حرب الدبيبة ضد الميليشيات في طرابلس: الخلفيات والمعطيات
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: إثر مواجهات عسكرية أدت إلى مقتل أحد كبار قيادات الميليشيات في طرابلس عبد الغني الككلي، تضاربت التفسيرات بشأن خلفيات وقرارات أدت إلى ما يشبه الحرب التي تخوضها حكومة طرابلس ضد التشكلات الميليشياوية. فما هي حيثيات الحدث وتداعياته الداخلية وما امتداداته الدولية؟
في التفاصيل:
– في 13 مايو انفجرت العاصمة طرابلس جولة من المواجهات المسلحة، إثر اشتباكات استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، وأفضت إلى مقتل عبد الغني الككلي، المعروف بـ”غنيوة”، قائد جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي. – يعد غنيوة أحد أبرز قادة المجموعات المسلحة التي فرضت نفوذها على طرابلس في السنوات الأخيرة، وأدى مقتله إلى حالة من الذعر والارتباك في الشارع، مع تداعيات محتملة قد تطال البنية الأمنية والسياسية في غرب ليبيا.
-في 17 مايو 2025، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إن مشروعه هو “ليبيا خالية من الميليشيات والفساد”. وأضاف أنه لم يعد باستطاعته الاستمرار في التعامل مع الميليشيات والسكوت على أفعالها، داعيا الليبيين إلى دعم مشروع حكومته والوقوف صفّا واحدا، لتخليص بلادهم من سطوة الميليشيات الخارجة عن القانون وعن الدولة.
-أوضح أنه “لأوّل مرة أقول إن لديكم أملا في التخلص من الميليشيات، وحلم دولة القانون والمؤسسات يكاد أن يكون واقعا قريبا”.
-أوضح أن الحكومة أطلقت عملية عسكرية “ناجحة” في منطقة أبوسليم، بعد أن أصبحت بعض الميليشيات أخطر من الدولة، في إشارة إلى جهاز “دعم الاستقرار” الذي يقوده الككلي، مضيفا أنّ تلك الميليشيات سيطرت على 6 مصارف وتقوم بابتزاز الدولة والوزراء وسجن وتعذيب وإعدام كل من يخالفها الرأي.
-قال الدبيبة إن حكومته عرضت على الميليشيات الدخول في مؤسسات الدولة الليبية، فدخلت مجموعة، لكن آخرين رفضوا الاندماج في المؤسسات الشرعية، واستغلوا نفوذهم وفرضوا سطوتهم على المؤسسات الحكومية في ليبيا.
-دافع الدبيبة عن القرارات التي أصدرها بعد عملية أبوسليم، والتي أعاد بمقتضاها ترتيب الأجهزة الأمنية، بعد تصفية رئيس جهاز دعم الاستقرار، وإزاحة كافة الشخصيات المرتبطة به من مناصبها، موضحا أنّ هذه الأجهزة كانت في يد مجرمين أثبتت التقارير الأممية ارتكابهم جرائم وتجاوزات خطيرة.
-بخصوص القتال الذي وقع في العاصمة طرابلس بين قوات اللواء ”444 قتال” الداعم لحكومته وجهاز الردع ومكافحة الإرهاب، أوضح الدبيبة أن ما حدث كان نتيجة “خطأ مشترك واستعجال في تنفيذ قرارات فرض سلطة الدولة”، مشدّدا على أنّه لم يكن ينوي الحرب.
-في 16 مايو 2025، نقلت تقارير إعلامية أنباء استقالة عدد من وزراء حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس إثر مواجهات عسكرية عنيفة شهدتها العاصمة الليبية بعد مقتل عبد الغني الككلي. ونقلت وسائل إعلام ليبية بيانات ومواقف تبرر هذه الاستقالات صدرت عن وزير الحكم المحلي ووزير الإسكان، والتعمير ووزير الاقتصاد.
-في 16 مايو قال الدبيبة إن رؤية حكومته تنطلق من أن “تحقيق الاستقرار الدائم في ليبيا يمر عبر إنهاء جميع الأجسام التي جثمت على السلطة منذ أكثر من عقد، وأسهمت في إطالة أمد الانقسام السياسي وتعطيل بناء الدولة”، في إشارة لمجلسي: النواب والدولة.
-في 16 مايو اعتبر الرئيس الأسبق للمجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، حكومة الدبيبة “فاقدة للشرعية سياسيا وقانونيا (..) ولم تعد تمثل إرادة الليبيين (..) وتعد حكومة ساقطة الشرعية ولا يجوز لها الاستمرار في ممارسة مهامها”.
