زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت: التوقيت، الظروف، والرسائل

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات

ورقة سياسات:

تقديم: أثارت زيارة وزير خارجية الإيراني إلى بيروت (ثم إلى دمشق) وما أدلى به منمواقف لافتة، أسئلة بشأن المقاربات الإيرانية التي تلجأ إليها في المنطقة عامة، وفي لبنانخاصة، بعد اغتيال أمين عام حزب الله وتعرّض الحزب لضربات موجعة قد تشي بتراجعقوته ونفوذه وبالتالي قدرته على تنفيذ أجندات إيران في لبنان. يطرح الحدث أسئلة بشأنالمظلة الأمنية التي وفرت وصولا أمنا للوزير لوجهاته، ومقاصد هذه الزيارة وعجالتها عشيّةردّ عسكري إسرائيلي تخطط له إسرائيل ضد إيران.

توقيت الزيارة:

قام وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقحي، في 4 اكتوبر 2024، بزيارة إلى بيروتالتقى فيها عددا من المسؤولين اللبنانيين، في مقدمتهم رئيس حكومة تصريف الأعمال،نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري. وأتت هذه الزيارة في ظل هجوم إسرائيليكثيف جوي وبرى وبحري ضد لبنان ارتفعت شدًته إثر مصادقة الحكومة الإسرائيلية، في17 سبتمبر 2024، على قرار يعتبر فيه عودة سكان الشمال الإسرائيلي إلى منازلهمهدفا من أهداف الحرب“.

وكان حوالي 80 ألفا من سكان مدن ومستوطنات إسرائيل الشمالية قد غادروا منازلهم،بطلب من السلطات الإسرائيلية، إثر بدء حزب الله في قصف أهداف إسرائيلية، لا سيمافي شمال إسرائيل، ابتداء من 8 اكتوبر 2023. وقد أعلن الحزب أن جبهة جنوب لبنان هيجبهةإسناد وأشغالدعماً لقطاع غزّة بعد بدء إسرائيل حربا شاملة ضد القطاع إثرتنفيذكتائب عز الدين القسامالتابعة لحركةحماسوفصائل أخرى عمليةطوفانالأقصىفي غلاف غزّة في 7 اكتوبر 2023.

أتت زيارة الوزير الإيراني في ظل توقّع لقيام إسرائيل بردّ عسكري على قيام إيران بشنهجوم صاروخي ضد إسرائيل في 2 اكتوبر 2024. وجاء الهجوم الإيراني بمثابة ردّ متأخرعلى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اسماعيل هنيّة، في العاصمة الإيرانية،وطهران في 31 يوليو 2024. جرت زيارة عراقجي بعد إيام من قيام إسرائيل باغتيال أمينعام حزب الله، السيّد حسن نصر الله، وعدد من القيادات من بينهم أحد ضباط الحرسالثوري، في 27 سبتمبر 2024، في منطقة حارة حريك فيالضاحيةفي لبنان.

الخلفيات اللبنانية للزيارة:

جاءت زيارة عراقجي بعد أيام على إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي،في 30 سبتمبر 2024، بعد اجتماعه مع رئيس مجلس النواب، نبيه بري، الحليف لحزب الله(بصفته رئيسا لحركة أمل / الشيعية)، أن الحكومة وافقت على:

أدعم نداء دولي لوقف إطلاق النار في لبنان.

بموافقة الحكومة على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.

جإرسال الجيش اللبناني إلى جنوب نهر الليطاني.

أضاف ميقاتي أن بري أكد أنهفور وقف إطلاق سيدعو إلى عقد جلسة لمجلس النوابلانتخاب رئيس (جمهورية) توافق لا يمثّل تحديا لأحد“.

وقد اُعيد تأكيد هذا التوجه في بيان صادر عن اجتماع ضمّ ميقاتي وبري والزعيم الدرزيوليد جنبلاط في 2 اكتوبر 2024، دعا إلىوقف فوري لإطلاق النار والشروع فيالخطوات التي أعلنت الحكومة الالتزام بها لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 وإرسالالجيش اللبناني إلى منطقة جنوب الليطاني“. ودعا البيان أيضا إلى انتخاب رئيسوفاقيللجمهورية، وأن يكون هذا اللقاءخطوة للقاء والتقاء جميع القوى لنسيجناالوطني للانطلاق بهذه المهمة“.

