جدل بشأن خطّة ترامب لوقف الحرب في أوكرانيا: بين إنهاء الصراع وتجميده

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: يتساءل المراقبون عن الكيفية التي سينتهجها، دونالد ترامب، للإيفاء بوعده الانتخابي بوقف الحرب في أوكرانيا. وعلى الرغم من غموض مواقف ترامب في هذا الصدد، وحذر موسكو وكييف في التعاطي مع الاحتمالات المقبلة. تذهب ترجيحات باتجاه استخدام صيغة “تجميد” الصراع وليس إنهاءه، بما يمكن أن يكون صيغة تقبلها أطراف الصراع، روسيا، أوكرانيا، الحلف الأطلسي، ويؤجل الحلّ النهائي إلى مراحل وظروف لاحقة.
نقرأ الاحتمالات وعراقيلها من خلال رصد للأفكار والسيناريوهات التالية والتي لم تأخذ أشكالا نصيّة جادة:
– يعني تجميد الصراع توقف الحرب في أوكرانيا عند الخطوط التي وصلت إليها، بحيث يصبح “الأمر الواقع الميداني” قاعدة تتمّ وفقها رسم خطوط الأطراف المتحاربة ومناطق الفصل وإدارة مراقبتها.
– كانت موسكو، لا سيما، على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ردّدت في كل المناسبات الدولية المتعلّقة بالصراع، بأن على أوكرانيا الاعتراف بـ “الوقائع على الأرض” لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
– لمّحت روسيا إلى إمكانية موافقتها على إنهاء الحرب إذا ما اعترفت كييف والعالم بقرار موسكو ضم 4 أربع أقاليم احتلتها روسيا منذ بدء الحرب في 24 فبراير 2022. وهذه الأقاليم هي: دونيتسك ولوغانسك بالإضافة إلى زابوريجيا وخيرسون. وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أعلن قرار الضم في 30 سبتمبر 2022.
– تضاف هذه الأقاليم إلى شبه جزيرة القرم التي سبق الإعلان عن ضمها في غزو تمّ عام 2014. ولم يعترف المجتمع الدولي، بما في ذلك دول صديقة مثل الصين، بهذا الأمر الواقع.
– وفق مطالب روسيا، يمكن لترامب أن يقدم اقتراحا يجمد الواقع الميداني من دون الاعتراف به وإعطائه شرعية دولية. بما يعني استمرار احتفاظ روسيا بـ 20 بالمئة من الأراضي الأوكرانية.
– من المتوقّع أن ترفض أوكرانيا التخلي عن أراض أوكرانية مخافة ان يتحوّل تجميد الصراع، بمعناه المؤقت، إلى حالة دائمة.
– من المتوقّع أيضا أن ترفض روسيا حلّ التجميد الميداني الذي يتناقض مع مطلب موسكو  باعتراف أوكرانيا والعالم بما أعلنته من ضم للأراضي في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، بصفتها حقا تاريخيا، تدافعت سرديات بوتين والدبلوماسية الروسية على تقديمها تبريرا لشرعية الحرب وتحقيق أهدافها.
– تطالب روسيا إضافة إلى ذلك بعدم سعيّ أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو، مع العلم أن ليس لأوكرانيا طلب رسمي يتمّ درسه من قبل الحلف، كما سبق لألمانيا أن رفضت فكرة انضمام أوكرانيا إليه. بالمقابل تقدمت أوكرانيا بطلب انضمام إلى الاتحاد الأوروبي تتّم دراسته.
– تعتبر روسيا أن عضوية أوكرانيا المفترضة في حلف الناتو تمثّل خطرا على روسيا من حدودها الغربية. بالمقابل تطلّعت أوكرانيا دائما إلى هذه العضوية باعتبارها ضمانا لأمنها بعد أن تمّ تجريدها، بناء على اتفاق دولي في بودابست، مما كانت تملكه من أسلحة نووية (حين كانت ضمن الاتحاد السوفياتي) مقابل ضمانات دولية.
– في 4 ديسمبر 1994 تم توقيع اتفاقية بودابست، ونصت على أن “الاتحاد الفيدرالي الروسي وبريطانيا والولايات المتحدة تعيد التأكيد على التزامها بالامتناع عن التهديد أو استخدام القوة ضد وحدة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأوكرانيا، وأن أيا من أسلحتها لن تُستخدم ضد كييف باستثناء في حالات الدفاع عن النفس بما يتوافق مع قرارات الأمم المتحدة”.
