الإشراف والتوجيه وادارة المعارك عن بعد، وتحصر بأيديهم عمليات التنسيق والتواصل مع التحالف الدولي وارسال الاحداثيات للطائرات. وما يؤكد تلك المعلومات أن في العملية الأخيرة لداعش ،كان جل القتلى في صفوف قوات سوريا الديمقراطية من العرب، كما أن الأسرى الذين استطاع التنظيم اختطافهم كانوا عربا بالمجمل، كما أن الطرف العربي لم يسلم من الحلفاء، فالمعلومات تشير لتخلي التحالف الدولي عن دعم القوات العربية في قسد خلال الحملة الأخيرة، بل على العكس قامت قوات التحالف لاحقا باعتقال عدد من قادة الفصائل العرب، بتهمة التواطؤ مع داعش والفرار من قتالهم. وعليه تشير المعلومات أن العملية ستكون بقيادة أكراد غير سوريين معظمهم من جبال قنديل.

السيناريو المتوقع:

من المؤكد أن المعركة ستكون شرسة بكل المقاييس للأسباب التي ذكرت أعلاه، وحجم الخزان البشري للتنظيم، سيما وأنه سيقاتل بشراسة أكبر في ظل انحسار الخيارات ، بين الاستسلام أو الدفاع عن الوجود، عدا عن أن التنظيم أقام بنية تحتية من أنفاق وتحصينات ستجعل من عملية استهدافه أمرا في غاية الصعوبة، خصوصا مع الخبرات التي اكتسبها في معاركه السابقة.  بالإضافة لأن المنطقة تحوي أبرز القادة العسكريين في التنظيم، كل ذلك يأتي بالاضافة لأن التنظيم يمتلك مئات من أسرى قوات سوريا الديمقراطية وقوات النخبة العربية  الذين أسرهم في معارك سابقة من مناطق مختلفة قبل أن ينحسر وجوده، وقد يشكلون ورقة ضغط مهمة على التحالف الدولي وحلفائه في أي مفاوضات قادمة . ويتوقع أن تنطلق المعركة بسياسة الأرض المحروقة لتجنب وقوع خسائر في صفوف القوات الحليفة، ويشير الضباط الامريكيون في المنطقة الى أن الطائرات ستقوم  بعمليات قصف تمهيدي قبل التقدم برا، كما حصل في معارك مشابهة خلال استعادة الرقة ومناطق أخرى، ويتوقع أن يتكرر ذات السيناريو، أي أن يتم حصر التنظيم في بقعة جغرافية صغيرة جدا، والدخول بمفاوضات معه (سرية أو علنية)، من غير المعلوم إلا ما ستفضي سيما وأن التنظيم لم يعد يملك رفاهية الخيار بعد انحسار تواجده إلى البادية السورية فقط، عدا عن أن التحالف الدولي أصدر أوامر سرية لقوات سوريا الديمقراطية، بتجنب أسر أي مقاتل مهما كانت جنسيته، والعمل على قتلهم جميعا.

ماذا بعد:

أيا كان شكل الصفقة أو نهاية المعركة المرتقبة، إلا أن المؤكد أنها لن تشكل ضربة قاصمة للتنظيم سيما بعد أن بدل استراتيجيته منذ الانهيار الأخير، وخسارة المنطقة الجغرافية لم يعد موضوعا مهما للتنظيم طالما هو قادر على التحرك بشكل منفرد وتنفيذ ضربات وعمليات مباغتة. فالمصادر الميدانية تؤكد أن الخلايا النائمة للتنظيم وصلت إلى مناطق لم تصلها من قبل حتى في أوج قوة التنظيم، كما حصل خلال هجومه الأخير على ريف محافظة السويداء، وعليه فإن العملية المرتقبة لن تعني أكثر من ترسيخ الاستراتيجية الجديدة لداعش في التخفف من عبء الدفاع عن مناطق تواجده، وتركيز جهوده في استراتيجية حرب العصابات ، القادرة على اثارة الفوضى والرعب في أغلب مناطق سوريا والعراق.