ترامب يسقط شرط التطبيع عن اتفاقاته مع السعودية: هل انتهى عصر التطبيع؟

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تقديم: سرّبت واشنطن معلومات أولية تفيد بأن الرئيس الأميركي أسقط شرط التطبيع مع إسرائيل لإبرام اتفاقات ذات طابع استراتيجي مع السعودية. يمثل الحدث تخليا عن سياسة لطالما اعتبرها ترامب منذ ولايته الأولى أساسا للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط وهدفا رئيسيا لها. فما هي خلفيات هذا التطوّر وتداعياته على سياقات التطبيع الراهنة والمحتملة؟

في التفاصيل:

-في 8 مايو 2025 نقلت وكالة “رويترز” عن مصدرين مطّلعين أن الولايات المتحدة تخلّت عن اشتراط تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مدخلا للتقدّم في محادثات التعاون النووي المدني مع الرياض.
-في 25 أبريل، أعلن ترامب في مقابلة مع مجلة “تايم”، الأميركية عن خططه لإبرام اتفاقات مختلفة مع دول منها إيران والسعودية. وتوقع انضمام السعودية إلى اتفاقيات أبراهام، للتطبيع العلاقات مع اسرائيل.
-في 14 أبريل، أعلن وزير الطاقة الأمريكي، كريس رايت، أن بلاده والسعودية تعتزمان توقيع اتفاقية للتعاون في تطوير برنامج نووي مدني بالمملكة.
-يأتي التحوّل في موقف واشنطن وترامب بالذات، بشأن اسقاط شرط التطبيع مع إسرائيل، قبل أيام من زيارته إلى السعودية في 13 مايو تقوده بعد ذلك إلى قطر والإمارات.
-في 9 مايو، قال موقع I24 الإسرائيلي إن الخبر “مثير للقلق بالنسبة لإسرائيل، حيث أن إدارة جو بايدن، سلف ترامب في المنصب، كانت دائمًا تشترط التطبيع مع إسرائيل لتحقيق كلا الأمرين”.
-لفت الموقع إلى أن إسرائيل وافقت في السابق على إنشاء منشأة نووية مدنية في السعودية، ولكنها قدمت كل أنواع التحفظات والخطوط الحمراء. وتشاورت إدارة بايدن مع كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ويائير لابيد بشأن قضية تلك الخطوط الحمراء. وتساءل الموقع عما إذا كان ترامب قد تشاور على الأقل مع إسرائيل بشأن هذه القضية.
-يعكس التطوّر، وفق مراقبين، خضوع الطرف الأميركي لواقع رفض الرياض أي تطبيع مع إسرائيل من دون قيام دولة فلسطينية وفق ما كررته البيانات والمواقف السعودية خلال عهد الرئيس السابق جو بايدن، تمسّكا بالمبادرة العربية (السعودية أساسا) التي اعتمدتها القمّة العربية في بيروت عام 2002.
-يرى محللون أن هذا التحوّل الأميركي الذي لم يعلن رسميا من قبل الإدارة الأميركية يُعد بداية انسحاب من الجهود التي بذلتها إدارته في ولايته الأولى كما إدارة بايدن من بعده لممارسة ضغوط على المنطقة من أجل إقناع دولها بالانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية الني ضمت منذ عام 2020 كل من الإمارات والسودان والمغرب والبحرين.
-تذهب بعض المصادر المراقبة إلى أن الحدث قد يؤشّر إلى تراجع أولوية التطبيع بين العرب وإسرائيل لدى الإدارة الأميركية في رسم استراتيجياتها في الشرق الأوسط، ما قد يؤثر على متانة الاتفاقات الإبراهيمية نفسها والحاجة الأميركية إلى استمرارها كإنجاز أميركي وجب المحافظة عليه.
-أضافت المصادر أن شعار “أميركا أولا” بات ينسحب على هذا الملف، بمعنى أن تلك الأولوية تفرض التركيز على علاقات الولايات المتحدة الثنائية مع دول المنطقة والتي يجب فصلها عن طبيعة علاقة دول المنطقة مع إسرائيل وعن ملف التطبيع.
-تعتبر مراجع متابعة للشؤون الأميركية أن أمر التخلي عن شرط التطبيع يعيد علاقة واشنطن وإسرائيل إلى ما قبل مرحلة التطبيع، بمعنى أن الولايات المتحدة ستعود دولة داعمة لإسرائيل من دون ذهاب واشنطن إلى استثمار نفوذها الواسع من أجل فرض صيغة لتعايش إسرائيل مع دول المنطقة، ما من شأنه سحب ملف التطبيع من مهام الدبلوماسية الاستراتيجية لإدارة ترامب كما الإدارات اللاحقة.
-لا يستبعد مراقبون أن يكون قرار ترامب في هذا الصدد متأثر بتوتّر علاقاته مع نتنياهو و “احباطه” من سياساته، وفق ما ذكرت تقارير. ويرى هؤلاء أن قرار عدم إلزام الرياض بالتطبيع يوجه صفعة إلى مواقف لنتنياهو اعتبر فيها أن إسرائيل تفرض واقعها على المنطقة وتغيّر الشرق الأوسط منذ اندلاع حرب غزّة في اكتوبر 2023.
-يضاف هذا التطّور إلى سلسلة أخرى من التطوّرات التي تعبّر عن غضب واشنطن كما عن قلق إسرائيل التي عجّلت بإرسال أحد أبرز المقربين من نتنياهو إلى واشنطن.
-كان ترامب قد أعلن، في 6 مايو، التوصل إلى وقف إطلاق النار في اليمن بعد “اتصالات” جرت مع جماعة الحوثي عبر سلطنة عمان. وقد جرى الاتفاق من دون إعلام مسبق لإسرائيل وبعد ساعات من قيام الأخيرة بقصف ميناء الحديدة وأهداف أخرى في اليمن. وقد أعلنت جماعة الحوثي أن الاتفاق لا يشمل إسرائيل، من دون أن يكون واضحا ما إذا كانت واشنطن وافقت على استثناء استهداف الحوثيين لإسرائيل وسفنها من الاتفاق.
-في 8 مايو كشف موقع “أكسيوس” الأميركي أن ترامب التقى بوزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، المقرب من نتنياهو، حيث ناقش الطرفان محادثات الملف النووي مع إيران والحرب في غزة. وبحسب ما ورد، فإن ما يميز هذا الاجتماع هو أنه غير معتاد، حيث أن الرؤساء لا يجتمعون عادة مع مسؤولين أجانب ليسوا من رؤساء الدول أو الحكومات.
-في 8 يوليو، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن مقربين من ترامب أبلغوا ديرمر أن الرئيس الأمريكي قرر قطع الاتصال مع نتنياهو. وقالت صحيفة “يسرائيل هيوم” الخاصة، نقلا عن 3 مسؤولين أمريكيين وعرب قولهم، إن “احتمالية إعلان ترامب عن حلّ شامل للوضع في غزة، بما في ذلك خطة لإنهاء الحرب، مرتفعة جدا”. وأوضحوا أن هذا “الحلّ يتم تطويره بمشاركة جزئية فقط من إسرائيل، وربما لا يفي بجميع مطالبها”.

