توتّر متصاعد في علاقات الجزائر وفرنسا

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تقديم: على رغم جهود لتخفيف مسار التوتّر في علاقات الجزائر وفرنسا، تستمر فرنسا باستخدام لهجة تصعيد إثر تفجّر مجموعة من ملفات الخلاف بين البلدين. وفيما يستعر سجال في باريس بشأن سياسة الحكومة حيال الجزائر، فإن ملفات أمنية واقتصادية تستدعي تهدئة ووقف لتصعيد يستفيد منه اليمين الفرنسي المتطرًف. فما هو جديد الخلاف وخلفياته؟
– في 20 يناير 2025، نقلت وسائل الإعلام عن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قوله: “إن الناس تجهل الجزائر. هناك من يقول نحن نعطيهم مساعدات وأموالاً. الجزائر لا تحتاج إلا الله عز وجل وأولادها فقط. أصدقاؤنا نضمهم ونحبهم، ومن أراد معاداتنا فذاك شأنه”.
– يشير كلام تبون إلى تهديدات فرنسية بوقف مساعدات التنمية التي يوجهونها للجزائر، والتي تقول مصادر فرنسية يمينية متطرفة إنها تصل إلى 800 مليون يورو. فيما تنفي مصادر جزائرية الأمر وتؤكد أن هذه المزاعم تمّ تفنيدها حتى من قبل وسائل الإعلام الفرنسية.
– في 19 يناير، أعلن وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، أنه يتمنى إنهاء العمل باتفاق 1968 الموقع بين فرنسا والجزائر والذي يمنح الجزائريين مزايا عديدة لجهة شروط السفر إلى فرنسا والإقامة والعمل في هذا البلد. وقال إن باريس “أهينت” من قبل الجزائر عندما رفضت السلطات الجزائرية قبل فترة قصيرة أن تستقبل مؤثرا جزائريا رحلته فرنسا إلى وطنه.
– في 10 يناير، رفضت السلطات الجزائرية استقبال أحد المؤثرين بعدما رحّلته السلطات الفرنسية، ما أجبر الخطوط الجوية الفرنسية على إعادته، فيما اعتقلت السلطات الفرنسية مزيدا من المؤثرين الجزائريين بتهم التحريض على العنف ضد ناشطين جزائريين معارضين.
– اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن اعتقال الجزائر لمواطنها الذي يحمل الجنسية الفرنسية، الكاتب بوعلام صنصال، “غير مبرر وغير مقبول”. وأيد اتخاذ تدابير قوية، لأنه دون توازن قوى لن تستقيم الأمور”. وكانت السلطات الجزائرية قد اعتقلت في نوفمبر 2024، الكاتب صنصال في مطار الجزائر قادماً من باريس، من دون أن تكشف مباشرة عن أسباب اعتقاله والتهم الموجهة إليه، لكنها لمحت إلى احتمال أن تكون ذات صلة بما وصفتها “إنكاره وجود أمة جزائرية”.
– •تدهورت علاقات البلدين وفق مجموعة مفاصل سابقة. ففي اكتوبر 2021، شكك الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي للبلاد، عام 1830 متسائلا: “هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟، وقال إن الرئيس تبون رهين لنظام متحجر، مضيفا أنه “يجري حوارا جيدا مع الرئيس الجزائري” و”أرى أنه عالق في نظام شديد التصلب”.
– في نوفمبر 2021، وعلى إثر الردّ الجزائري على ما وصفته بـ”استفزازات إيمانويل ماكرون في حق الأمة الجزائرية”، قال قصر الإليزيه إن “ماكرون يكنّ احتراما كبيرا للأمة الجزائرية ولتاريخها ولسيادة الجزائر، وإنه يأسف للجدل الذي خلفته التصريحات المنقولة عنه”.
