حسابات إسرائيل في التلويح بفتح “جبهة الشمال” ضد لبنان

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات 

ورقة سياسات. 

 

ملخص تنفيذي:

 يأتي إعلان إسرائيل عن توسيع العمليات العسكرية ضد حزب الله، وسط عزم على إدراج إعادة سكان الشمال كهدف من أهداف الحرب.

 القرار يستجيب لجدل وضغوط داخلية، من خارج الحكومة وداخلها، تطالب بالقضاء على الخطر من الشمال ضد أمن المستوطنين.

 رغم الإعلان أن “حرب الشمال” لا تتناقض مع مفاوضات صفقة غزّة، يُعتقد أن الهدف من إعلانها هو تعطيل تلك المفاوضات.

 التقديرات العسكرية تلاحظ تناقضا بين هدف إعادة السكان في الشمال إلى بيوتهم ومباشرة “توسيع العمليات” التي ستزيد الأخطار وتفاقمها.

 تقديرات أميركية بإمكانية التوصّل إلى صفقة بين لبنان وإسرائيل شرط توقف حرب غزّة. 

تقديم

يفتح القرار الإسرائيلي المحتمل بنقل الحرب من قطاع غزّة باتجاه لبنان، النقاش بشأن جديّة هذا التهديد وجدليته في داخل إسرائيل وفي علاقة تل أبيب مع واشنطن وحلفائها. ويتركّز النقاش، بأبعاده العسكرية والسياسية، على الأغراض السياسية التي يهدف إلى تحقيقيها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، سواء في مقاربة “صفقة غزّة”، أم في الجدوى العسكرية لـ “حرب الشمال” لإعادة سكان تلك المنطقة إلى بلداتهم، أم في الرسائل التي يبعثها نتنياهو إلى الولايات المتحدة والإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض. 

إعادة المستوطنين: البحث عن إجماع للحرب 

قالت مصادر إعلامية إسرائيلية، السبت 14 سبتمبر 2024، إن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قرر توسيع العملية العسكرية على الجبهة الشمالية. ونقلت القناة 13 الإسرائيلية عن نتنياهو قوله إن إسرائيل “بصدد عملية واسعة وقوية في الجبهة الشمالية”. وأعتّبر هذا الخبر بمثابة تطوّر مهم في شأن قرار إسرائيل فتح جبهة جديدة في الشمال ضد حزب الله في لبنان تضاف إلى جبهة الجنوب في قطاع غزّة.

وكان من المفترض، وفق المتداول من المعلومات، أن يصادق مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية، الأحد 15 سبتمبر، على قرار يعتبر إعادة سكان البلدات الحدودية شمال إسرائيل إلى بيوتهم هدفا من أهداف الحرب الحالية، وهو أمر لم يكن على جدول أعمال تلك الحرب ولا من أهدافها.

وقد تحدّثت الأنباء لاحقا على أن هذه الجلسة ستعقد يوم الإثنين في 16 سبتمبر. وكانت صحيفة معاريف الإسرائيلية نقلت عن نتنياهو في وقت سابق تأكيده إصدار تعليمات للجيش وجميع قوات الأمن بالاستعداد لتغيير الوضع بالشمال، دون ذكر تفاصيل أخرى. 

نتنياهو-غالنت.. خلاف في غزّة تقاطع في لبنان: 

يأتي التطوّر الجديد غداة حملة ضغوط ومزايدات مارستها الطبقة السياسية الإسرائيلية، داخل الحكومة وخارجها، بشأن ضرورة معالجة “أخطار الشمال” التي تمنع أكثر من 100 ألف من سكان المستوطنات من العودة إلى بيوتهم في مستوطنات شمال إسرائيل. وكان تمّ إجلاء هؤلاء وإعادة إسكانهم بعيدا من هذه الجبهة، في أعقاب بدء حزب الله، في 8 اكتوبر 2023 إطلاق عملية “إسناد وإشغال” عسكرية دعماً لحركة حماس والفصائل في قطاع غزة بعد أن بدأت إسرائيل بشنّ الحرب هناك إثر عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023.

وعلى الرغم من حساسية العلاقة الشخصية بين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالنت، وخصوصا في مسألة إطلاق حملة عسكرية ضد لبنان، أعلن غالنت جاهزية الجيش للتصعيد مع لبنان. وأشار، وفق ما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية، إلى أن نتنياهو أكد، أن توسيع التصعيد مع لبنان لن يؤثر على الضغط العسكري بغزة.

