تركيا تطالب بقوة بعضوية الاتحاد الأوروبي: الظروف والخلفيات
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: في ظل ما أثارته مواقف الرئيس الأميركي بشأن السلم في أوكرانيا ومستقبل الأمن في أوروبا، أعادت تركيا من جديد طرح نفسها شريكا في أية هيكلة جديدة للبناء في القارة، كما أكدت رغبتها الدائمة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وسط ظهور مناخ جديد داعم داخل حلف الناتو والاتحاد.
– في 13 مارس 2025، كشفت وكالة بلومبيرغ، أنه في ظل التحديات الأمنية التي تهدد أوروبا تحت إدارة ترامب، فإن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، دعا قادة الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز التعاون مع تركيا. وبحسب الوكالة، فقد تكون القوات التركية جزءاً من أي مهمة حفظ سلام في أوكرانيا في المستقبل، مما يعزز دور تركيا في الساحة الأوروبية والدولية.
– في 12 مارس، لفت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى عدم إمكانية وضع حد لتراجع نفوذ الاتحاد الأوروبي دون العضوية الكاملة لبلاده في التكتل، موضحا أن أنقرة تتمتع بمكانة لا غنى عنها في مستقبل البنية الأمنية الأوروبية.
– أضاف في حضور رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، في أنقرة أنه “إذا أراد الاتحاد الأوروبي منع أو حتى عكس تراجع نفوذه ومكانته، فإنه لن يتمكن من تحقيق ذلك إلا من خلال العضوية الكاملة لتركيا”. وأشار إلى: “أننا نبلغ باستمرار محاورينا برغبتنا في تعزيز تعاوننا مع الاتحاد الأوروبي على أساس المنفعة والاحترام المتبادلين”، مؤكدا أن العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي هدف استراتيجي لتركيا.
– بالمقابل قال رئيس وزراء بولندا إنه قدم “مقترحاً واضحاً لتركيا لتتحمل أكبر قدر ممكن من المسؤولية المشتركة” من أجل السلام في أوكرانيا والاستقرار الإقليمي. وأعرب، وهو الرئيس الدوري لمجلس أوروبا، عن الأمل في أن تكون عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي واقعية الآن. لطالما دعمنا تركيا في هذا الصدد وسنواصل القيام بذلك“.
– في 11 مارس، نقلت صحيفة فايننشال تايمز عن الأمين العام للحلف الأطلسي، مارك روته، دعوته، في محادثات خاصة، قادة الاتحاد الأوروبي إلى تكثيف انخراطهم مع الرئيس التركي بعد سنوات من العلاقات المتوترة.
– في 7 مارس، أكد أردوغان تمسك بلاده بهدف الانضمام للاتحاد الأوروبي، معربا عن تطلع بلاده لتبني الاتحاد الأوروبي مواقف استراتيجية ذات رؤية وإحياء مفاوضات العضوية. وشدد، في كلمة له خلال اجتماع زعماء الدول ذات التفكير المماثل الذي نظمه الاتحاد الأوروبي عبر الإنترنت، على أن التخطيط مع تركيا بشأن الأمن الأوروبي سيصب في المصلحة المشتركة للجانبين.
– تسعى تركيا منذ سنوات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دون تحقيق تقدم كبير، حيث يتعلل الأوروبيون بعدم توافق أنقرة مع معايير كوبنهاغن، التي تتطلب من الدول المرشحة اعتماد سياسة اقتصادية قائمة على السوق المفتوح، وضمان وجود مؤسسات قوية تعزز الديمقراطية وسيادة القانون.
– في 6 مارس، قال وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، إن سياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حيال أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بمثابة “دعوة لأوروبا للاستيقاظ لكي نتحدّ ونصمّم مركز ثقل خاص بنا”، مضيفاً أن تركيا تريد أن تكون جزءاً من أي بنية أمنية أوروبية جديدة إذا انهار حلف الناتو.
– في 2 مارس، استضافت بريطانيا قمة أوروبية استثنائية، بمشاركة 10 قادة أوروبيين، إضافة إلى كندا وتركيا، التي مثلها وزير الخارجية، حقان فيدان، إضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وكان لافتاً دعوة تركيا، بما كشف عن توق لتوسيع رقعة مشاركة دول أوروبية لإقامة منظومة دفاع ذاتية تكون مكمّلة أو مستقلة في حال قرر الرئيس الأميركي سحب مظلة الحماية الأميركية عن أوروبا.
