توازيا مع قمّة “الناتو” رئيس وزراء الهند في روسيا: ضوء على المقاصد والغايات

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم:
توقف مراقبون دوليون عند دلالات زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي إلى روسيا في الوقت الذي تجتمع فيه 32 دولة في قمّة الناتو في واشنطن. وفيما تعمل واشنطن وحلفاؤها على عزل روسيا، تأتي الزيارة لتأكيد بيئة دولية حاضنة لروسيا ولرئيسها. غير أن في الزيارة حسابات هندية على علاقة بالصين، ما يجعل من مناورة مودي متعدّدة المقاصد والغايات.
جدير هنا قراءة المشهد من خلال النقاط التالية:
– بدأ مودي زيارته إلى روسيا مساء الإثنين 8 يوليو في نفس اليوم الذي شنّت فيه موسكو هجمات صاروخية مكثّفة على كييف، وعشيّة بدء قمّة حلف الناتو (9-11 يوليو) في واشنطن للاحتفال بمرور 75 عاماً على تأسيس الحلف.
– الزيارة هي أول رحلة خارجية لمودي منذ توليه رئاسة الوزراء للمرة الثالثة الشهر الماضي، وهي الأولى له منذ عام 2019. وتعتبر زيارته لروسيا بدل زيارته الدول المجاورة مثل بوتان أو سريلانكا أو المالديف عقب ولايته الجديدة، كسراً للعرف الذي اتبعه زعماء الهند، وفق “بلومبرغ”.
– للزيارة دلالة على الأهمية الكبيرة التي لا تزال نيودلهي توليها للعلاقات التاريخية مع موسكو، على رغم كل الإغراءات الأميركية لمودي للابتعاد عن الكرملين في زمن الحرب الروسية-الأوكرانية. ويعتبر مراقبون أن الزيارة توضح للغرب فشله في عزل روسيا.
– تشترك الهند وروسيا في علاقات دفاعية واستراتيجية وثيقة من أيام الحرب الباردة. ولا تزال موسكو موردا رئيسيا للأسلحة. بالمقابل فإن للهند، التي تحتفظ بواحد من أكبر الجيوش في العالم، نزاعات حدودية طويلة الأمد مع جيرانها، باكستان والصين.
– على الرغم من أن نيودلهي قد نوعت مخزونها من الأسلحة في العقود الأخيرة من خلال شراء أنظمة الأسلحة الأمريكية والفرنسية والإسرائيلية، إلا أنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على روسيا. وكانت هناك مخاوف من أن للحرب في أوكرانيا تأثير على صادرات روسيا الدفاعية نحو الهند. فيما تحدثت تقارير عن تأخر روسيا في إمدادات بعض قطع الغيار وتسليم نظام الدفاع المضاد للصواريخ S-400 المتبقي للهند، وأن هذه الأمور تناقش خلال الزبارة.
– على مدى السنوات العشرين الماضية، أقام الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، علاقات وثيقة مع الهند بصفتها حصنا ضد التهديد الذي تشكله الصين. وأصبحت الهند أيضا عضوا في الرباعية – وهو منتدى استراتيجي مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان – والذي ينظر إليه على أنه تحالف لمواجهة النفوذ الصيني في آسيا والمحيط الهادئ. –
– تثبت زيارة مودي أنه ما دام هناك دول بحجم الهند والصين تمضيان في توثيق شراكتهما الاقتصادية مع روسيا، فإن ذلك يفرغ العقوبات الغربية من مضمونها إلى حد كبير، ويوفر رافداً مالياً للكرملين يعوض ما فقده بسبب الحظر الغربي.
– لم تخف واشنطن قلقها من زيارة مودي لروسيا، بينما أبدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “خيبة أمله” من معانقة رئيس وزراء “أكبر ديموقراطية في العالم” لبوتين، في اليوم الذي أمطرت فيه الصواريخ والمسيّرات الروسية كييف ومدناً أوكرانية أخرى، ما أسفر عن مقتل أكثر من 40 شخصاً.
