دمشق والفصائل الفلسطينية، دلالات توقيف طلال ناجي

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تقديم: أثار توقيف الأمين العام لـ “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة” من قبل الأجهزة الأمنية في دمشق ثم إطلاق سراحه، موجة من التكهنات بشأن خلفيات وأسباب هذا التطوّر والرسائل التي تودّ الإدارة السورية الجديدة توجيهها إلى الوجود الفلسطيني السياسي في سوريا وإلى الرأي العام الخارجي، خصوصا أن الحدث أتى بعد أيام على زيارة قام بها الرئيس الفلسطيني إلى العاصمة السورية.

في التفاصيل:

-في 3 مايو 2025، أفرجت السلطات السورية عن الأمين العام لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة” طلال ناجي، بعد توقيفه لساعات لدى جهاز الاستخبارات. وقالت معلومات إن الإفراج تمّ بعد تواصل قيادة الجبهة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقيادي حركة حماس خالد مشعل، واللذين بادرا إلى التدخل من أجل إطلاق سراحه، وفق مصادر فلسطينية.
-قالت معلومات إن توقيف ناجي جرى بعد طلب السلطات السورية منه مراجعة أحد فروعها الأمنية، فيما ذكرت مصادر إعلامية إنه جرى اعتقاله في مكتبه المؤقت في مبنى إذاعة القدس، بمنطقة المزرعة بدمشق. ولم تصدر أية معلومات رسمية عن الأمر من طرف السلطات السورية.
-أشارت بعض الأنباء إلى أن السلطات الجديدة اعتقلت عقب سقوط النظام السابق، 20 شخصاً من كوادر “الجبهة” من المتورطين بالعمل العسكري لصالح النظام، بصفتهم قيادات ميدانية، ونقلوا إلى سجن حماة المركزي. وقالت معلومات صحفية إن قيادي “حماس” خالد مشعل، تدخل حينها من أجل عدم التعرض للقيادة العامة وقياداتها، لاسيما ناجي “بوصفه من القيادات التاريخية للحركة الوطنية الفلسطينية”.
-قالت مصادر إن إدارة العمليات العسكرية في دمشق، وضعت يدها فور السيطرة على العاصمة السورية على مقر قيادة “الصاعقة” العسكري في منطقة العباسيين، ومكتب أحمد جبريل، مسؤول القيادة العامة السابق ومقر العقيد زياد الصغير، مسؤول حركة فتح – الانتفاضة في ساحة التحرير بدمشق، بالإضافة إلى وضع جميع معسكرات “الجبهة” تحت قيادة إدارة العمليات العسكرية السورية.
– في 22 أبريل، أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، أن السلطات السورية ألقت القبض على عضوين قياديين لها وأنهما كانا محتجزين منذ خمسة أيام. وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية نبأ إلقاء القبض على القياديين بالحركة من دون إعطاء أية معلومات إضافية.
-في 18 أبريل، استقبل الرئيس السوري أحمد الشرع نظيره الفلسطيني، محمود عباس، في أول زيارة له إلى العاصمة السورية منذ نحو 16 عامًا. رافق عباس في الزيارة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (آنذاك) حسين الشيخ وعضو اللجنة التنفيذية أحمد مجدلاني.
-يرى مراقبون أن الحكم الجديد في سوريا يتعامل مع الفصائل الفلسطينية تعاملا متحفّظا حذّرا بسبب علاقة بعض هذه الفصائل التي كانت متماهية مع نظام بشّار الأسد وتُعتبر ذراعا ضاربة من أذرعه ضد المعارضة السورية، وخصوصا “الجبهة الشعبية-القيادة العامة” بزعامة الراحل أحمد جبريل التي شاركت في القتال إلى جانب قوات الأسد ضد فصائل المعارضة خصوصاً في معارك مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق.
-يضيف هؤلاء أن الأداء السياسي للسلطة الفلسطيني كان مرتبكا ومنقسما حيال الصراع الرسمي، بحيث جاهرت تيارات بمعارضة نظام الأسد ودعم “الثورة” ضد نظامه، فيما قطاعات سياسية في الضفة الغربية ومناطق فلسطين 48 بالغت في تأييد النظام السابق وتسيير مظاهرات مؤيدة له.
-قالت بعض المعلومات إن الحكم الجديد في دمشق تحفّظ على تركيبة وفد السلطة الفلسطينية الذي خطط لزيارة أولى إلى دمشق قبل تدخل، قيل إنه سعودي، أزال التحفّظات وأدى إلى استقبال الرئيس الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، في 28 يناير، الوفد برئاسة رئيس الحكومة محمد مصطفى وضمّ ياسر عباس نجل الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
-يلفت متابعون للشأن الفلسطيني أنه لم يُسجل تعاملا مميزا متقدما مع حركة حماس القريبة من قطر على الرغم من موقفها المؤيد للثورة في سوريا وخروجها من سوريا إبان حقبة الأسد. ورأى هؤلاء أن حسابات دمشق الجديدة شديدة التأثر بالمناخات الإقليمية والدولية التي فرضتها حرب غزّة ومفاعيل عملية “طوفان الأقصى” في7 اكتوبر 2023.
-أدرجت مصادر دبلوماسية مراقبة زيارة الرئيس الفلسطيني إلى دمشق في إطار العلاقات التي يريدها الحكم الجديد مع الجهات الرسمية داخل جامعة الدول العربية، أي العلاقة بين سوريا وفلسطين وليس العلاقة بين دمشق وفصائل وتيارات فلسطينية. وأن عملية تنظيم الوجود الفلسطيني في سوريا سيتم ترتيبها وفق هذه العلاقة في قطيعة مع السلوك السابق في إدارة هذه العلاقة وفق أجندة دمشق ومهام أجهزتها الأمنية.
-تشير بعض المصادر إلى أن دمشق تعتبر بعض الفصائل الفلسطينية جزءا من “الدولة العميقة” للنظام السابق التي مازال يمكن تحريكها لتشكيل خطر على النظام الجديد وإن لم يصدر عن دمشق اتهامات واضحة مباشرة في هذا الصدد. وتضع عملية توقيف طلال ناجي في هذا الإطار.
-تعتبر المصادر أن توقيف ثم إطلاق ناجي بعد انتهاء التحقيق معه يبعث برسالة إلى كل الجو الفلسطيني الفصائلي في سوريا بأن أعين دمشق باتت مفتوحة وتراقب هذا الملف.
-لا تستبعد بعض المراجع السياسية العربية المراقبة أن تكون عملية اعتقال أعضاء “الجهاد” وأمين عام “الجبهة” تأتي أيضا استجابة لقائمة المطالب الأميركية التي حملتها ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد الشام وسورية، وسلمتها لوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في اجتماع على هامش مؤتمر المانحين لسورية في بروكسل، في 18 مارس 2025، ومتّسقة مع رسالة الردّ التب بعثتها دمشق إلى الإدارة الأميركية.

