رئاسة لبنان بعد سقوط نظام الأسد

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات

تقدير موقف.

تقديم: يسلط المراقبون مجهرا على تداعيات سقوط النظام السوري على آليات العملية السياسية، لا سيما في مسألة انتخاب رئيس للجمهورية. يأتي الأمر معطوفاً على ضعف قبضة إيران من خلال حزب الله على لبنان، ما يحرر البلد من الوصايات التي عرفها منذ انتهاء الحرب الأهلية وإبرام اتفاق الطائف. فما هي المعطيّات المتوفرّة واحتمالات هوية الرئيس المقبل كمفتاح لإعادة تشكيل السلطة في لبنان؟

•في 28 نوفمبر 2024، أي بعد يوم واحد من بدء سريان وقف إطلاق النار في لبنان، حدد رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، تاريخ 9 يناير 2025 موعدا لانتخاب رئيس للجمهورية، على أمل أن ينهي ذلك فراغا في سدّة الرئاسة بدأ منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق، ميشال عون، في 30 اكتوبر 2022.
– كان عاموس هوكستاين، مستشار الرئيس الأميركي، الذي توسّط للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، قال إن مهمته تشمل تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، ما يعني أن إنهاء الشغور الرئاسي بات ملفاً ضروريا مكمّلا للتدابير المتعلقة بتنفيذ القرار 1701.
– أنعش تعيين موعد للانتخابات الرئاسية الآمال بانتخاب رئيس يكون خارج سلطة الوصاية الخارجية بعد الضعف السياسي والعسكري الذي أصاب حزب الله إثر الحرب الأخيرة.
– منذ تولي دمشق أمر لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990) تمّ انتخاب رؤساء وفق إرادة هذه الوصاية. وبعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 تولّت إيران عبر حزبها فرض توازنات لاختيار اسم الرئيس.
– يمثل سقوط نظام بشّار الأسد في 8 ديسمبر 2024 وزوال النفوذ الإيراني في سوريا وضعفه في لبنان، مرحلة جديدة غيّرت من شكل الاصطفافات السياسية، بحيث خرجت العديد من الكتل البرلمانية غير الشيعية من عباءة تحالف حزب الله وحركة أمل (الثنائي الشيعي)، ما يعني تبدّلا كبيرا في الخيارات على حساب مرشح الثنائي لمنصب الرئاسة.
– تقول المعلومات إن كافة القوى البرلمانية التي كانت تصطف لصالح دمشق وحزب الله تستعد لتموضع جديد داخل كتلة سنّية جامعة تستجيب لخيارات السعودية في لبنان.
– على رغم من الضعف الذي أصاب “الثنائي” بعد الحرب الأخيرة، غير أن “الحزب” و “الحركة” استمرا في دعم سليمان فرنجية مرشحا وحيدا لهما. وإضافة إلى أن فرنجية هو حليف “الثنائي”، غير أنه يقدم نفسه دائما بصفته “الصديق الشخصي للرئيس بشّار الأسد”. وقد أطاح سقوط النظام السوري بحظوظه نهائيا.
– لم يسقط الثنائي رسميا ترشيح فرنجية، لكن المعلومات تقول إن المرشّح سيعلن سحب ترشّحه بنفسه. ويحاول “الثنائي”، بشخص بري، التواصل مع بقية الكتل البرلمانية للتوافق على اسم بديل يمثّل توافقا بين كل التيارات السياسية. وقد جرى تداول أسماء يمكن الاختيار منها، من أمثال جوزيف عون والياس البيسري وزياد بارود وجورج خوري وفريد الخازن.
– تقول المعلومات إن أجواء “الثنائي” توحي بدعم ترشيح المدير العامّ للأمن العامّ بالوكالة الياس البيسري، وهو ترشّح يدعمه جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر) ويرفضه سمير جعجع (رئيس حزب القوات اللبنانية).
– يتقدم اسم جوزيف عون، قائد الجيش اللبناني، بصفته المرشح الأبرز الذي قد ينال موافقة أغلب الكتل البرلمانية، خصوصا أنه يتمتع بدعم غير معلن من قبل الولايات المتحدة وفرنسا. ورغم ظهور أعراض عداء لهذا الخيار من قبل حزب الله، غير أن موقف “الثنائي” يؤكد أنه، على الأقل، لن يضع “فيتو” على انتخابه.
– على الرغم من تأكيد مراجع سياسية لبنانية على ضرورة انتخاب رئيس توافقي، يلوّح جعجع باحتمال الترشّح “إذا ما حظي بالقبول”. وكان صدَرَ موقف عن نائب رئيس “القوات” يلمّح إلى عدم حماسة حزبه لانتخاب الرئيس في موعد الجلسة المعلن.
– في 1 ديسمبر، تحدث مسعد بولس (الذي عينه الرئيس دونالد ترامب مستشارا للشؤون العربية وشؤون الشرق الأوسط)، بشأن الملف الرئاسي، وقال إنه “موضوع شائك ومهم ويجب العمل عليه بدقة من دون تسرّع بشكل غير مدروس بحكم الحرب، فمرحلة وقف إطلاق النار تجريبية والانتخابات ليست من مسؤوليتنا بل من مسؤولية البرلمان”. وأضاف: “من صبر أكثر من سنتين على الفراغ، يمكن أن يصبر شهرين أو ثلاثة ويعمل على الأمر بشكل متكامل ودقيق بعيداً عن التسرع”.
– أوحت رسالة بولس إلى لبنان بعدم الاستعجال ما أثار أسئلة بشأن نهائية موعد الجلسة التي حددها بري. ويرى مراقبون أن تلميح “القوات” بعدم الحماسة لتلك الجلسة، قد يكون تأثّرا بهذه الأجواء وربما بأجواء إقليمية تدعو إلى التريث بانتظار وضوح الوضع السوري وما سيغيره من موازين قوى جديدة إقليمية ودولية ستتداعى حكما على الداخل اللبناني.
– ترى مصاد غربية أن الاهتمام الدولي بالشأن السوري سينسحب على لبنان لجهة تشكيل سلطات متناغمة في البلدين تشبه التحوّلات الجارية. تنصح هذه المصادر القوى السياسية في لبنان أن تقرأ جيدا الحدث السوري وتستخلص نتائجه في عملية إعادة تشكيل السلطة في بلادهم.

