تقدير موقف: مستقبل تنظيم الدولة الإسلامية بعد طرده من شرق الفرات

* مركز تقدم العربي للسياسات


في 
ضوء إعلان غالبية الأطراف الاقليمية والدولية بداية نهاية داعش، تقدم هذه الورقة تقييما لحالة التنظيم بعد هزيمته في آخر معاقله المأهولة في سوريا، مع تقييم
للخسائر
الذي مني بها في العدة والعديد، اضافة لنقاط القوة التي لازال يتمتع بها والخطر الذي لازال يشكله على دول المنطقة، كما توضح الورقة خصوصية التنظيم والسبب الذي يحول دون تحوله لفصيل جهادي تقليدي أو اندماجه ضمن فصائل ارهابية أخرى ، والأسباب التي ترجح عودته واستمراره في المدى المتوسط.

 

داعش ما بعد الباغوز:

ـ مثل الباغوز آخر منطقة مأهولة سيطر عليها التنظيم، بعد أن كان يسيطر على نحو 40,000 ميل مربع ويحكم أكثر من ٨ ملايين من السكان ما بين العراق وسوريا.

ـ ما بقي له في سوريا والعراق مناطق نائية صحراوية خالية من حواضر مدنية أو بنية تحتية، لا آبار نفط ولا ضرائب وإتاوات يرفد بها خزانه المالي بعد الآن.

ـ المجال الحيوي للتنظيم تقلص إلى هامش ضيق للمناورة والتنقل بين الحدود السورية العراقية، ما يعني أيضا صعوبة رفد الخزان البشري للتنظيم بدماء جديدة، سواء من دول المنطقة أو الخارج.

ـ سيفتقر داعش للموارد والامدادات أو أقله ستصبح بدرجة عالية من الصعوبة في الوقت الراهن قبل أن يعمل التنظيم على اعادة ترتيب صفوفه وفتح شرايين جديدة عبر شبكة من المهربين والأنفاق. وكل هذا متوقف على مدى الأريحية التي سيتمتع بها التنظيم في المنطقة الأخيرة بين البلدين،

ـ الخسائر البشرية في صفوف التنظيم هي الأقسى على الإطلاق، فقد كانت معركة الباغوز الأخيرة استثنائية بالنسبة لداعش وأشد وقعا عليه من عمليات خسر بها عواصمه وحواضر خلافته سابقا كالرقة في سوريا والموصل في العراق، ففي المعركة الأخيرة لم يعط التنظيم رفاهية الانسحاب المنظم، واستمرت المعركة حتى أجبر جل عناصره المتبقين وعوائلهم على تسليم أنفسهم لقوات قسد، فيما كان الموت مصير العناصر التي رفضت الاستسلام.

ـ تحتجز قسد في مخيم الهول الذي تم تخصيصه لكل من خرج من الجيب الأخير للتنظيم، نحو ٧٠ ألف شخص بين مدنيين وعناصر من التنظيم وعوائلهم.

– بين المحتجزين نحو ٨٥٠٠ عنصر من عناصر داعش من ضمنهم ١٨٠٠ مقاتل يحملون جنسية بلدان أوربية، والبقية من جنسيات سورية وعراقية ودول عربية أخرى.

– عدد الذين تم اعتقالهم من قبل قسد يعادل نحو ثلث تعداد مجمل التنظيم في كل من سوريا والعراق، وهو اضافة للخسارة التي تشكلها بالنسبة لمجموع التنظيم، فمن المؤكد أن بحوزتهم معلومات ستسهل عملية تعقب البقية والوجهات التي قصدوها بالإضافة لمعلومات استخباراتية أخرى.

– الملاحظ أن ” قسد” أو قوات التحالف لم تتمكن من اعتقال أيا من قيادات الصف الأول أو الثاني في تنظيم داعش خلال حملتها الأخيرة.

مصير المحتجزين:
– حتى اللحظة ترفض الدول الغربية والعربية استقبال مواطنيها المنضمين لداعش والراغبين في العودة إلى بلدانهم الاصلية.

