خطّة العرب البديلة في غزّة: الأعراض والعوامل

ورقة سياسات

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات

• ملخص تنفيذي:

-الخطّة المصرية-العربية أتت كردّ عاجل على خطّة ترامب، وتمثل استعادة عربية لقرار طبيعة “اليوم التالي” للحرب.
-المواقف المصرية الأردنية العربية الرافضة لخطّته فاجأت الرئيس الأميركي، واضطرته للتخلي عن “فرض” خطته.
-تعمل مصر على تقديم خطة هندسية مالية وسياسية ذات طبيعة واقعية يمكن تسويقها عربيا ودوليا.
-تخطط المجموعة العربية لتبني الخطّة المصرية، وتوفير جزء من تمويلها، والسعي لجعلها مقبولة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والمجتمع الدولي.
-صدرت عن المجموعة العربية إشارات واضحة تحضّر إدارة لقطاع غزّة لا تكون حركة حماس جزءا منها.

• تقديم:

تستعد المجموعة العربية لاحتمال المصادقة على الخطة التي تُعدُّها مصر من أجل إعادة إعمار غزّة من دون تهجير سكان القطاع. يقوم هذا التطوّر على ردّ فعل عربي عام رافض لخطّة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن تهجير سكان غزّة وإعادة إعمار القطاع وفق خطّة أميركية، وعلى السعيّ لتقديم خطّة بديلة، يمكن تسويقها عربيا وإقليميا ودوليا، من دون إبعاد السكان، وتكون قابلة للقبول من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والدول المانحة.
• الاستفاقة على “اليوم التالي”
باتت المراحل المتبقية من مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين في قطاع غزّة، مرتبطة بحقبة أخرى استجدت منذ أن أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 4 فبراير 2025، خطّته لإعادة إعمار القطاع وجعله “ريفييرا” الشرق الأوسط، شرط نقل سكان القطاع إلى مصر والأردن ودول أخرى. وبغضّ النظر عن أجندات حكومة إسرائيل ورئيسها، بنيامين نتنياهو، في حسابات العرقلة أو المضي في بدء مفاوضات المرحلة الثانية، فإن كل خطوة باتت متعلّقة بما سيكون عليه القطاع ومستقبل القضية الفلسطينية في “اليوم التالي” للحرب.
تقوم الحقبة الجديدة على تدخّل المجموعة العربية في شأن مستقبل القطاع. فقد اقتصر الصراع قبل ذلك، وبسبب الصدمة الدولية التي سبّبتها عملية “طوفان الأقصى” في 7 اكتوبر 2023، على إسرائيل وحركة حماس، فيما لعبت مصر وقطر دور الوسيط بمشاركة متقطعة للولايات المتحدة. ولم يكن الصراع إسرائيليا-عربيا ولا حتى إسرائيليا-فلسطينيا (كطرف تمثله السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية)، بل اعتُبر ثنائيا بين إسرائيل ومقاتلي غزّة، التابعين لحركتيّ حماس والجهاد، وسط دعم غربي “هستيري” أباح لإسرائيل الإفراط باستخدام القوة التدميرية انتقاما ليوم “الطوفان”.
ولم تبدِ الدوائر العربية والإقليمية انخراطا جدّيا في إعداد خطط “اليوم التالي” للحرب على الرغم من كثرة الحديث عن هذا الاستحقاق. حتى أن الولايات المتحدة ذهبت، في عهد الرئيس السابق جو بايدن، إلى التلويح بضرورة العبور نحو “حلّ الدولتين”، من دون التقدّم بإجراءات عملية باتجاه ذلك، بما اعتُبر مناورة تقوم بها واشنطن للتغطية على الدعم الواسع السياسي والعسكري الذي تقدمه لإسرائيل، والذي يقف وراء استمرارها في الحرب على الرغم من رواج ضغوط دولية تدعو لإيقاف المجزرة التي تنفّذ في القطاع.
• الردّ على خطّة ترامب
بدأ التدخل العربي بشكله الحالي كردّ على تدخل مباشر وواضح من قبل الولايات المتحدة، وعلى لسان الرئيس ترامب، في حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي. قدم ترامب خطّته بشأن غزّة، فأثارت ردود فعل عربية سريعة وحازمة ترفض مبدأ تهجير الفلسطينيين من أرضهم، ليتطوّر الرفض إلى استناده على محاذير تتعلق بالأمن القومي، وفق نسخّ الرفض التي صدرت عن مصر والأردن. وإذا ما كانت مواقف القاهرة وعمّان منطقية بالنظر إلى أن العاصمتين معنيتان بخطًة ترامب، غير أن الرئيس الأميركي لم يجد بيئة حاضنة في المنطقة لخطّته.