خلاصة:

**أحدثت الحرب ضد لبنان وسقوط النظام السوري تغيرا في موازين القوى الداخلية على حساب الكتلة الخارقة للطوائف التي كان يمتلكها الثنائي الشيعي. ما يعني تراجع حظوظ مرشح الثنائي الشيعي في الانتخابات الرئاسية.
**تميل المعلومات إلى ترجيح خروج تيارات سنّية من تحت عباءة الثنائي الشيعي باتجاه تكتل يستجيب لخيارات السعودية في لبنان ما سيرجّح كفة مرشحين للرئاسة.
**مقابل محاولة “الثنائي” اقناع كافة الكتل النيابية بانتخاب شخصية تحظى بإجماع عام، يروج احتمال ترشّح سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، خصوصا أن حزبه يلمّح إلى عدم الحماسة لموعد جلسة الانتخابات التي تحددت تأثرا بأوساط الرئيس ترامب الني نصحت بالتريث.
**تتعدد الأسماء التي يمكن أن تحظى بمنصب الرئاسة، غير أن اسم جوزيف عون، قائد الجيش، ما زال متقدما، خصوصا أنه يحظى بدعم واشنطن وباريس.
**تنصح مصادر غربية بمراقبة الشأن اللبناني من نفس المنظار المسلط على سوريا لجهة ضرورة ظهور سلطات متناغمة في البلدين تقرأ التحوّلات الإقليمية الجارية.+

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.