– لعبت تلك التعهدات دورا رئيسياً في إقناع الحكومة الأوكرانية آنذاك بالتخلي عما كان يُعد ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم، وتشير تقديرات إلى أنها كانت تتكون من حوالي 1800 رأس حربي نووي استراتيجي.
– تطالب أوكرانيا بانسحاب القوات الروسية من كافة الأراضي التي احتلتها روسيا بعد فبراير 2022 إضافة إلى تلك في شبه جزيرة القرم التي تمّ احتلالها عام 2014. وضمّن الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلنسكي، “خطة السلام” التي تقدم بها مؤخرا للعواصم الحليفة، مطلب الانضمام إلى حلف الناتو بصفته ضامنا للأمن والسلام.
– انطلاقا من جذرية الشروط الروسية الأوكرانية سيكون على ترامب ممارسة ضغوط كبرى لتمرير خطة “التجميد”، ليس فقط على موسكو وكييف، بل على دول الاتحاد الأوروبي والناتو التي تعتبّر الحرب الروسية ضد أوكرانيا تهديدا للأمن الاستراتيجي لأوروبا والمنظومة الغربية.
– يروج من ضمن خطّة ترامب قيام روسيا وأوكرانيا بإدارة مشتركة من دون تدخل دولي لمنطقة منزوعة السلاح تقدر مساحتها بحوالي 1300 كلم مربع. وتقوم الفكرة على محاولة إيجاد منطقة تفاهم مشترك ممكن تعميمها لاحقا لبناء اتفاق نهائي لإنهاء النزاع.
– إضافة إلى التحفّظات المتوقعة من قبل روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي والناتو، من غير الواضح ما إذا كانت مؤسسات السياسة والدفاع في الولايات المتحدة ستدعم خطّة ترامب، في ظل آراء تعتبر أن التنازل لروسيا في أوروبا يقوض نفوذ الولايات المتحدة في العالم.
– •تدور التحفّظات الأميركية أيضا حول ما تؤثره خطة ترامب في أوروبا وما قد تمثّله من تراجع غربي أمام روسيا من ضعف لموقف الولايات المتحدة في صراعها مع الصين. ناهيك من استخلاص بكين هذا التراجع على نحو يشجعها على التعامل مع قضية استعادة تايوان إلى “الصين الواحدة”.
– رغم اعتبار ذلك مستبعدا ومتطرّفا، يعتبر أنصار ترامب أن الرئيس المنتخب يمتلك سلاح وقف الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا لإجبار كييف على القبول بخطته، ويمتلك التلويح بانسحاب بلاده من حلف الناتو لدفع الحلفاء إلى الإذعان لخطته.
– سيكون ترامب أمام عامل تحالف “صديقيه”، زعيمي روسيا وكوريا الشمالية، في الحرب الأوكرانية، بما سيتداعى على استراتيجيات واشنطن حيال أشكال تحالف بين روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية.
خلاصة:
**لا تمتلك أطراف حرب أوكرانيا إلا مواقف لترامب تؤكد أن الحرب لم تكن لتندلع لو كان رئيسا، ووعودا انتخابية بوقف هذه الحرب في حال عودته إلى البيت الأبيض.
**تتحدث جهات قريبة من ترامب عن خطة لتجميد الصراع في أوكرانيا تقوم على وقف لإطلاق النار وفق خطوط الحرب الحالية وتأجيل الحلّ إلى مراحل لاحقة.
**يتُوقّع أن تلقى خطة ترامب معارضة من قبل روسيا واوكرانيا بسبب عدم تلبيتها لشروط البلدين. لكنها قد تلقى أيضا معارضة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو لأسباب تتعلق بأمن أوروبا، ومن داخل الولايات المتحدة، باعتبارها إذعانا للشروط الروسية وإضعافا لموقف واشنطن وحلفائها.
**يمتلك ترامب ورقة العلاقات الشخصية مع الرئيس الروسي، وورقة الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه بلاده لأوكرانيا، وورقة التبرّم من حلف الناتو، وسط تلويح بالانسحاب منه.
**سيأخذ ترامب عامل الصراع مع الصين في الاعتبار في استراتيجيته حيال أوكرانيا، لعدم إظهار ضعف في أوروبا قد يشجع الصين على تنفيذ خططها في تايوان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.