خلفيات الردّ الصاروخي الإيراني وآفاق الرد الإسرائيلي المضاد
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: نفذت إيران ردا صاروخيا مكثّفا على إسرائيل، ليل الأول من اكتوبر 2024. جاء الرد انتقاما لعمليتي الاغتيال التي طالت رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنيّة، وزعيم حزب الله، حسن نصر الله، وأحد كبار ضباط الحرس الثوري. وفيما كشفت الأنباء أن إيران أبلغت عبر القنوات المتخصصة توقيت الرد وشكله وأهدافه، كشفت صحافة طهران جانبا من الجدل الداخلي الذي دار بشأن هذه المسألة.
نرصد التطوّرات التي سبقت هذا الردّ ونستشرف تداعياته في رصد للخلفيات التالية:
• في 1 سبتمبر 2024، نقلت وسائل الإعلام عن مسؤول كبير في البيت الأبيض، أن الولايات المتحدة لديها مؤشرات على أن إيران تستعد لشن هجوم بصواريخ باليستية على إسرائيل قريباً.
• قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، أن واشنطن أبلغت إسرائيل أنها ترصد استعدادات من إيران لإطلاق صواريخ نحو إسرائيل قريبا، محذرا من أن أي هجوم إيراني ستكون له “عواقب وخيمة”.
• ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، نقلا عن مسؤولين إسرائيليين، أن الهجوم الإيراني المحتمل سيشمل طائرات من دون طيار وصواريخ باليستية تطلق باتجاه إسرائيل. وأكد المسؤولون الإسرائيليون أن الهجوم المحتمل سيكون بالصواريخ الباليستية على 3 قواعد جوية عسكرية ومقر استخباري شمال تل أبيب، في غضون 12 ساعة.
• نقل موقع أكسيوس الإخباري عن مسؤول إسرائيلي رفيع أن إسرائيل تعتقد أن الهجوم الإيراني عليها سينفذ في الساعات القليلة المقبلة، وأشار إلى أن التحذير من الهجوم الإيراني المتوقع وصل إسرائيل قبيل الهجوم بساعات.
• قبيل الهجوم الإيراني، اعلن في طهران انها لن ترسل متطوعين الى لبنان، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، ناصر كنعاني، إن “حكومتي لبنان وفلسطين لديهما القدرة والقوة اللازمتين لمواجهة ” إسرائيل، مشيرا إلى عدم الحاجة “لنشر قوات إيرانية مساعِدة أو تطوعية”. وأضاف: “لم نتلقَّ أيضا أي طلبات، ونعلم أنهم لا يحتاجون إلى مساعدة من قواتنا”.
• اعتبرت المصادر الإسرائيلية التصريحات الإيرانية الرسمية حول ردها على اغتيال هنية ونصر الله، انها لا تؤشر لتغيير جوهري في الموقف التقليدي الإيراني الذي يتوعد بالرد في الوقت المناسب، وتندرج في إطار الحرب الدعائية التعبوية.
• اندلع في الأيام الأخيرة سجال في إيران بشأن مسألة الرد وتأخره على مقتل اسماعيل هنيّة ومدى مسؤولية ذلك في التسبب باغتيال نصر الله. كشف الرئيس بزشكيان أن الدول الغربية وعدت إيران بأنها ستضمن وقف إطلاق النار في غزة إذا اختارت “عدم الرد” على اغتيال هنية. وأقر بزشكيان أن اغتيال نصر الله يؤكد أن أن الوعد المزعوم من قبل قادة الدول الأوروبية والولايات المتحدة كان ” خاطئا تماما. وأضاف: “إعطاء الفرص لهؤلاء المجرمين [الإسرائيليين] يشجعهم فقط على ارتكاب المزيد من الجرائم.”
• حمّلت شخصيات محافظة إيرانية (منها النائب علي مطهري) بزشكيان مسؤولية عدم الرد على مقتل هنيّة ما شجع إسرائيل على اغتيال زعيم حزب الله. وشنّ سعيد جليلي، الذي كان منافسا لبزشكيان في الانتخابات الرئاسية، هجوما على الرئيس الإيراني من دون أن يسميه، بأنه “عصى أوامر” المرشد علي خامنئي و “أوقف” عملية للانتقام ردا على اغتيال هنية.
• أشار المعلق السياسي المؤيد للتيار الإصلاحي، محمد علي أهانغاران، إلى أن المرشد الأعلى فقط هو الذي يملك سلطة إعلان الحرب وتعبئة القوات المسلحة. بالمقابل أعيدت إثارة مسألة الاختراق الأمني الإسرائيلي داخل إيران.
• أعادت وسائل التواصل الاجتماعي بث مقابلة أجريت عام 2021 مع الرئيس السابق المحافظ محمود أحمدي نجاد كان كشف فيها أنه في مرحلة سابقة تم إنشاء هيئة حكومية في إيران لمواجهة العمليات الإسرائيلية “ولكن تبين لاحقا أن رئيسها كان عميلا” للموساد.
• ثمة تقدير أن تقليل واشنطن من حجم الرد الإيراني ووصفه بالفاشل والدعوة في الولايات المتحدة إلى تنسيق ردّ مشترك هدفه التحكم بمستوى الردّ الإسرائيلي ومنع شططه وإبقاء الحدث داخل حدود منضبطة.
خلاصة:
**دفع الجدل الداخلي في إيران إلى اتخاذ قرار بتنفيذ ردّ عسكري منضبط على إسرائيل يلبي مطالب داخلية في إيران ويخفف من وطأة الحرج الذي أصاب طهران جراء غياب الرد منذ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اسماعيل هنيّة في طهران في 31 يوليو الماضي.
**يضاف الجدل الإيراني إلى أجواء غضب من قبل جمهور حزب الله جراء غياب أي تدخل عسكري إيراني نصرة للحزب على الرغم من الضغوط العسكرية الإسرائيلية التي أطاحت بقياداته وصولا إلى اغتيال قائد الحزب، السيّد حسن نصر الله.
**يعتقد أن الجدل الداخلي في إيران والرد الذي نُفذ ما زالا تحت سقف السياسة الإيرانية بعدم الانخراط بحرب شاملة والاستمرار في انتهاج خطاب الانفتاح على واشنطن والعالم الغربي.
**على رغم نفي طهران تنسيق ردّها مع واشنطن، غير أن المعلومات التي أبلغها الأميركيون للإسرائيليين توحي بعكس ذلك، ما يعني أن طهران تضع الرد في سياق منضبط.
** التقدير بأن مستوى الردً الإسرائيلي سيكون أقل مما أوحت به تصريحات نتنياهو ومسؤولين في الحكومة والجيش، وان واشنطن ستعمل على هندسة الردّ وجعله داخل أُطر تمنع الحرب الشاملة.
** الرد الإيراني بصرف النظر عن تأثيراته والاضرار المادية التي تسبب بها ، الا النتائج عميقة وتضع إسرائيل والمنطقة برمتها على حافة الانفجار، ما لم تدرك القوى الدولية ان نزع فتيل الانفجار الشامل يبدا من غزة وفتح الافاق لحل لمعضلة الاحتلال الإسرائيلي.