حرب المنظمات اليهودية واليمينية البريطانية ضد حزب العمال: المطلوب رأس جيرمي كوربين

حمزة علي شاه *

ملخص تنفيذي:

يربط مراقبون بين موجة التحريض الجديدة ضد حزب العمال البريطاني من بوابة ما اصطلح عليه ” معاداة السامية ” مع تولي جيرمي كوربين قيادة الحزب في العام 2015  ، وتطور الهجوم تدريجيا مع نجاح العجوز اليساري في تحويل حزبه الى قوة رئيسية ، مدعومة ولاول مرة بكتلة شبابية جارفة من طلبة الجامعات ونخبة الطبقة الوسطى . تتويج الحملة  جاء في مظاهرة حاشدة جرت يوم الاثنين 26 ابريل \نيسان ، شارك فيها الالاف من البريطانيين اليهود ومعهم تيارات اليمين التقليدي وفي المقدمة بالطبع حزب المحافظين الحاكم بأغلبية هشة ، يمكن ان يسقط في اية لحظة على خلفية تصويت الخروج البريطاني من الاتحاد الاوروبي ، واللافت ان موجة التحريض المتصاعدة ضد حزب العمال تاتي بعد ظهور استطلاعات جديدة للراي تقول بتقدمه على المحافظين بست نقاط ، اذا ما جرت انتخابات نيابية اليوم .

خصوم العمال لم يختاروا  لبدء حملة التشويه برنامجه الاقتصادي او الاجتماعي وموقفه الاكثر شعبية من البريكسيت ، وانما  “معاداة السامية” ،والتي نظمها النواب اليهود البريطانيون  ومجلس المنظمات  اليهودية ، والهدف بحسب البيانات ، تسليط الضوء على معاداة السامية ومكافحتها في حزب العمل. على وجه الخصوص .

 معاداة السامية: خلفية

لم تتوقف يوما حملات المنظمات البريطانية اليهودية ، ومعها المركز الاعلامي في السفارة الاسرائيلية في لندن ضد السياسي والنائب والقيادي العمالي جيرمي كوبين ، على خلفية مواقفه المبدئية المتضامنة مع الحقوق الفلسطينية وادانته للعدوان الاسرائيلي ععلى الشعب الفلسطيني ، وغالبا ما يوصف انصار فلسطين البريطانيين بمعاداة السامية حتى الذين يرفضون ممارسات اسرائيل لاسباب اخلاقية وانسانية او دينية.حادثتان كانتا سببا في تصعيد اليمين والمنظمات اليهودية للحملة ضد حزب العمال وزعيمه . الاولى عندما تم شاركت نازي شاه ، النائب العمالي عن مدينة برادفورد رسمًا يظهر صورة لدولة  إسرائيل على خريطة للولايات المتحدة تحت عنوان “حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني – نقل إسرائيل إلى الولايات المتحدة” ، مع تعليق “المشكلة” حلت “. على الفور نشر جيرمي كوربين بيانا وصف فيه التعليقات على الرسم  بأنها “مسيئة وكريهة غير مقبولة ”  واتبع ذلك بتعليق عضوية شاه في الحزب .

الحادثة الثانية والتي تزامنت مع “خارطة شاه” التي اثارت الغضب،  تمثلت في ادلاء  عمدة لندن السابق كين ليفينغستون ببعض التعليقات لاحدى الاذاعات دافع فيها عن موقف النائب شاه وعن حزب العمال ،وقال ” لم يسبق لي أن واجهت أي موقف من اعضاء الحزب تتفق مع وجهات نظر  معادية للسامية ” واضاف عبارة اشعلت النار في الهشيم حين قال ان أن هتلر كان صهيونيًا ، وبرر اقواله بانها  “حقائق”. الامر الذي دفع كوربين مع انتشار الحملة المنظمة ضد الحزب الى تعليق عضوية ليفينغستون في الحزب لمدة عام ، ثم مددها مرة اخرى  ، في انتظار المزيد من التحقيق.

لقد وضعت  هاتان الحادثتان حزب العمال تحت الضوء ، من بوابة ثانوية وفردية وليست برنامجية اوسياسية ، وهو الاحوج الى التركيز على الصراع الداخلي مع المحافظين الذي يعيشون ازمة سياسية قد تعصف بحكمهم للبلاد . وبصورة لا تخلو من دهاء استخرجت المنظمات اليهودية البريطانية ترسانة من المواقف والتصريحات التي تخص زعيم الحزب منذ سنوات  طويلة ، والتي وضعت في اطار العلاقة مع منظمات الارهاب : من علاقته القديمة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ، وحركة حماس ومواقفه الصارخة ضد الحرب على غزة ، وليس اخرا علاقته بحزب الله ومشاركته في التظاهرات ضد العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006 .