فبعد 45 دقيقة من إعلان خطّته، أصدرت وزارة الخارجية السعودية، فجر 5 فبراير 2025، بيانا، اعتّبر عاجلا، يبدد أي ضبابية، ويحسم قرار السعودية في رفض نقل سكان قطاع غزّة إلى الخارج، ويشدد على بقاء الغزيين في أرضهم. لكن البيان أعاد أيضا تأكيد موقف الرياض على رفض أي علاقة تطبيع مع إسرائيل من دون قيام دولة فلسطينية. وقد استندت المملكة في موقفها على المبادرة السعودية التي تقدمت بها عام 2002، في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، والتي صادقت عليها القمة العربية في بيروت في مارس من نفس العام. وقد أطلق الإعلان السعودي العنان لسلسلة موقف عربية رافضة لخطّة الرئيس الأميركي.
وعلى الرغم من المواقف الصادرة من القاهرة وعمّان برفض خطّته، أعاد الرئيس الأميركي التأكيد بأن مصر والأردن سيقبلان بفكرة نقل سكان غزّة إلى البلدين. ولم تتوفّر معطيات تفسّر يقينية ترامب، خصوصا أن عاهل الأردن، الملك عبد الله الثاني، لم يقدم للرئيس الأميركي في اللقاء الذي جمعهما في البيت الأبيض، في 11 فبراير 2025، أي موقف يُشتم منه قبولا بخطته. وقد لفت الملك الأردني، إضافة إلى ذلك، إلى وجود خطّة بديلة تُعدّها مصر، وإلى الإعداد لمشاورات عربية دعا إليها في الرياض وليّ عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان. وبدا أن الملك عبد الله الثاني يلاقي إشارات، كانت صدرت عن أركان الإدارة في واشنطن، لا سيما مستشار الأمن القومي، مايك والتز، تعرب عن تطلّعها لدرس خطط بديلة تقدمها عواصم المنطقة.
• أعراض الخطّة المصرية
تقوم الخطّة المصرية، التي لم تعلن تفاصيلها، على مبدأ “التعمير من دون تهجير”، وعلى ما كان أعلنه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من أن تهجير الفلسطينيين من غزّة هو “ظلم لن تكون مصر شريكة به”. ويشمل ما تسرّب من الخطة تقسيم القطاع إلى مناطق لجوء وإسكان تسمح بإيواء السكان مؤقتا بعد توفير البنى التحتية اللازمة، وتقسيم عمليات إعادة الإعمار إلى مراحل تمتد على خمس سنوات، تشارك بها شركات من دول المنطقة والعالم، على أن تقود ورشة إعادة الإعمار الكبرى إلى تسوية سياسية شاملة تضمن عدم تعرّض القطاع لحرب جديدة.
تتعارض الخطّة المصرية مع خطّة الرئيس ترامب من حيث إنها تمنع التهجير الجماعي لسكان غزّة، وتمنع ما أعلنه ترامب عن “استيلاء” الولايات المتحدة على كامل القطاع وإعادة إعماره بنمط سياسي يزيل الهوية الفلسطينية عنه، وهو منحى عبّر الرئيس الأميركي عنه من خلال كشفه عن خطط لإقامة “ريفيرا” على شاطئ البحر الأبيض المتوسط تكون متاحة لسكان قادمين من شتى بلدان العالم. ورغم ظهور مواقف مشكّكة بمصداقية وموضوعية الخطّة المصرية صدرت عن بعض أركان الإدارة في واشنطن، لا سيما مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، خصوصا لجهة التمكُّن من إعادة الأعمار خلال 5 سنوات، إلا أن إعلان ترامب عن تفاجئه من رفض مصر والأردن لخطته (وهو الذي أكد أنهما سيقبلان بها)، وأنه لن يفرض الخطّة، بل ينصح بها، قد أسقط خطّة ترامب، ونقل الكرة في نفس الوقت إلى الملعب العربي.
وتحتاج الخطّة المصرية إلى العوامل التالية لجعلها قابلة للتسويق والتنفيذ:
•أولاً: أن تكون واقعية، قابلة هندسيا للتنفيذ وفق المعايير التي تسمح بإقامة ورشة إعمار تاريخية من دون نقل السكان من القطاع.
•ثانيا: أن يكون لها برنامج تمويلي يقنع الدول المانحة، العربية والإقليمية والدولية، ويقوم على أسس تتراوح ما بين أشكال الهبات والقروض والاستثمار.
•ثالثا: أن تحظى بغطاء سياسي واسع يرتقي بها من هويتها المصرية إلى مستوى عربي شامل، يوفّر لها شروط الالتزام والقبول الدولي.
•رابعا: أن تحظى بقبول أميركي-إسرائيلي ينهي الجدل، لا سيما في إسرائيل، بشأن “اليوم التالي”، بحيث تسقط خطة إسرائيل للاستيلاء على غزّة كم سقطت خطة ترامب الاستيلائية.