– تفاقمت الأزمة بين البلدين في يوليو 2024، حين قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في رسالة وجهها إلى العاهل الغربي، الملك محمد السادس، إن فرنسا تعترف بالمقترح المغربي بخصوص الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء المغربية، في إطار السيادة المغربية كأساس وحيد لحل دائم للقضية. وأضاف: “بالنسبة لفرنسا فأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية”.
– في 15 يناير عاد وزير الخارجية واعتبر أن “لا فرنسا ولا الجزائر لديهما مصلحة في دوام هذا التوتر أكثر”، مؤكدا أنه “مستعد للذهاب إلى الجزائر للتعامل مع كافة القضايا وليس فقط تلك التي كانت في الأخبار في الأسابيع الأخيرة”.
– في 13 يناير، توجه نيكولا ليرنر، المدير العام للأمن الخارجي الفرنسي، إلى الجزائر، وفق ما أوردته صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية. وهو ما بدا حسب الصحيفة الفرنسية “إشارة إيجابية ورغبة في وقف دوامة التوتر بين باريس والجزائر وإبقاء بعض القنوات مفتوحة”.
– يرى مصدر جزائري مراقب أن أمر إصلاح العلاقة بين البلدين بات صعبا، ويتطلب بعض إجراءات الثقة، وخلق ظروف مواتية تشجع عودة الاتصال والمقاربة الدبلوماسية. ويضيف أن اليمين المتطرف مستفيد من حالة التوتر لأنه يرى في الجزائر وفي قضية الهجرة وسيلة لزيادة شعبيته، ويحاول عبر التركيز عليها الالتفاف على قضايا أخرى محورية بالنسبة للفرنسيين.
– تتناول مصادر بحثية أهمية العلاقات الأمنية بين البلدين، خاصة منها المرتبطة بالجهاديين الفرنسيين في سوريا، والتعاون الأمني في منطقة الساحل، وتعتبر أن الملف الأمني هو الأكثر ترشيحا ليبقي على العلاقة بين البلدين.
– شهدا التبادلات التجارية الفرنسية الجزائرية، ارتفاعا بنسبة 5,3 بالمئة خلال سنة 2023، لتصل إلى 11,8 مليار يورو، واحتفظت الجزائر في ذلك العام بموقعها كثاني أهم سوق للمبيعات الفرنسية في إفريقيا.
– تقرّ مصادر جزائرية مستقلة أن “فرنسا مساندة منذ الرئيس شيراك للمغرب، وتبقى أكثر قربا للمغرب من الجزائر، لكنها ترى أن الرئيس ماكرون أخطأ عندما أسرف في المجاملة في زيارته للرباط في اكتوبر 2024. وتعتقد المصادر أنه كان يمكن له في النهاية أن يعبر عن الدعم بطريقة أخرى، دون أن استفزاز السلطات في الجزائر.

خلاصة:

**رفعت باريس من مستوى التوتر مع الجزائر إثر تراكم مجموعة من الملفات، في مقدمها موقف فرنسا الداعم للمغرب في ملف الصحراء.
**تسعى فرنسا لإدارة التوتّر من خلال إرسال مسؤول استخبارات كبير إلى الجزائر، فيما وزير الخارجية يسعى للتخفيف من حدّة التوتّر.
**يتحدث وزير الداخلية الفرنسي عن إهانة الجزائر لبلاده، ويطالب بالتخلي عن اتفاقات تمنح الجزائر امتيازات.
**يرفض الرئيس الجزائري مزاعم ترددها منابر فرنسية، في طليعتها اليمين المتطرّف بشأن معونات اقتصادية فرنسية للجزائر.
**يثير أمر التوتّر بين البلدين سجالا سياسيا داخليا في فرنسا يدعو إلى وقف هذا التصعيد ووقف التوجهات اليمينية القومية في إدارة علاقة تاريخية مع الجزائر.
**يرى مراقبون أن هناك ملفات امنية مهمة بين البلدين لا سيما في قضايا الإرهاب والساحل الأفريقي، وأن هذه الملفات ستجبر البلدين إلى العودة إلى التعاون والحوار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.