ويصل التفتيش والحفر خلف كوربين ومواقفه ، الى مستوى تحول مسالة عارضة الى قضية راي عام استخدمت في تظاهرات يوم الاثنين ، تمثلت في كتابته على صفحته في الفيسبوك عام  2012  ، تعليقا على ازالة جدارية في شرق لندن  بعد حملة مكثفة للمنظمات اليهودية بحجة انها معادية للسامية . وهي صورة لرجال اعمال يلعبون  ” المونوبولي ” على لوحة محمولة على ظهور الناس. وكتب الرسام تعليقا اسفل الجدارية  أن المصرفيين “يتألفون من الأنجليز البيض واليهود “. تعليق كوربين على ازالة الجدارية والذي كان قبل سنوات خمس خلت : “لماذا؟ انتم  في شراكة جيدة. لقد دمر روكفلر جدارية دييغو فييرا لأنهها تضمنت صورة للينين” .بالطبع تم ازالة التعليق من صفحة كوربين قبل يومين من التظاهرة ، ما يدلل على تاثيرات الحملة الترهيبية التي يواجهها كوربين هذه الايام.

المظاهرات:

قام مجلس نواب اليهود البريطانيين ومجلس قيادة المنظمات اليهودية بتنظيم فعالية  تضامنية  احتجاجًا على معاداة السامية بزعم أنها منتشرة في حزب العمل.

وخاطب جوناثان غولدشتاين ، رئيس المجلس اليهودية الحشد الذي تجاوز الخمسة الاف مشارك بحسب تقارير الشرطة ، مشددا على ضرورة  القضاء على “سرطان” معاداة السامية في حزب العمال . واضاف ” إن الحزب  لم يوفر لليهود “مساحة آمنة” ، وقام  بنشر خطاب يزعم أن “روتشيلد يدير العالم ، وداعش واجهة مزيفة لإسرائيل والصهاينة هم النازيون الجدد” .

من الواضح بحسب مراقبين جمهور التظاهرة سلط الاضواء على جيرمي كوربين بصورة رئيسية اكثر من التركيز على حزب العمال ، وهو الاتجاه الذي تدفع به المنظمات اليهودية منذ تسلم الرجل لمقاليد القيادة في الحزب رغم كل الحملات المنظمة التي سعت لازالته من الطريق ، وقد استخدم ادعاء معاداة السامية كرافعة اساسية للحملة وما سيتلوها ،  للحط من سمعة وشعبية زعيم الحزب . .فقد حضر تظاهرة الاثنين  15 عضو برلمانيا من حزب العمال  ، بما في ذلك مارغريت هودج ، عضو البرلمان والوزير السابق ، وويس ستريتنغ ، النائب العمالي في إيلفورد نورث و النائبة عن حزب العمل اليهودية البارزة ، لوسيانا بيرغر ، التي تزعم  باستمرار دعم كوربين للفن المعادي للسامية ، وطالبت على الدوام  تفسيرا من كوربين. على الرغم من تصريحات  كوربين وتوضيحاته بما في ذلك القول أنه كان “آسفًا صادقًا على الألم الذي تسببت به تعليقاته ” ، فإن الحملة ضده وحزبه مستمرة في ضوء البيان الطويل معنونا ب ” كفى ” الصادر عن مجلس النواب اليهود البريطانيين الذي تحدث عن المزيد من الاحتجاجات التي يخطط لها في المستقبل  ، وبراي البيان فان كوربين انحاز إلى معاداة السامية “مراراً وتكراراً”.

التوقيت والاستراتيجية الأوسع:

يمكن اعتبار المزاعم المستمرة حول انتشار معاداة السامية الموجهة إلى حزب العمال ، تمثل  جزءاً من استراتيجية أوسع لمحاولة تعديل المفاهيم والافكار العامة للحزب وتحديدا ما يتعلق بالموقف التقليدي من القضية الفبسطينية .وقد وجد التيار الصهيوني واليهودي القوي ان الفرصة باتت مواتية لبدء حملة ترهيب منظمة من هذا الباب ، لاعاقة عمل وتاثيرات كوربين في الحياة السياسية خاصة بعد نجاحه في استعادة قوة واشعاع الحزب في المشهد الحزبي البريطاني بصورة غير مسبوقة ليس في بريطانيا وحسب وانما على مستوى القارة الاوروبية ، كما يمكن فهم دوافع الحملة اليمينية الهستيرية بعدما تمكن العمال تحت قيادة كوربين من استقطاب نحو  300 الف عضو جديد من الشباب اقل من عمر ثلاثين عاما في فترة تقترب من العام.يتساوق ذلك مع تخصيص الخارجية الاسرائيلية لموازنات ضخمة لمواجهة حملة المقاطعة الدولية  لاسرائيل ، وهي الحملة التي تتطور في بريطانيا لتشمل قطاعات عمالية  واكاديمية ومهنية ، باتت تقلق الدولة الاسرائيلية . وقد انضمت مؤخرا الى قائمة الداعمين علنا للمقاطعة وزيرة تطوير في حكومة الظل العمالية ، كات أوسامور ، وهو ما اثار جدلا واسعا وخاصة من مجموعة اصدقاء اسرائيل في حزب العمال  (LFI). وعلى نحو مماثل ، اتهمت الحركة العمالية اليهودية (JLM) الحزب في الآونة الأخيرة بالفشل في اتخاذ إجراءات بشأن الشكاوى المعادية للسامية ، وأعلن العديد من أعضاء الحزب والنشطاء وأعضاء المجالس المحلية انهم بصدد اتخاذ إجراءات قانونية ضد الحزب بسبب السماح لحالات معاداة السامية بالتعبير عن مواقفها العلنية في اشارة الى تصريحات  عمدة لندن السابق كين ليفينغستون المزعومة المعادية للسامية.

هكذا يصبح اي ذكر سلبي او انتقاد لإسرائيل او الحركة الصهيونية  معادياً للسامية ، في عملية خلط وتلاعب بالافكار والمفاهيم  التي تتعلق بالمباديء الثابته لحرية التعبير التي تنسف عندما يتعلق الامر بدولة اسرائيل ، ولا يستتثني ذلك اليهود المستنيرين الذين يؤيدون الحقوق الفلسطينية مثل ، توني غرينشتاين والذي تسببت تصريحاته الناقدة للوبي الإسرائيلي في بريطانيا بطرده من حزب العمال .

وفي بعد اخر ، يبدو ان الحملة المنظمة ضد كوربين وحزب العمال لها صلة باقتراب موعد الانتخابات البلدية العامة في مايو \ ايار المقبل  ،  وتقدر كل استطلاعات الراي فوزا ساحقا للعماليين حتى في المعاقل التقليدية للمحافظين ، والى  احتمال حصول انعطافة كبرى للحزب هي الاولى منذ عام 1968 ، مع توقع 54 ٪ من سكان لندن سيصوتون لصالح حزب العمال مقابل 28 ٪ لصالح المحافظين.

الخلاصة : معاداة السامية ، هو عنوان الحملة الاوسع التي فتحتها دولة اسرائيل وجندت لها المنظمات اليهودية في الدول  الغربية لمواجهة حركة متزايدة في اوروبا والولايات المتحدة متهمة بمحاولة نزع الشرعية عن دولة الاحتلال الاسرائيلي ، فقد تزايدت في الاونة الاخيرة حملات المقاطعة للبضائع الاسرائيلية والتحذيرات المتزايدة للمستثمرين الاوروبيين لتوخي الحذر في شراكاتهم الاقتصادية مع اسرائيل وبخاصة مع مجتمع المستوطنات في الضفة الغربية والجولان السوري ، وتجرأ العديد من المثقفين والاكاديميين والفنانين في مواجهة الغطرسة الاسرائيلية التي ترمي منتقديها بتهمكة معاداة السامية وتسعى لتجريمهم امام المحاكم .

على الرغم من ان عدد اليهود في بريطانيا لا يتعدى ثلاثماية الف نسمة ، ونسبة تصويتهم الكلية لحزب العمال لا تزيد عن 4% ، الا انهم الاعلى صوتا وتنظيما ونفوذا في المجالات المختلفة مقارنة بالاقليات العرقية والدينية في المملكة المتحدة ، وفي ظل الصراع المحتدم بين المحافظين والعمال ، فان الصراخ والجلبة اليهودية في مسالة هذه الايام يمكن ادراجها في مجرى الصراع الحزبي السياسي ، حيث يضع مجلس المنظمات اليهودية ، الطائفة اليهودية البريطانية في خدمة الاحزاب اليمينية ، وهو ما رفضته تيارات يسارية وليبرالية يهودية في بريطانيا ، وعبرت عن ذلك في المظاهرة المضادة امام البرلمان في 26 من مارس \اذار .

  • حمزة علي شاه : مساعد باحث في مركز التقدم العربي للسياسات – لندن
  • الورقة ترجمة عن الانجليزية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.