خطاب “ثوابت” المرشد الأعلى وتجاهل لاحتمالات استهداف إيران
وزير خارجية إيران في بيروت، وأنباء عن رفض نصر الله استقباله قبل الاغتيال.
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: توقّف المراقبون عند الرسائل التي أراد المرشد الإيراني، علي خامنئي، توجيهها من خلال “خطاب الجمعة”، في 4 اكتوبر 2024، ضمّنه تأبينا لأمين عام حزب الله، السيّد حسن نصر الله. وفيما شدد خامنئي على ثوابت “الثورة” في محاربة إسرائيل لم يصدر عنه مواقف سياسية تتعلق مباشرة بالردً الذي تستعد له إسرائيل لضرب أهداف داخل إيران. توافق موعد الخطاب مع زيارة يقوم بها وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى بيروت ذات مهمات سياسية في العلاقة مع “الدولة” اللبنانية، وسط أنباء عن رفض نصر الله قبل أسابيع من اغتياله مقابلة الوزير الإيراني في زبارة كان ينوي القيام بها للبنان مما اضطره إلى إلغاء الزيارة.
نتابع الحدثين لفهم سياسات إيران الجديدة من خلال قراءة للمعطيات التالية:
– ألقى المرشد خطابه باللغة العربية، ما يعني أن الخطاب يتوجه إلى العالم العربي، لا سيما الفصائل المنتمية إلى “محور المقاومة” في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، في ظل تململ من موقف إيران من الهجمات المباشرة التي تتعرّض لها تلك الفصائل وضعف إمكانية تدخّل إيران عسكريا دفاعاً عن فصائل المحوّر.
– أراد المرشد الإجابة على أسئلة شاعت لدى بيئة حزب الله اللصيقة بشأن امتناع إيران عن الدفاع عن حزب الله في الحرب الاجتثاثية التي تنفّذها إسرائيل ضد الحزب باغتيال قادته في مستويات مختلفة وصولا إلى اغتيال أمينه العام. كما أراد مخاطبة جمهور الحزب وفصائل الممانعة الواسع عن ثبات الدعم الإيراني واستمراره.
– تحدّث المرشد على نحو لافت عن “شرعية” وقوف إيران مع قضية التصدي لإسرائيل مستندا على خطاب ديني فقهي. ويعتقد أن التركيز على هذه “الشرعية” يحتاجها المرشد لمخاطبة الرأي العام الداخلي الإيراني في وقت من المتوقّع أن توجه إسرائيل ضربات إلى أهداف داخل إيران ردّا على الردّ الإيراني الصاروخي، الثلاثاء، الماضي.
– انتهج المرشد لهجة تعبوية تشدّ من أزر المقاومة وتدافع عن مبررات عملية “طوفان الأقصى”، مشددا على وحدة حال “المحور”، ملمّحا إلى “وحدة الساحات” واستمرار التلويح بتفعيلها جميعا في وقت ما.
– ركّز المرشد على “ثوابت” قديمة للجمهورية الإسلامية من دون التطرّّق إلى المواقف السياسة لبلاده، لاسيما تلك البراغماتية التي سبق أن عبّر عنها سابقا سواء في الحديث عن “الصبر الاستراتيجي” لتبرير عدم انخراط إيران في ردود عسكرية انتقاما لهجمات إسرائيلية، منها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في طهران في 31 يوليو الماضي، أم في الانتقال إلى التبشير بـ “التراجع التكتيكي” من أجل “الحديث مع الأعداء”.
– على الرغم من تقارير نشرت وتحدثت عن “ضيق المرشد” والتحذير من إمكانية ذهابه إلى خيارات خطيرة يائسة لم يصدر عن المرشد في خطابه أي تلميح يوحي بذلك.
– على عكس ما كان منتظرا من مواقف تستبق الردّ الإسرائيلي العسكري ضد إيران والذي توعّد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأن يكون موجعا “تدفع فيه إيران ثمن خطأها”، تجنّب المرشد تناول هذه المسألة وتجنّب توجيه أية تهديدات مسبقة ردا على هذا الاحتمال.