– يجري الحديث في الأروقة الخلفية ( قسد والتحالف )عن انشاء محكمة دولية خاصة في شرق الفرات كخيار بديل يجنب الدول الغربية استعادة مواطنيها، إلا أن حظوظ هذا الطرح لاتزال ضعيفة نظرا للتعقيدات القانونية الدولية التي تحتاجها، وأحداها موافقة النظام السوري وهو أمر مستبعد القبول به من الأطراف الأوربية والأمريكية.


– الأوضاع السياسية في كل من سوريا والعراق لا تبشر بإمكانية إطلاق أي برامج لعملية اعادة ادماج للمقاتلين” التائبين” وعوائلهم والذين يشكلون السواد الأعظم من الذين تتحفظ عليهم قسد في مخيم الهول.

– الوضع في مخيم الهول ينذر بكارثة انسانية بحق عوائل التنظيم والمدنيين الآخرين المحتجزين وسط توثيق موت العشرات اسبوعيا سيما بين الأطفال نتيجة الظروف القاسية للمخيم ونقص الخدمات الطبية والمساعدات الغذائية والأدوية.

– هناك تململ في صفوف “قسد” من تلكئ التحالف الدولي في تقديم حل للمحتجزين وسط إعلان عجزها الاستمرار في القيام بأعباء المخيم.

وضع داعش الراهن:

– أعداد قليلة تمكنت من الفرار عبر شبكات تهريب شارك بها عناصر من الوحدات الكردية، مكنت الأثرياء من التنظيم ومن بحوزتهم الأموال والذهب من الفرار باتجاه الحدود التركية أو مناطق في ريف ادلب التي تقع تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وحراس الدين.

– البقية من عناصر التنظيم تجمعوا في المنطقة الصحراوية الممتدة من بادية حمص الشرقية حتى صحراء الأنبار على الجانب العراقي من الحدود.

– التنظيم لايزال يمتلك بين ١٥ إلى ٢٠ ألف مقاتل في صفوفه جميعهم ينتشرون في المنطقة الصحراوية الممتدة على طرفي الحدود العراقية السورية

– لايزال التنظيم يمتلك مقومات بقائه واستمراره، فعصب القيادة لايزال سليما ومتماسكا، ولم يتعرض لضربه في مركزه كتنظيم بل خسائره كانت في تعداد الأفراد المقاتلين وليس القادة أو المنظرين. 

– عدد ٢٠ ألف مقاتل لا يبدو بالرقم البسيط، نظرا للاستراتيجيات التي انتهجها داعش، فهؤلاء بكل تأكيد يشكلون تهديدا مستمرا على كافة الأطراف التي يتواجدون على تماس معها.

– ما جرى هو ترحيل خطر التنظيم مؤقتا عن خطوط التماس مع مناطق تواجد الأمريكي وحلفائه، إلى مناطق التماس مع أعدائها وتحديدا القوات الإيرانية وميليشياتها وحلفائها بما فيهم قوات النظام السوري.


خصوصية داعش:

– ما يمز داعش عن غيرها من التنظيمات الجهادية، هي درجة التعقيد في الإدارة والحكم التي استطاع داعش الوصول إليها، وتمتعه بمقومات الدولة في مراحل ذروته عام ٢٠١٥ قبل أن تبدأ مرحلة الانهيار الشامل.

– استطاع التنظيم اظهار القدرة على القيام بأعباء الخدمات والأمن وتسيير أمور السكان في مناطق سيطرته، وطور مفاهيم جديدة للحكم وللقيام بشؤون” الدولة “وصلت حد صك العملة الخاصة به واستصدار بطاقات شخصية وتنظيم شؤون العقارات والتجارة والزراعة وجني الضرائب وتوزيع الخدمات.