أهمية تحوّلات بيروت:

تُعد التوجهات السياسية والحكومية في لبنان مهمة ولافتة وتعبّر عن تبدّل في سلوك الدولة،كما في خياراتالثنائي الشيعيفي حال استمرار بري في تمثيل حزب الله. وتكمنأهمية هذه المواقف في النقاط التالية:

أولاً: الموافقة على وقف إطلاق النار؟ كما وردت في البيانين، لا تشترط أن يرتبط الأمربوقف إطلاق النار في غزّة، وهو أمر التزم به حزب الله منذ حوالي عام كشرط لوقف إطلاقالنار في لبنان.

ثانيا: الالتزام بقرار الأمم المتحدة رقم 1701 يعني الالتزام بسحب قوات حزب الله منجنوب نهر الليطاني، وهي منطقة يفرض القرار أن تكون منزوعة من أي سلاح إلا ذلك الذييحمله الجيش اللبناني وقوات الـيونيفلالتابعة للأمم المتحدة.

ثالثا: إرسال الجيش اللبناني إلى تلك المنطقة وسحب مقاتلي حزب الله من هناك يمثّلاعترافا بدور الجيشالحصريفي القيام بمهام الدفاع عن الحدود الجنوبية، وقبولالثنائيأو على الأقل ما تمثله حركة أمل وبري، بالتنسيق المحتمل مع حزب الله، مبدأوقف الوجود المسلح غير التابع للدولة هناك.

رابعا: يعتبر وعد بري بدعوة مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لسدّ هذاالشغور في هذا المنصب، منذ انتهاء ولاية ميشال عون في 31 اكتوبر 2022، تحوّلا كبيرابسبب مناورات مارسهاالثنائي الشيعيلمنع انتخاب رئيس، وامتناع بري نفسه عن عقدجلسات دستورية من دون الاتفاق مسبقا على اسم الرئيس الجديد.

خامساً: الإعلان عن الدعوة لانتخاب رئيستوافقي لا يمثل تحديا لأحد، وبغض النظرعن اعتراض أصوات برلمانية علىهندسةالانتخابات باسم إسقاط التحدي لصالحالوفاق، يعني أن بري (ربما بالتنسيق المحتمل مع حزب الله) قد تخلى عن ترشيح، سليمانفرنجية، الذي يُعتقد أن تعطيل الانتخابات سببها فرض انتخابه.

مواقف الوزير: الانقلاب على بيروت

جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت على خلفية هذه التطورات ووسط غموضبشأن ما إذا كانت هذه التحوّلات تأتي بالتنسيق مع حزب الله أو تجاوزا له. وقد أدلىعراقجي بعد اجتماعه بالمسؤولين اللبنانيينوبعد ذلك في دمشق التي توجه إليهابتصريحات تلحظ النقاط التالية:

أولا: دعم جهود وقف إطلاق النار.

ثانيا: أن تشترط هذه الجهوداحترام حقوق الشعب اللبناني“.

ثالثا؛ أن تشترط أيضاموافقة المقاومة” (أي حزب الله).

رابعا: أن يأتي وقف إطلاق الناربالتزامن مع وقف إطلاق النار في غزة“.

خامساً: الإعلان أنإيران كانت ولا تزال داعمة للبنان، وداعمة للبنانيين الشيعة، وكانت ولاتزال داعمة لحزب اللهمضيفاكان من الضروري أن أقول هذا شخصيا“.

سادسا: كشف الوزير عنمبادرات لوقف إطلاق النار وتخفيف التوتر في المنطقة موضحاأنه يأمل في أن تصل لنتيجة“.

رسائل إيران: الحزب، الشيعة، لبنان، العالم

وفيما نشرت وسائل الإعلام اللبنانية أنباء تحدثّت عن تحذير وجهه عراقجي إلى ميقاتيوعن أن اللقاء كان عاصفا بينهما، غير أن المكتب الإعلامي لميقاتي نفى في بيانما يتمتناقله هو مجرد سيناريوهات واستنتاجات لا تمت إلى الحقيقة بصلة. فالاجتماع لم يكنعاصفًا كما يزعم البعض، بل على العكس من ذلك، كان ضمن الأصول الدبلوماسيةالمتبعة. فاقتضى التوضيح“. غير أن ظروف الزيارة ومضمونها ورسائلها تلحظ النقاطالتالية:

أولا: كانت هناك شكوك من إمكانية السماح لطائرة الوزير بالهبوط في مطار في بيروتبسبب فرض إسرائيل منع الطائرات الإيرانية والعراقية من القيام بذلك.

ثانيا: بناء على ما سبق أصدرت وزارة الأشغال العامّة قرارا قضى بمنع إحدى الطائراتالإيرانية من الهبوط في المطار في 28 سبتمبر 2024. وكان وزير الأشغال العامة والنقل،علي حميّة، الذي يمثّلالثنائي الشيعيفي حكومة ميقاتي، قد اتّخذ هذا القرار اللافت،وفق وسائل إعلام محلية. فقد أوعز إلى إدارة المطار الطلب من طائرة إيرانية عدم دخولالأجواء اللبنانية أو الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي.