– حث المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر مودي “كما نفعل مع أي بلد عندما يتعامل مع روسيا، على توضيح أن أي حل للنزاع في أوكرانيا يجب أن يكون حلا يحترم ميثاق الأمم المتحدة، ويحترم السلامة الإقليمية لأوكرانيا، وسيادة أوكرانيا”. أضاف “لقد أوضحنا بشكل مباشر مع الهند مخاوفنا بشأن علاقتهم مع روسيا”.
– كانت الهند قد أحجمت عن التنديد بالهجوم الروسي على أوكرانيا، وامتنعت عن التصويت على القرارات التي دانت موسكو في الأمم المتحدة. ولا تزال المشتري العالمي الثاني، بعد الصين، للنفط الروسي والمستورد الأول للأسلحة الروسية.
– ارتفعت مبيعات النفط الروسي للهند من 2.5 مليار دولار في عام 2021 إلى 46.5 مليار دولار في 2023، وفق بيانات وزارة التجارة الهندية. وتشتري الهند النفط الروسي بأسعار لا تتجاوز 60 دولاراً للبرميل، وهو السقف الذي حددته مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، في محاولة للحد من الموارد المالية للكرملين.
– تم تمويل المجهود الحربي لبوتين في جزء كبير منه من خلال المشتريات الهندية من المنتجات النفطية الروسية، والتي زادت بنحو 20 ضعفا منذ عام 2021. وبالمثل، تأمل روسيا أن تبقي الهند على مسافة من الولايات المتحدة.
– تجاهلت الهند مناشدات أميركية للنأي بنفسها عن الأسلحة الروسية. ففي الأسبوع الماضي، أعلنت شركة “روستك” الروسية العملاقة للأسلحة أنها في صدد إنتاج ذخائر مضادة للدبابات في الهند، من أجل تزويد الجيش الروسي بها. كمان أن المفاعلات والمفاعلات النووية الهندية تعمل بالوقود الروسي بينما البرنامج الفضائي الهندي يحتاج إلى الخبرات الروسية في هذا المجال.
– تكشف الزيارة عن رغبة من مودي في التأكيد لبوتين، أن نيودلهي لم تغرق تماماً في أحضان الغرب، على رغم أن التعاون الهندي-الأميركي بلغ أعلى المستويات منذ عقود، وفق ما نقلت صحيفة “الواشنطن بوست” عن محللين هنود.
– يرمي مودي من التمسك بـ”العلاقات الاستراتيجية الخاصة والمميزة” مع موسكو، إلى إقناع بوتين بعدم تسليم كل أوراقه للصين التي يقيم مع رئيسها شي جين بينغ “شراكة بلا حدود”. وهذا يقوي موقع روسيا في قلب هذه الشراكة.
– يمكن لبوتين أن يستعرض من خلال علاقته مع الهند تمتعه ببعض الاستقلالية في علاقته مع الصين. وهو عامل يضاف إلى الزيارة اللافتة التي قام بها الرئيس الروسي لكوريا الشمالية الشهر الماضي، على رغم عدم ملاقاتها بالارتياح في بكين.

خلاصة:

**على رغم العلاقات الجيدة للهند مع الولايات المتحدة، فإن زيارة مودي لروسيا دليل على سعيّ نيودلهي للحفاظ على استقلاليتها وحيادها في الصراع بين موسكو وبكين، مع تأكيد الحاجة إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع العاصمتين.
**الزيارة محاولة هندية لاستمرار التقارب التاريخي مع روسيا لإيجاد توازن في توتّر علاقات الهند مع الصين. وهي هدية لموسكو يسمح لها بمزيد من هامش الاستقلال عن الصين كما تدل على ذلك زيارة الرئيس الروسي لكوريا الشمالية.
**على رغم الريبة الأميركية من زيارة مودي لروسيا وتوقيتها، فإن الهند تسوّق أن صداقتها مع روسيا تجعل من نيودلهي محاورا جيدا بين الغرب وموسكو.
**فيما تمكنّت الهند من تنويع مصادر أسلحتها غربا، غير أنها ما زالت تعتمد بشكل كبير على الصناعات الروسية العسكرية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.