خلاصة:

**تخلي ترامب عن شرط التطبيع لإبرام اتفاقات استراتيجية مع السعودية يُعد تحوّلا مفاجئا ولافتا في مواقف ترامب بالذات من أولوية التطبيع في مقارباته للشرق الأوسط.
**التطوّر يوجه صفعة لنتنياهو الذي كان وعد بفرض الأمر الواقع الإسرائيلي وتغيير الشرق الأوسط بعد “طوفان الأقصى”.
**التطوّر قد يعود إلى غضب ترامب من نتنياهو وردّ فعل على سياساته ويُعد مؤشرا على الضغوط التي تمارس على إسرائيل قبل ما قيل إنه إعلان أميركي لإنهاء حرب غزّة.
**يكشف الحدث اهتمام ترامب بعلاقة بلاده مع السعودية وعلاقته الشخصية مع وليّ العهد السعودي التي تتطلب الإصغاء للرياض ووجهات نظرها.
**يعتبر الأمر خضوعا لموقف السعودية التي تكرر بأن التطبيع مشروط بإقامة دولة فلسطينية وفق ما ينص عليه إعلان القمّة العربية في بيروت عام 2002 المتبنية للمبادرة السعودية للسلام.
**قد يؤثر اسقاط ترامب لشرط التطبيع على متانة بقية اتفاقات التطبيع التي أُبرمت منذ عام 2020 تحت مسمى الاتفاقات الإبراهيمية.
**يثير الحدث قلقا في إسرائيل لا سيما أن الخبر نشر في وقت يزور فيه ديرمر، الوزير المقرب من نتنياهو، واشنطن على عجل للتشاور.
**اسقاط التطبيع يعني أن الولايات المتحدة تعود إلى شعار “أميركا أولا” لجهة التركيز على مصالحها الثنائية مع دول المنطقة من دون ربط ذلك بملف التطبيع مع إسرائيل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.