وكان غالنت قد قال في 10 سبتمبر 2024 إن القوات الإسرائيلية تقترب من إتمام مهمتها في قطاع غزّة وإن تركيزها سيتحول إلى الحدود الشمالية للبلاد مع لبنان. وأضاف، أن “مركز الثقل يتحرك شمالا، ونحن على وشك استكمال مهامنا في الجنوب، لكن مهمتنا هنا لم تنجز بعد”.

جدل بيروت واشنطن وتل أبيب

بدت مسألة التحرّك العسكري صوب الشمال الإسرائيلي مثار جدل داخلي ساهمت في إذكائه مواقف معارضة من ضمنها بيني غانتس، عضو مجلس الحرب السابق، الذي أشار أن “الوقت لاستخدام القوة مع حزب الله وإعادة سكان الشمال بأمان إلى منازلهم قد حان”، مؤكدا في الوقت ذاته أن “حكومة نتنياهو المشلولة والمفككة تواصل إهمال سكان الشمال”.

وأشار مراقبون إلى احتمال أن يكون قرار عقد “الكابينيت” الأمني المصغّر الذي يفترض أن يصادق على قرارات بهذا الاتجاه يوم الإثنين 16-09-2025 كان متعمدا لكونه اليوم الذي يصل إليه المبعوث الأميركي، عاموس هوكشتاين، حيث من المقرر أن ببحث التطورات في جبهة لبنان، وسط تحذيرات أميركية من تداعيات فتح جبهة جديدة ومخاطر اندلاع حرب مع حزب الله.

وكان منسق الاتصالات الإستراتيجية بمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، قد قال إن زيارة هوكشتاين تأتي ضمن جهود إدارة الرئيس جو بايدن لمنع فتح جبهة جديدة مع حزب الله اللبناني.

من جهته، أعلن نائب الامين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، في 14 سبتمبر أنه لا يمكن إعادة سكان الشمال “من دون أن تقف الحرب في غزة، وهذا محسوم بالنسبة الينا”.

واكد قاسم إن “جبهة المساندة مستمرّة في لبنان طالما أنَّ الحرب في غزة مستمرّة، ولا يوجد طريق لعودة المستوطنين في الشمال إلَّا بإيقاف الحرب على غزة”. وقال إن “التهديد بالحرب علينا في لبنان لا يخيفنا، وهذا التهديد لا يعدِّل موقفنا بارتباط جبهة الإسناد بوقف العدوان على غزة، وليس لدينا خطة للمبادرة في حرب لأنَّنا لا نجدها ذات جدوى، ولكن إذا شنَّت إسرائيل الحرب فسنواجهها بالحرب”.

خطط إسرائيل وأجندة نتنياهو

يعتقد خبراء في الشؤون الإسرائيلية أن التطوّر الذي نُقل عن نتنياهو بشأن الجبهة الشمالية، محدود عمليا وسياسيا ويحمل وظائف ورسائل للداخل والخارج وفق الملاحظات التالية:

1- يجري الكلام عن فتح جبهة الشمال قبل التوصّل إلى صفقة تنهي الحرب في قطاع غزّة. ويعتقد أن توجيه الأنظار صوب الشمال، بشراكة سياسية من الموالاة والمعارضة، تخدم خطط نتنياهو في التخفيف من الضغوط الداخلية والخارجية للقبول باتفاق، وفق خارطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس الأميركي، جو بايدن، والتي تشارك واشنطن ومصر وقطر في رعاية المفاوضات بشأنها.
2- قرار نتنياهو يأتي متّسقا مع دعوات إسرائيلية من داخل حكومة نتنياهو ومن خارجها تطالب بنقل الجهد العسكري نحو لبنان للقيام بعملية عسكرية لوقف الأخطار التي تتهدد المستوطنين في شمال إسرائيل وتعيق عودتهم إلى منازلهم هناك. وبالتالي فإن نتنياهو يستغل هذا الجدل ويشارك به لتوظيفه في معركته السياسية الداخلية.
3- يلفت مراقبون إلى أن ما نُقل عن نتنياهو لم يذكر كلمة “حرب” بل “توسيع العمليات العسكرية”، بما يعني أن إسرائيل ليست بصدد الإعلان عن حرب، كتلك التي عرفها لبنان في عامي 1982 أو 2006 مثلا، تشمل دخولا بريا إلى الأراضي اللبنانية. ويرى هؤلاء أن التقييمات العسكرية والجبهة الداخلية لا تشجع على خوض إسرائيل حربا كبرى مركبة ومعقّدة في وقت لا تعرف فيها كيفية إنهاء حربها في غزّة.
4- تجد مراجع عسكرية تناقضا ما بين عزم الحكومة الإسرائيلية المصغّرة للشؤون الأمنية والسياسية على المصادقة على إدراج هدف إعادة مستوطني الشمال إلى بيوتهم من ضمن أهداف الحرب الراهنة، مع العزم على “توسيع العمليات” العسكرية، وفق ما نقل عن قرارات نتنياهو. ويعتبر هؤلاء أن المقاربة العسكرية الإسرائيلية لن يمكنها تحقيق أهدافها، بل ستعرّض المناطق الشمالية إلى مزيد من الدمار والأخطار. وتضيف هذه المراجع أن ما يحكى عن “القضاء” على قدرات حزب الله غير ممكن من خلال “توسيع العمليات”، ولا وجود لخطط أو مناخ في إسرائيل لشنّ حرب استئصالية كبرى.

