تونس- الجزائر: تحديات “فاغنر” في أفريقيا
تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
تقديم: بعد تنامي وجود قوات لمجموعة “فاغنر” الروسية الأمنية في ليبيا وبعض بلدان الساحل، يتحدث خبراء في قضايا الأمن الاستراتيجي عن تنامي القلق في الجزائر وتونس من توسّع أنشطة القوات المتعددة الجنسيات التابعة لـ “فاغنر” الروسية وتطوّرها إلى “الفيلق الأفريقي”، لا سيما لجهة احتمال اصطدام هذه القوات مع قوات أميركية أو تابعة لحلف الناتو في المنطقة.
في التفاصيل:
– في 3 فبراير أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في حواره مع صحيفة “Le Point” الفرنسية أن بلاده “ترفض وجود قوات مرتزقة على حدودها وأبلغت روسيا بذلك”.
– في 27 يناير 2025، وقعت الجزائر وواشنطن مذكرة تفاهم غير مسبوقة للتعاون العسكري، بين الجيش الجزائري والقيادة الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم”.
– يرجّح خبراء أن يكون هذا التحوّل هو رد فعل على سياسة روسية في أفريقيا بدأت تتناقض مع مصالح الجزائر في المنطقة. خاصة بعد تعزيز موسكو نفوذها لدى بلدان الساحل، فقد أعلن المجلس العسكري الحاكم في مالي عام 2023 إنهاء اتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر مع الجماعات الانفصالية الشمالية وأبرزها فصائل الطوارق.
– خرجت الخلافات الروسية الجزائرية إلى العلن عبر انتقادات وجهها مندوب الجزائر عمار بن جامع، لدور مجموعة “فاغنر” الروسية في عمليات الجيش المالي شمال البلاد على الحدود مع الجزائر، ودعوته إلى محاسبتها.
– في 2 فبراير 2025، قالت تقارير عسكرية متخصصة بالقارة الأفريقية أن أقمارا صناعية أظهرت قوات تابعة لمجموعة “فاغنر” الأمنية الروسية تقوم ببناء وتوسيع قواعد لوجستية في جنوب ليبيا، بالقرب من الحدود مع تشاد والسودان.
– تشير تقارير استخباراتية أن عدد القوات الروسية في ليبيا ارتفع من 800 جندي في فبراير 2024 إلى 1800 جندي بحلول مايو من العام نفسه. ويرى مراقبون أن مؤشرات جديدة تتوقع تزايد هذه الأعداد بما يوسّع من هذا النفوذ الذي يراه خبراء تحديا أمنيا جديدا على مستوى الحدود المشتركة بين تونس وليبيا.
– في 30 يناير 2025، نقلت وسائل إعلام عن السفارة الروسية لدى تونس أن 11 مواطنا روسيا اعتقلوا تونس قبل شهرين ولا يزالون قيد الاحتجاز بشبهة نشاطات “إرهابية” بعد أن عثرت الشرطة التونسية بحوزتهم على معدات مشبوهة. وصفت وسائل إعلام روسية رسمية أفراد المجموعة بأنهم “سياح” وكانوا يزورون موقع آثار رومانية تابعا لبلدية حيدرة على الحدود مع الجزائر.
– قالت مصادر تونسية مراقبة إن توسّع نفوذ “فاغنر” يضاف إلى مخاوف تونس من تنامي عدد وأنشطة الفصائل المسلحة في ليبيا. أضافت هذه المصادر أنه بسب تحركات 16 فصيلا مسلحا ليبيا وتدفق قوات “فاغنر” إلى ليبيا، باتت تونس والجزائر تعيشان حالة طوارئ حقيقية طيلة سنوات على مستوى الحدود المشتركة مع هذا البلد المغاربي.
– أقرت هذه المصادر أن التداعيات الأمنية لتواجد قوات “فاغنر” في ليبيا تبقى أقل خطورة على تونس من الجزائر. وأوضحت أن قوات تابعة لحكومة عبد الحميد الدبيبة المدعومة من دول حلف الناتو هي التي تتمركز على الحدود الليبية التونسية، إضافة إلى أن تونس هي “شريك متقدم” لحلف الناتو.