ثالثا: تتحدّث مصادر عن أن هبوط طائرة الوزير جرت وفق تنسيق دولي دبلوماسي لا يمكنأن تكون الولايات المتحدة بعيدة عنه ولا يمكن أن يجري إلا بموافقة من السلطات العسكريةالإسرائيلية التي تسيطر على الأجواء اللبنانية.

رابعاً: بدت زيارة الوزير عاجلة من أجل وقف بيروت من اتّخاذ قرارات من دون التنسيق معإيران بعد الضعف الذي يتّسم به حزب الله إثر الضربات العسكرية التي تعرّض لها، بمافيها اغتيال جماعي لقياداته الميدانية والعليا شمل أمينه العام.

خامساً: اشتراط الوزير موافقة حزب الله على أي وقف لإطلاق النار أعاد رفع فيتو يمنعاستقلالية حكومة لبنان عن إرادة الحزب وإيران من ورائه.

سادسا: اشتراط ربط وقف إطلاق النار في لبنان بوقف إطلاق النار في غزّة يهدف إلىربط قرار الجبهتين بأجندة طهران، ناهيك من أن هذا الأمر يمنح إسرائيل مبررا وشرعيةإضافيين لمواصلة الحرب ضد لبنان.

سابعاً: في إدراك لغضب جمهور حزب الله جراء غموض مواقف طهران من مسألة التدخلدفاعا عن الحزب الذي يتعرّض لمحنة كبرى، تقصّد الوزير القدوم إلى لبنان للإعلان عناستمرار دعم إيران لحزب الله، لكن أيضا، وعلى نحو طائفي، دعم إيران للشيعة في لبنان.

ثامنا: في إعلانه دعم إيران للشيعة والحزب أضاف عبارةكان من الضروري أن أقول هذاشخصيا، بما يؤكد معلومات من مصادر إيرانية مفادها أن زعيم حزب الله الراحل رفضاستقباله الوزير الإيراني نفسه في زيارة كان من المزمع أن يجريها إلى بيروت فيالأسابيع الماضية، استنكارا لتصريحات للحكومة اعتُبرت تخليا عنمحور المقاومة“. وقدتمّ إلغاء الزيارة بناء على ذلك.

تاسعا: حديث الوزير عن مبادرات دبلوماسية لوقف الحرب يقدم إيران بصفتها شريكا (غيرمعلن وربما غير صحيح) لمبادرات سلمية تتزعمها الولايات المتحدة وفرنسا لوقف إطلاقالنار في لبنان وغزّة لمدة 21 يوما والشروع أثناء ذلك في مفاوضات لوقف الحرب.

خلاصة واستنتاجات:

**تكشف زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، عن سعيّ إيران لإعادة شغلفراغ دبلوماسي كبير سببه تعرّض حزب الله في لبنان إلى تصدّع في بنيانه القيادي، لاسيما منذ اغتيال أمينه العام، السيد حسن نصر الله.

**تسعى إيران، من خلال ما صدر عن الوزير من مواقف في بيروت ودمشق، إلى تأكيدإمساكها بقرار وقف الحرب في لبنان وغزّة، وعدم السماح لبيروت باتخاذ قرارات بشأنالحرب في لبنان مستقلة عن الحرب في غزّة وعن أجندة طهران في ذلك.

**تحاول إيران، من خلال حديث الوزير عن مبادرات دبلوماسية، إلى الترويج إلى نظريةقبولها من بين الدول الأخرى شريكا في قضايا المنطقة، لا سيما تلك المتعلقة بالحرب فيغزّة ولبنان.

**يُعتقد أن إيران تسعى لـبيعإدارة الرئيس الأميركي قدرتها على وقف الحرب فيلبنان (وجبهات أخرى) بوسائلها وليس بوسائل والطبقة السياسية اللبنانية، وأنها تُعطّلحلّ بيروتلصالححل طهرانلتدعيم موقعها الإقليمي والتبرّع بعرض بإمكانه ضبطالردّ العسكري الإسرائيلي في القريب العاجل واستئناف مفاوضات البرنامج النووي فيالقريب الآجل.

**تطرح ظروف زيارة عراقجي ووصوله إلى بيروت جواً ومنها إلى دمشق جواً أيضا بعدقطع الطريق البرية بقصف إسرائيلي، أسئلة بشأن رعاية دولية بتنسيق مع إسرائيل لقيامالوزير بزياراته وإدلائه بمواقفه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.