– نُقل عن دبلوماسي أوروبي كبير إن تركيا لديها وجهات نظر مهمة للغاية بشأن ما هو مطلوب لتحقيق السلام في أوكرانيا، لا سيما أن أردوغان نجح في تحقيق توازن في علاقته مع الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال الحرب.
– يلفت مراقبون إلى أن دور تركيا يتصاعد في إعادة هيكلة الأمن الأوروبي، خاصة في ظل الحرب الأوكرانية والتغيرات في السياسة الأميركية، وسط مخاوف أوروبا من توجهات واشنطن.
– بالمقابل يلاحظ دبلوماسيون أن تركيا برزت كشريك رئيسي محتمل في إعادة هيكلة الأمن الأوروبي في وقت تسعى فيه القارة جاهدة لتعزيز دفاعها والبحث عن ضمانات لأوكرانيا في أي اتفاق لوقف إطلاق النار يتم التوصل إليه بمساعٍ من الولايات المتحدة.
– رأت مصادر أميركية مراقبة انه مع سياسة الرئيس الأميركي الجديدة أصبح من الممكن أنّ تنضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد سنوات من الجمود في بروكسل. وأوضحت أن الانقلاب الذي قام به ترامب على السياسة الخارجية الأوروبية، يمنح الرئيس التركي ثقة متجددة، ويدفع مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في تحالفاتهم.
– يقول مراقبون أوروبيون أنه ما تزال هناك ملفات عالقة تحول دون انضمام تركيا إلى الاتحاد، وأهمها ملف العلاقات التركية اليونانية، التي يصعب تطبيعها الآن، بسبب ملفَّي جزر بحر إيجه، والتنقيب عن الغاز والثروات المعدنية شرق البحر المتوسط.
كما تلعب الأزمة القبرصية أيضاً دورا ضاغطًا في عدم إنجاز الانضمام، إذ تملك كل من اليونان وإدارة قبرص الجنوبية حق الاعتراض داخل الاتحاد، وتعطيل انضمام تركيا.
خلاصة:
**رغم تعثّر جهود تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإن السياسات التي ينتهجها الرئيس ترامب حيال أوروبا، بما في ذلك احتمال سحب الحماية الأميركية عن القارة، أعادت إنعاش آمال في فتح المفاوضات مع النادي الأوروبي وسط توفّر اجواء مناسبة لتحقيق ذلك.
**في ظل البحث عن هيكلة جديدة لأمن أوروبا في ظل انكفاء الولايات المتحدة، تعلن تركيا أنها ستكون جزءا من الهيكلة القادمة لمنظومة الأمن في القارة.
**بسبب خبرة ووساطة تركيا ما بين روسيا وأوكرانيا، فإنها مرشحة لتكون جزءا من القوة الأوروبية المقترح نشرها في أوكرانيا لضمان أي اتفاق لإنهاء الحرب.
**على قاعدة الحاجة إلى الشراكة مع تركيا في أمن أوروبا، يضغط حلف الناتو على الاتحاد الأوروبي لمزيد من التقارب والتشاور مع تركيا والرئيس أردوغان.
**رغم الطابع الأوروبي-الغربي للقمم الأخيرة في باريس ولندن وبروكسل، فإنه تمت دعوة تركيا للمشاركة بها، ما يكشف اختلاط الأوراق، بما يعزز دور تركيا في أمن القارة وإمكانية تقوية ملفها للانضمام إلى الاتحاد.
**على أساس إدراكه لحاجة أوروبا إلى تركيا لضمان أمن القارة، فإن أردوغان يطالب مباشرة بمقايضة ذلك بعضوية داخل الاتحاد الأوروبي.
**تقود بولندا، المتوتّرة جدا في أي تسوية لصالح روسيا في أوكرانيا، حملة داعمة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ما من شأنه توسيع تيار أوروبي داعم لهذا الخيار وقطع الطريق على اعتراضات سابقة في هذا الصدد.