– تشير مصادر عسكرية متخصصة إلى الجانب المستجد في أنشطة “فاغنر” بعد تطوّره بتشكيل “الفيلق الأفريقي” الروسي الذي يمتلك خبرات واسعة في الشأن الأفريقي. وبخلاف “فاغنر” التي كانت مجموعة عسكرية شبه مستقلة، يخضع “فيلق إفريقيا” لإشراف مباشر من وزارة الدفاع الروسية، مما يمنح الكرملين سيطرة أكبر على العمليات في ليبيا ودول إفريقية أخرى.
– في مايو 2024 نفت السلطات التونسية صحة تقارير عن وجود عناصر من مجموعة “فاغنر” الروسية في تونس. جاء هذا النفيّ ردا على ما تناقلته وسائل إعلام إيطالية وفرنسية بشأن وجود عناصر من الجماعة الروسية في جزيرة جربة، الواقعة قرب الحدود مع ليبيا.
– قالت تقارير متخصصة إنه بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، بدأت موسكو بإعادة تقييم استراتيجيتها العسكرية في البحر المتوسط وأفريقيا، مع التركيز بشكل متزايد على ليبيا.
– رصدت مصادر بحثية طائرات شحن عسكرية روسية من طراز “أنتونوف “AN-124 في قاعدة حميميم الجوية بسوريا، تقوم بتحميل معدات عسكرية استعدادا لنقلها إلى ليبيا. وارتفع معدل الرحلات اليومية بين سوريا وليبيا، حيث يسعى المسؤولون الروس إلى مواقع بديلة بعد فقدانهم نفوذهم في دمشق.
– قبل سقوط الأسد، كانت روسيا تعتمد على قواعدها العسكرية في سوريا لدعم عملياتها في الشرق الأوسط وأفريقيا، لا سيما في منطقة الساحل، السودان، وجمهورية أفريقيا الوسطى. لكن التغيير في القيادة السورية أربك خطط موسكو، رغم تأكيد الرئيس الجديد، أحمد الشرع، على أهمية العلاقات مع روسيا.
– في 10 فبراير 2025، منعت قوات وزارة الدفاع السورية قافلة عسكرية روسية خرجت من قاعدة “حميميم” الجوية بمحافظة اللاذقية من الدخول إلى قاعدة روسية أخرى في محافظة طرطوس. حيث تتواجد القاعدتان على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وكانت القافلة الروسية تضم 30 مركبة وآلية محملة بالصواريخ.
– يعتقد أن عدم وضوح العلاقة الجديدة بين موسكو ودمشق والضغوط الغربية التي تُمارس على الحكم السوري الجديد لإقفال القواعد الروسية، قد يدفع روسيا إلى نقل كافة جنودها ومعداتها في سوريا باتجاه القواعد في ليبيا، ما من شأنه رفع مستوى القلق في بلدان المنطقة، لا سيما تونس والجزائر.
خلاصة:
**تعبّر تونس والجزائر بمستويات مختلفة عن قلق جراء توسّع حجم وأنشطة قوات المؤسسات الأمنية الروسية في المنطقة وخصوصا في ليبيا.
**ازداد تدفق الوجود العسكري الروسي في ليبيا بعد سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا ما أدى إلى نقل موسكو تدريجيا قواتها في سوريا باتجاه القواعد الروسية في ليبيا.
**سبق لتونس أن اعتقلت مواطنين روس يشتبه في قيامهم بأعمال تجسس، لكنها نفت أنباء إعلامية فرنسية إيطالية عن وجود قوات “فاغنر” داخل الأراضي التونسية.
**إعلان الرئيس الجزائري عن قلق الجزائر من أنشطة “المرتزقة” الروس في المنطقة يضاف إلى ارتفاع منسوب التوتّر بين الجزائر وروسيا والذي أخذ أشكالا علنية.
**يتحدث خبراء عن قلق بلدان المنطقة من إمكانية حصول تصادم بين قوات “فاغنر” وقوات أميركية أو تابعة لحلف الناتو في المنطقة.
**يُعتقد أن توقيع الجزائر على اتفاقات دفاعية مع الولايات المتحدة، تعبّر عن تحوّل في السياسة الاستراتيجية التقليدية للجزائر، كردّ فعل على أنشطة روسيا التي بانت مضرّة بمصالح الجزائر.