• كيف يتحرّك العرب؟

تقوم الاستراتيجية العربية، وفق الإشارات الصادرة خلال الأسابيع الماضية، على مجموعة من العوامل التي تأخذ بالاعتبار جسارة المرحلة التي تمرّ بها المنطقة، وضرورة العمل وفق موازين القوى التي خرجت بها حرب غزة، والاهتداء إلى المقاربة الصحيحة للتعامل مع الرئيس الأميركي وإدارته. ويمكن هنا تسجيل الملاحظات التالية:
1-يقوم الحراك العربي على مواقف جدًية حازمة صدرت عن السعودية ومصر والأردن، وجدت تجاوبا واسعا داخل المجموعة العربية.
2-جاءت المواقف رافضة لمبدأ تهجير سكان غزّة من جهة، وإعادة السعودية اشتراط إقامة دولة فلسطينية قبل إقامة علاقات تطبيع مع إسرائيل من جهة ثانية، من دون أن تبدو تلك المواقف معادية للرئيس ترامب مباشرة.
3-في المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيس الأميركي والعاهل الأردني تقصّد الملك عبد الله الثاني التأكيد أنه سيتّخذ الموقف الذي “يحمي مصالح شعب الأردن”، لكن مع تثمين الجهود التي يقوم بها الرئيس الأميركي والتي يُعوَّل عليها لإحلال السلام في المنطقة. وهو سلوك هدفه تأكيد الخلاف لكن مع الحرص على عدم الصدام والتطلّع إلى التعاون.
4-تعهدت مصر بتقديم خطّتها، وسط انطباع، عبرّ عنه ملك الأردن، أن المجموعة العربية تعوّل على الخطّة المصرية حصريا. ورغم ما تسرّب من الخطة، حرصت القاهرة على عدم الكشف عنها وجعل نقاشها يجري داخل غرف القرار.
5-تحرص مصر على أن تحظى خطّتها بدعم عربي شامل من دون أي تحفّظات، ما تتطلّب تأجيل القمة العربية التي كان مزمع عقدها في 27 فبراير 2025 إلى 4 مارس، تحت مسوغ توفير التسهيلات اللوجستية لتأمين المشاركة الواسعة.
6-عملت الرياض، ووفق ما كشفه الملك الأردني للرئيس ترامب بشأن دعوة وليّ العهد السعودي إلى قمّة مصغرة للتشاور. إلى توسيع الحدث ليصبح قمّة 6+2، لتشمل كافة دول مجلس التعاون الخليجية إضافة إلى مصر والأردن، اجتمعت في 21 فبراير 2025، تحت شكل اللقاء الأخوي الودّي وليس قمّة بالمعنى الرسمي.
7-يعتقد أن الشكل الأخوي الودّي يزيل عن القمّة التزام إصدار بيان رسمي، ويحيل الأمر إلى القمّة العربية الشاملة في 4 مارس 2025، ويجنّب الدول الثماني إصدار مواقف قد تعتبّر مستفزّة أو غير مناسبة في إطار العلاقة مع الرئيس ترامب، خصوصا بعد اختيار الرياض مكانا للتفاوض بشأن أوكرانيا وتحسين علاقات موسكو وواشنطن وقمة الزعيمين الروسي والأميركي المقبلة.
