سموتريتش وخارطة “اسرائيل الكبرى”.. الخطر الذي يتجاوز الحدود
تقدير موقف. مركز تقدم للسياسات
دانت الخارجية الاردنية يوم الاثنين 20 آذار/مارس قيام وزير المالية والوزير في وزارة الأمن الإسرائيلية وعضو “الكابينت” الأمني بتسلئيل سموتريتش بعرض خارطة “أرض إسرائيل الكبرى” والتي تشمل كل فلسطين التاريخية وشرق الأردن.
كان ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها في باريس يوم الأحد 19 الجاري والتي أنكر فيها وجود شعب فلسطيني واعتبره “بدعة تمّ اختراعها قبل مئة عام لمحاربة المشروع الصهيوني في أرض إسرائيل”.
المسؤول الأردني أعاد التأكيد على أن “الوزارة ستتخذ جميع الإجراءات السياسية والقانونية الضرورية للتصدي لمثل هذه التصرفات والتصريحات الحاقدة المتطرفة، وما تمثله من تصعيد خطير يهدد الأمن والاستقرار ويدفع باتجاه التصعيد”.
تحليل:
يندرج عرض الخارطة المذكورة التي اعتمدها الوزير الإسرائيلي كما تصريحاته في إنكار وجود الشعب الفلسطيني في صلب عقيدته السياسية والدينية تماما.
يرى سموتريتش وتيار الصهيونية الدينية الذي يمثله بأن مرجعيته ليست القانون الاسرائيلي ولا الاتفاقات الدولية الموقعة عليها اسرائيل بما فيها الاتفاقيات مع الدول العربية المجاورة والتي تشمل اتفاقية وادي عربة 1994 والتي تمت المصادقة عليها وباتت بوضعية قانون دولة، وإنما الفتاوى الشرعية اليهودية من غلاة عقيدة أرض اسرائيل الكبرى..
لا يكترث سموتريتش حتى لقرارات الحكومة الاسرائيلية والتي تعتبر اتفاقية وادي عربة بمثابة انجاز استراتيجي، بل يسعى الى اعادة العجلة الى الوراء.
يأتي اهتمام الصهيونية الدينية بالانقلاب القضائي لتغيير البنية الدستورية لإسرائيل بمثابة مسعى لتحرير يدها في طريقها الذي يطمح برئاسة الحكومة مستقبلا، من كل الاتفاقات والقرارات الاستراتيجية الاسرائيلية التي تتعارض مع عقيدتها، سواء اتفاقية وادي عربة أم قانون فك الارتباط الانسحاب أحادي الجانب من غزة والذي شمل الانسحاب من مستوطنات شمال الضفة الغربية، والتي أقر الكنيست في يوم انعقاد اجتماع شرم الشيخ الخماسي وبعد ساعات من انتهائه والتزام اسرائيل بعد اتخاذ اية اجراءات احادية الجانب.
من اللافت أن الصهيونية الدينية التي ارادت التحكم بالإدارة المدنية وشرعنة البؤر الاستيطانية والمس باتفاقية وادي عربة و إعادة استيطان مستوطنات شمال الضفة الغربية، تندرج كلها بشكل متناسق ضمن خط استراتيجي غاية في الخطورة ، تحدده عقيدة متماسكة ومرجعيات دينية مثل الراب غينسبورغ ، الأب الروحي لميليشيا ” فتية التلال” الاستيطانية وصاحب رؤية “هدم بنية الدولة وإقامة دولة شريعة”، والراب دوف ليئور الذي جاء من صفوف التنظيم الإرهابي اليهودي في بداية الثمانينات والذي خطط لنسف المسجد الاقصى وارتكاب المجازر وتصفية رؤساء البلديات في الضفة.
تأتي هذه التصريحات كما الدعوات لإبادة حواره ودعم حارقيها لتؤكد أن الازمة الاسرائيلية الأعمق في تاريخها، وفي حال انتصر موقف حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير ومشروعها الكبير الداعي الى الضم والطرد والتطهير العرقي، فإن ذلك يشكل خطرا استراتيجيا مباشرا سواء على الفلسطينيين أو على الأردن كدولة .
رغم تخلف اجتماع العقبة وما تلاه في شرم الشيخ عن التجاوب مع أي أمل للفلسطينيين في الحرية ووقف إرهاب الدولة المنظم، ورغم قراراتها التي تقيد الفلسطينيين ولا تقيد الاحتلال المهيمن، الا ان الصهيونية الدينية ترى في هذا الاجتماع عائقا أمام تنفيذ مشروعها التوراتي وتجاهر برؤيتها للضم والتطهير العرقي، وتكرار محرقة حوارة.
خلاصة:
تصريحات سموتتريتش هي بمثابة إعلان نوايا حقيقي، ولا يندرج في إطار العمل الاستفزازي السياسي اللحظي، بل تكمن خطورتها في كونها عقيدة متماسكة وهناك مسعى ضمن التيار الحاكم لتحويلها الى حقيقة على الارض، والى حين ذلك، هدم البنية القانونية الإجرائية التي تحدّ من خطواته.
أن تردد نتنياهو في مواجهة سموتريتش وإقالته بسبب تصريحاته وخارطته لأرض إسرائيل الكبرى والتي تضم الأردن ، انما تدل على أنه شريك الصهيونية الدينية، ناهيك عن ان نتنياهو في السنوات الاخيرة من حكومته السابقة أهمل علاقته بالنظام الاردني واستضعفه، وكذا في استفزاز الاردن المستمر في انتهاك حرمات الأماكن الإسلامية المقدسة والتي تخضع للوصاية والرعاية الأردنية.
لا تستطيع السلطة الفلسطينية ولا منظمة التحرير ولا النظام الاردني النظر إلى التحولات الاسرائيلية الداخلية بعدم اكتراث، بل أن مخططات حكومة نتنياهو هي خطر وجودي على فلسطين والأردن على السواء. ولا بديل عن طاقات الشعب الفلسطيني الحرّة والمنظمة لمواجهته.
المطلوب فلسطينيا وعربياً وحصريا مصر والأردن إعادة قراءة التحولات في اسرائيل قراءة عميقة في ضوء التحولات الجارية، وبلورة استراتيجية فلسطينية وعربية ودولية لمحاصرة اسرائيل بما فيه اعادة النظر في المشاركة في الاجتماع الخماسي واللجان المنبثقة عنه والانطلاق من ان قضية فلسطين ليست أمنيّة وإنما تحرر وطني في ظل واقع احتلال استعماري استيطاني إحلالي لم يكتمل بعد من وجهة نظر نخب هذا المشروع. كل هذا ليس قضاءً وقدراً، بل ايضا صراع إرادات.