 

حرب الشمال: الحسابات الأميركية:

يلاحظ مراقبون لشؤون العلاقات الأميركية الإسرائيلية تصادما بين أجندة تل أبيب وواشنطن قد تفسّر توقيت الإعلان الإسرائيلي وأغراضه وفق الملاحظات التالية:

1- يُعتقد أن الإعلان عن الأمر جاء عشية وصول المبعوث الأميركي، عاموس هوكشتاين، القادم أساسا للتباحث في شأن الجبهة اللبنانية الإسرائيلية. وليس معروفا ما إذا كان الإعلان الإسرائيلي جاء منسّقا مع واشنطن قبل وصول موفدها، أو أنه جاء لممارسة ضغوط تستبق مهمة هذا الموفد وترفع من شروط نتنياهو وحكومته.
2- يهمّ الولايات المتحدة في مرحلة الحملة الرئاسية لمرشحة الحزب الديمقراطي (الحاكم)، كامالا هاريس، عدم توسيع الحرب في غزّة، وخصوصا على الجبهة الشمالية، مخافة انفجار أوسع قد لا تكون إيران وفصائلها في سوريا والعراق واليمن بعيدة عنها.
3- يُعتقد أن نتنياهو الذي يحاول عدم إنهاء الحرب في غزّة قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل، ويعوّل على فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، يودّ استغلال هذا التوقيت في محاولة لابتزاز الإدارة في واشنطن، في التلويح بحرب في لبنان، من أجل تخفيف ضغوطها وضغوط حلفائها الغربيين لإبرام صفقة غزّة.
4- تجزم آراء لدبلوماسيين إسرائيليين سابقين أن إسرائيل لا يمكن أن تتجاوز حدودا معينة في عملياتها العسكرية في لبنان من دون تنسيق كامل مع الولايات المتحدة ودعمها الكامل. يضيف هؤلاء أن نتنياهو يدرك ذلك ويعرف أن الحسابات الأميركية-الغربية في ظل الصراع مع روسيا في أوكرانيا، والمواجهة الاستراتيجية مع الصين، والمقاربة المتوتّرة مع إيران لا يمكن أن تسمح لإسرائيل بشنّ حربها ضد حزب الله.
5- سبق للمبعوث الأميركي أن تفقّد في بيروت إمكانات التوصّل إلى اتفاق كليّ ينهي النزاع الحدودي البريّ ويتمّ من خلاله تنفيد القرار الأممي 1701، بما في ذلك انسحاب البنى العسكرية الثقيلة لحزب الله بعيدا من الحدود اللبنانية الجنوبية. وكانت نقلت مصادر أميركية أن أمر ذلك وارد في لبنان، على منوال ما تمّ بشأن الحدود البحرية عام 2022 بقبول كامل من قبل حزب الله. غير أن ذلك يستلزم وفق حرب غزّة لوقف النار على الحدود اللبنانية. 

خلاصة واستنتاجات: 

**يعتبر الإعلان من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية عن خطط لتوسيع العمليات العسكرية ضد حزب الله في لبنان، مناورة يُراد من توقيتها إبعاد الأنظار عن احتمالات الصفقة في غزّة، وملاقاة ضغوط سياسية داخلية في إسرائيل، لا سيما من المعارضة، لفتح جبهة الشمال.

**تشكّك مراجع عسكرية في جدوى “توسيع العمليات” العسكرية في توفير الأمن لعودة سكان مستوطنات الشمال، وسط تأكيدات جديدة من حزب الله أن هدوء جبهة الشمال مرتبط بوقف إطلاق النار في غزّة.

**يُعتقد أن نتنياهو يهدف إلى ابتزاز واشنطن أثناء حملة الانتخابات الرئاسية، بحيث صادف قراره وصول مبعوث واشنطن لثني إسرائيل عن تجاوز مستوى التوتّر مع لبنان إلى درجة غير محسوبة وتجرّ المنطقة إلى مواجهة شاملة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.