– وصل داعش لمرحلة متقدمة من التطور السياسي وخبرة في التعامل مع كافة الأطراف وحجم البراغماتية التي تمتع بها والتي جعلته يعقد صفقات مباشرة وغير مباشرة مع دول وحكومات في المنطقة بما في ذلك بيع النفط للنظام.

– أظهر داعش مهارة في اللعب على التناقضات بين الدول الاقليمية المتنافسة، وامتلك ما يمكن تسميته بالسلك الدبلوماسي السري، الذي شكل ذراع التنظيم في التنسيق مع أجهزة المخابرات الاقليمية والمنظمات المدنية وحتى الشركات التجارية الدولية كما أظهرت فضيحة شركة لافارج الفرنسية.

– طور شبكة استخباراتية متقدمة وأكسبها طابعا مؤسساتيا منظما وذو درجة متقدمة من التعقيد.

– أولى أهمية خاصة لاسيما في العراق لعمليات تطوير الأسلحة الكيميائية، بعد استعانته بخبراء وعلماء بحسب عدة تقارير كان أحدها للنيويورك تايمز اعترف أحد العلماء الكيميائيين العراقيين بإعطائه التنظيم أسرار تركيب وتصنيع الأسلحة الكيميائية

– لداعش قدرة متفوقة في البروباغندا الإعلامية التي أبدع فيها عبر اصداراته المطبوعة والمسموعة والمرئية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي بشكل عام، والتي كانت أداته الرئيسية في كسب تعاطف الكثير من المسلمين حول العالم بعد أن استغل المظلومية السنية المنتشرة في المنطقة، ومن المتوقع أن يعود للتركيز عليها في المرحلة القادمة لإعادة تحسين صورته بعد الهزائم المادية والمعنوية.

 

خلاصة:

– رغم الخسائر المادية والبشرية الكبيرة وخسارة الجغرافيا وانهيار الدولة ، الا انه يصعب على المحلل اختصار مستقبل التنظيم بقدرته على خوض حرب العصابات وهجمات الذئاب المنفردة، إن كان في دول المنطقة أو في الغرب، فالأسباب التي استدعت ظهور داعش وكل الحركات الإرهابية في المنطقة لا زالت قائمة ، واهمها استمرار الدولة التسلطية وفشل التنمية في كافة المجالات وانتشار الفساد وتزايد معدلات الفقر والبطالة ، وأزمة الهوية والتعسف في معالجة مشكلة الأقليات القومية والعرقية والدينية ، والتبعية السياسية والاقتصادية للمركز الغربي .

  – الخبرة التي اكتسبها التنظيم والقدرات التي استطاع تنميتها والعقول التي استقطبها خلال مرحلته الذهبية تعني بأن التنظيم لن يعود إضافة رقمية للمجموعات الجهادية التقليدية المنتشرة في المنطقة. ومن غير المستبعد ان يستفيد التنظيم من اختلاف المصالح والاستراتيجيات بين الدول الإقليمية والدولية حول سوريا والعراق، ومن تعثر استعادة مؤسسات الدولة في كلا البلدين ونوع من الرضى الشعبي والتوافق الداخلي. فمن ثغرات الدول الفاشلة وغياب التسويات السياسية يتسلل الفايروس الإرهابي وبصيغتة المتطورة والجديدة.

– قد يأتي حشر التنظيم وإجباره على نقل مجمل ثقله العسكري والبشري إلى بادية سوريا والعراق، بنتيجة عكسية سببها تجمع التنظيم مجددا واتحاده في منطقة واحدة ممتدة على حدود دولتين يكسبه مجالا حيويا أوسع وهامش أكبر من الحركة تمكنه من شن هجمات منظمة على أهداف داخل سوريا والعراق وليس فقط هجمات عشوائية بأسلوب الذئاب المنفردة.

 – التنظيم في العراق تحديدا لازال يمتلك قوة لا يستهان بها، وكافة المصادر تشير بأنه يمر بمرحلة ترقب وانتظار واعادة ترتيب صفوفه، لاسيما أنه خرج من الموصل نحو صحرائها بكافة عناصره وعتاده.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.