8-يفترض بالقمة المصغرة أنها ناقشت الخطّة من جوانبها العملانية والسياسية، والمالية خصوصا، ما يفسّر وجود كافة دول الخليج، لإعدادها للمصادقة في قمّة القاهرة.
9-يعتقد أن غياب السلطة الفلسطينية عن القمّة المصغّرة يتناسب مع مضمون الخطّة المصرية لجهة إدارتها من قبل الدول العربية مع وجود هيئة تدير القطاع مستقلة عن السلطة وحركة حماس.
10-تتواكب مع حركة الخطّة المصرية إشارات عربية واضحة باتجاه موقع حركة حماس المقبل، سواء من خلال إعلان أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو غيط، عن ضرورة “تنحي” الحركة عن إدارة غزّة المقبلة، وتصريح الأمين العام المساعد للجامعة، عن ضرورة “خروج” الحركة من المشهد.
كانت لافتة الدعوة إلى قمّة عربية طارئة وليس إلى قمّة عربية-إسلامية لحصر مسألة غزّة بالدائرة العربية من دون السماح بانخراط دول أخرى، يعتقد أن أهمها تركيا وإيران.

• خلاصة واستنتاجات:

**أصبح مستقبل المفاوضات بشأن اتفاق إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين في غزّة مرتبطا بإرهاصات “اليوم التالي” التي تتمّ مناقشتها، بما في ذلك التسويق لخطّة مصرية-عربية لإعادة إعمار القطاع.
**تمثّل الخطّة ردّ فعل عربي رافض لخطّة ترامب التي تقوم على نقل سكان القطاع إلى مصر والأردن، ما يبعد غزّة عن خطط خارجة عن الدائرتين الفلسطينية والعربية
**يوفّر تخلي ترامب عن خطّته فرصة للقبول بالخطة المصرية شرط تحليها بمقومات قبول من قبل المجتمع الدولي والولايات المتحدة وإسرائيل.
**يحتاج إقناع الدول المانحة بتمويل الخطّة المصرية إلى حسم مسألة طبيعة الإدارة المقبلة لقطاع غزّة، وقد صدرت إشارات عربية تنصح حركة حماس بعدم لعب أي دور في الإدارة المقبلة.
**يعتقد أن استبعاد السلطة عن قمّة الرياض المصغرة، إشارة إلى تولي المجموعة العربية إدارة القطاع، في الأمد القريب على الأقل.
**اقتصار الدعوة على قمّة عربية وليس عربية-إسلامية قد يهدف إلى استبعاد إيران وتركيا عن قرار مستقبل قطاع غزّة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.