تقدير موقف ميداني من السودان:
اقتراب الحسم العسكري للصراع بين الدعم السريع والحركات المسلحة في شمال دارفور
ذوالنون سليمان، مركز تقدم للسياسات
شهدت مناطق واسعة من ولاياتي غرب وشمال دارفور معارك ضارية بين قوات الدعم السريع والقوة المشتركة للحركات المسلحة، حلفاء الجيش في الحرب الدائرة منذ أبريل 2023, تركزت المواجهات في ثلاث مناطق رئيسية تمثل عمق استراتيجي للقوتين وإحدى مصادر قوتهم الرئيسية في المعركة من حيث خطوط الامداد وتمركز حواضنهم الاجتماعية وموقعها الجغرافي من المدن الرئيسية والحدود..
– تسعى الحركات المسلحة من هذه المعارك إلى فك الحصار عن قواتها في الفاشر، من خلال إيقاف الهجوم عبر استهداف خطوط إمداد قوات الدعم السريع ومراكز امدادها، أو التسلل مباشرة إلى حامية الفاشر العسكرية
• السيطرة الكاملة على الحدود الثلاثية التي تجمع السودان وليبيا وتشاد، وتدمير قواعد وحواجز الدعم السريع في مناطق الصحراء الكبرى في وادي هور، ووادي أمبار، وبئر مزة و مرقي.
• يهدف الجيش إلي استنزاف قوات الدعم السريع في معارك ضد الحركات المسلحة لإيقاف تقدمه العسكري في باقي الولايات، واستعادة المواقع السيادية بالخرطوم من خلال إغراق الدعم السريع في حروب الأطراف ذات الطابع الاثني.
• شاركت الحركات المسلحة مجتمعة في عملية إنقاذ الفاشر عبر تشكيل مجموعات تتكون من قواتها المتواجدة في ولاية الشمالية والحدود الليبية السودانية والحدود التشادية، بعد فترة إعداد طويلة لمقاتلين جدد، واستقطاب مقاتلين متمرسين على أساس اجتماعي، بقيادة نوعية، تمثل القوة الصلبة للحركات المسلحة.
• يلاحظ مشاركة القائد فيصل صالح، رئيس هيئة أركان حركة تحرير السودان بقيادة مناوي، في المعارك بعد فترة طويلة من تمسكه بالحياد وتفضيله البقاء في الحدود الليبية، أيضا شارك القائد عبد الله بندا، القائد العام الأسبق لقوات العدل والمساواة، في العمليات الدائرة على الرغم من عدم تواجده تنظيميا في القوة المشتركة أو هياكل الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا، ينطبق ذلك على القائد صلاح جوك المفتش العام بحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، مما يعكس انحراف الصراع الي قتال إثني بحكم انتمائهم القبلي.
• شددت السلطات التشادية إجراءاتها الأمنية على الحدود مع السودان، وذلك بنشر تعزيزات عسكرية على طول الحدود الفاصلة بين البلدين، نتيجة لتصاعد العمليات العسكرية في دارفور.
تحليل سير العمليات، هزيمة ساحقة للحركات المسلحة:
• المواجهات المباشرة بين قوات الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش وقوات الدعم السريع، كانت في ثلاث محاور رئيسية، المحور الشمالي الغربي ” الصياح ومدو والمالحة” القريب من الفاشر وصحراء الحدود الليبية السودانية, ومحور غربي يتمثل في منطقة بير مزة والمزروب وبير ديك التي تعتبر مدخل للحدود التشادية, ومحور غرب دارفور, كلبس وسروج القريبة من الحدود التشادية, استطاع الدعم السريع تحقيق هزيمة ثقيلة علي قوات الحركات في المحاور الثلاثة, وإحراز تقدم ميداني وإظهار مقدرة قتالية في محاور الصحراء حتى الان, مما يضع الحركات أمام خيارات مصيرية في حالة مواصلة الدعم السريع تفوقه عليها, تنحصر بين التنازل عن قتال الوكالة بالإنابة عن الجيش والإسلاميين في الفاشر أو تعريض قوتهم العسكرية الصلبة للضعف والخروج من معادلات القوة العسكرية مؤقتا .
• المواجهات العسكرية بين القوة المشتركة وقوات الدعم السريع خارج مدينة الفاشر، تأتي امتدادًا للمواجهات الدامية التي تشهدها العاصمة التاريخية لإقليم دارفور منذ مايو الماضي, لتصبح اخر الولايات المتبقية خارج سيطرة قوات الدعم السريع بدارفور, والتي ينحدر منها غالبية قيادات وأفراد الحركات المسلحة, مما وضعها في قالب صراع النفوذ والسيطرة بين المكونات الاجتماعية-العرب والزغاوة- مصحوبة بإرث تاريخ طويل من الصراع الدموي على الموارد والسلطة, على نحو يهدد بتحول الحرب السياسية إلي حرب أهلية تتغذى من عوامل التاريخ والجغرافيا ومخططات قوي الحرب في بورتسودان لتصبح حرب وجود وبقاء.
• تخشي الحكومة التشادية من تسلل العناصر المسلحة من كلا الطرفين الى الحدود، وبشكل خاص الجماعات المعارضة للحكومة إلى داخل تشاد انطلاقًا من الأراضي السودانية، كما تتخوف من تحركات فردية من قبل قواتها لدعم القوة المشتركة والحركات المسلحة على أساس عرقي اجتماعي, حيث يرتبط العديد من قيادات الجيش بصلات دم مع الحركات المسلحة في السودان والفاشر بحكم الامتداد القبلي,
خلاصة:
• انتصار قوات الدعم السريع في معارك الصحراء المفتوحة مع القوة المشتركة سيزيد من فرص سيطرتها على مدينة الفاشر وحامية الجيش الآيلة للسقوط، وفي ذات الوقت سيعقد الوضع القتالي للقوة المشتركة، الأمر الاخر، سيفتح الباب واسعا أمام الدعم السريع لاستكمال هياكل سلطته الإدارية بدارفور والتفرغ لحربه مع الجيش في الولايات الوسطى والشرقية والشمالية.
• على المقلب الاخر، نجاح القوة المشتركة سيصعب من مهمة الدعم السريع في الفاشر، وستدفعه لتغيير استراتيجيته القتالية في المناطق الأخرى.
• حتى الان، تشير التوقعات لنجاح الدعم السريع في تحييد الحركات المسلحة، وحسم معركة الفاشر، إذا لم يتدخل عامل خارجي لصالح الحركات والقوة المشتركة.