خلاصة:

**يكشف توقيت طلال ناجي وقبله قياديين في حركة الجهاد عن إمساك سلطات دمشق الجديدة بملف الفصائل الفلسطينية من زاوية أمنية ترتبط بعلاقة هذه الفصائل بالنظام السابق وإيران.
**تعتبر سلطات دمشق أن بعض الوجود الفصائلي الفلسطيني ما زال مرتبطا بطهران وأركان النظام الأركان وهو جزء من “الدولة العميقة” التي ما زالت مرتبطة بالنظام السابق ويمكن تحريكها وتشكيل مصدر من مصادر الخطر ضد النظام الجديد.
**سلوك الإدارة السورية الجديدة حيال الفصائل الفلسطينية متأثر بأجواء إقليمية دولية وحساباتها بعد “طوفان أقصى” وما بعدها.
**تعاني علاقة دمشق مع الملف الفلسطيني من ذاكرة انخراط بعض الفصائل الفلسطينية مع النظام السابق في الحرب ضد المعارضة، كما من ضبابية وارتباك وانقسام الجو السياسي الفلسطيني عامة حيال الصراع السوري.
**من غير المستبعد أن تكون الإجراءات الرقابية ضد قيادات بعض الفصائل تستجيب لضغوط دولية وأميركية هي من شروط الاعتراف بالحكم الجديد في دمشق ورفع العقوبات عن سوريا.
**توقيت عمليات الاعتقال بعد زيارة الرئيس الفلسطيني إلى دمشق يعبّر عن فصل سوري بين العلاقة الرسمية للدولة السورية والسلطة الفلسطينية وقواعد الأمن في التعامل مع الفصائل الفلسطينية فوق الأراضي السورية.
**يلاحظ أن الإدارة السورية الجديدة لم تتعامل بتميّز مع فصائل فلسطينية على حساب أخرى، ولم تحظ حماس مثلا بامتيازات على حساب فصائل منافسة، بما يؤشر إلى ميل إلى نأي دمشق بنفسها عن أي انخراط في الشأن الفلسطيني خارج السياقات العربية التقليدية المعتمدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.