-قال المشري إنه سيخاطب رئيس مجلس النواب للتواصل الفوري من أجل البدء في إجراءات تكليف شخصية وطنية تتولى مهام رئاسة حكومة مؤقتة خلال مدة لا تتجاوز 48 ساعة.
-يعتبر باحثون في شؤون ليبيا أن طرابلس تعيش تحت سلطة “مثلث الرعب والسلاح”، حيث تحكمها مجموعات مسلحة تتقاسم النفوذ، بينما فشلت الحكومات المتعاقبة في نزع سلاحها أو دمجها ضمن مؤسسات الدولة على أسس مهنية. -يعتقد هؤلاء أن حكومة الدبيبة مسؤولة عن هذه الفوضى وأن القرارات التي اتخذها رئيس الحكومة صدرت بسبب تناقض في مصالحه مع مصالح بعض قوى الأمر الواقع المسلحة.
-رأى مراقبون أن المواجهات لم تكن بين مجموعات مسلحة كما درج أن يحصل، بل هو هجوم مسلح منظم على جهاز دعم الاستقرار، الذي يُعد أحد الأذرع الأمنية الأساسية للحكومة، علما أن الأجهزة الأمنية الرسمية ليست سوى واجهات لميليشيات متحالفة بشكل ظرفي مصلحي مؤقت.
-أفادت مصادر بأن عملية قتل الككلي تمت بتنسيق بين حكومة الدبيبة وأطراف محلية بهدف “إنهاء حالة الفوضى المسلحة” في المنطقة. وأوضحت المصادر أن مقتل االرجل القوي في طرابلس أدى سريعاً إلى تفكك الميليشيا التابعة له، وذلك عقب عملية عسكرية خاطفة ومفاجئة نفذها الجيش الليبي في الغرب، استهدفت جميع مقرات جهاز دعم الاستقرار.
-ترى مراجع ليبية متابعة أن عملية التخلّص من الأجسام الميليشياوية، حتى تلك التي لها وضع شرعي داخل الدولة، هو قرار يهدف إلى تعزيز سلطات الدولة ويتوافق مع مزاج دولي تقوده الولايات المتحدة لإنهاء ظاهرة المنظمات المسلحة غير الحكومية في المنطقة، بما يشي أن واشنطن قد تكون داعمة لهذا الإجراء.
-يلفت باحثون إلى أن عملية سيطرة الدبيبة على الميليشيات وتفكيكها تعزّز سلطاته في طرابلس داخل أي حوار قد يجري مع قوى بنغازي السياسية والعسكرية المدعومة من قبل خليفة حفتر.
-يرجّح بعض المتابعين أن الولايات المتحدة ترى في الدبيبة المعترف به دوليا حليفا يعدّل من التوازنات الجيوستراتيجية مقابل تحالف حفتر مع روسيا وقوات “فاغنر” وما وعد به من منح روسيا قاعدة عسكرية في جنوب ليبيا.
-نُقل عن مقربين من حفتر أنه يتابع التطوّرات في طرابلس وأنه لن يتدخل في الصراع هناك. فيما يرى محللون أن حفتر قرأ في أحداث طرابلس تحوّلات في المزاج الغربي حيال ليبيا.
-يستبعد محللون وجود علاقة بين أحداث طرابلس وما تردد عن خطة لنقل مليون فلسطيني إلى ليبيا، خصوصا أن السفارة الأمريكية في طرابلس، نفت في 17 مايو 2025 صحة تقرير نشرته قناة “إن بي سي نيوز” بشأن عمل إدارة الرئيس دونالد ترامب على خطة لنقل نحو مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى ليبيا.
خلاصة:
**تجمع المصادر على أن العملية التي أدت إلى مقتل الككلي منظمة وليست عشوائية نفّذت بالتنسيق مع حكومة الدبيبة.
**تكشف القرارات التي اتخذها الدبيبة والتي تستهدف التشكلات المسلحة غير الحكومية إلى تعزيز سلطة الدولة والحكومة وتدعم موقف الدبيبة في أي محادثات مع خليفة حفتر.
**يعتقد أن الدبيبة يخطط من خلال مكافحة الميليشيات إلى الاتساق مع مزاج دولي بقيادة الولايات المتحدة لإنهاء ظواهر الدويلات والميليشيات في المنطقة.