– التقدير ان الخطاب يجاري المناسبة لكنه لا يتناقض مع الخطاب الإيراني الانفتاحي الجديد، للمرشد نفسه وللرئيس بزشكيان. فقد عمل المرشد شخصيا على إزالة العراقيل من أمام فوز الرئيس الجديد في الانتخابات الرئاسية على 5 منافسين ينتمون جميعا إلى التيار المحافظ القريب من المرشد والحرس الثوري.
– ألقى المرشد الخطاب في نفس الوقت الذي وصل فيه وزير الخارجية، عباس عراقجي، إلى بيروت لمقابلة رئيس حكومة تصريف الأعمال، نحيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري. ويرجّح مراقبون أن تكون مهام الوزير في بيروت مختلفة عن مضمون خطاب المرشد في طهران.
– يعتقد أن إيران تريد المحافظة على نفوذها وإسماع رأيها في التحوّلات التي ظهرت أخيرا في بيروت في إعلان الاستعداد لتنفيذ القرار الأممي 1701، ما يعني سحب قوات حزب الله من جنوب الليطاني، وإعلان نشر الجيش اللبناني، وتخليّ “الثنائي الشيعي” عن مرشحه للرئاسة والموافقة على انتخاب رئيس “توافقي” جديد.
– كان لافتا أن طائرة الوزير الإيراني حطت في مطار بيروت على رغم تهديد إسرائيل بعدم السماح للطائرات الإيرانية باستخدام المطار وعودة طائرة إيرانية كانت تخطط للهبوط في المطار قبل أيام. مصادر في بيروت قالت إن عراقجي أخذ إذنا دبلوماسيّا للقدوم إلى لبنان. ما يعني أنه تمّ التنسيق مع إسرائيل (ليس بالضرورة من قبل إيران مباشرة) لإتمام الزيارة.
– في نفس اليوم، كشف مصدر إيراني مقرّب من النظام في طهران عن أن زيارة سابقة كانت ألغيت للوزير إلى لبنان بسبب تبلغه رفض نصر الله مقابلته، ما أدى إلى تأجيل الزيارة. ويقول المصدر إن نصر الله كان مستاء من الحكومة المعتدلة التي شكّلها الرئيس بزشكيان وما صدر عنها من تصريحات فُهم منها تخلي إيران عن “محور المقاومة”.
خلاصة:
**ألقى المرشد، علي خامنئي، في تأبين أمين عام حزب الله، السيّد حسن نصر الله، خطابا “باللغة العربية” اعتبر موجّها إلى “محور المقاومة” وجمهوره، لشدّ أزره وتأكيد دعم إيران له، والتخفيف من حالة الحنق التي سادت جمهور حزب الله في لبنان وفصائل “المحور” في المنطقة مما اعتبر تقاعسا إيرانيا وتخليا عن محورها.
**لم يتناقض خطاب المرشد مع السياسة الخارجية الجديدة لإيران التي ينتهجها مع حكومة الرئيس بزشكيان في “التراجع التكتيكي” و الاستعداد للعودة للمفاوضات والانفتاح على الغرب والولايات المتحدة.
**لم يتطرّق المرشد، على نحو مستغرب، إلى احتمالات الرد الإسرائيلي ضد إيران، ولم يتّخذ أي مواقف متوعّدة في هذا الصدد، على الرغم من تقارير حذّرت من ضيق قد يدفعه إلى خيارات قصوى.
**في نفس يوم خطاب الثوابت زار وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بيروت لتنسيق العلاقة مع “الدولة” اللبنانية، وسط حديث عن عدم تنسيق المواقف بين حزب الله وإيران، ووسط أنباء إيرانية عن رفض نصر الله لقاء الوزير الإيراني في زيارة سابقة ألغيت لهذا السبب، بداعي الغضب من تصريحات حكومية إيرانية اعتبرت أنها تخليا إيرانيا عن “محور المقاومة”.
**التقدير أن إيران تودّ المحافظة على حضورها وإسماع صوتها داخل تحوّلات أعربت عنها الحكومة اللبنانية في الاستعداد لتنفيذ القرار 1701 وإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب والدعوة لانتخاب رئيس “توافقي” للجمهورية.