ترامب وشمال أفريقيا: ما الذي تنتظره بلدان المنطقة؟
د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف.
تقديم: تطرح ولاية ترامب الجديدة أسئلة بشأن طبيعة السياسة التي ستنتهجها واشنطن في شمال أفريقيا، لا سيما مع المغرب والجزائر. تسعى الرباط إلى تثبيت موقف الولايات المتحدة بشأن سيادة المغرب على الصحراء، فيما تتطلع الجزائر إلى نسج علاقات متطوّرة مع الولايات بعد توتّر علاقاتها مع فرنسا واكتناف علاقتها مع روسيا بغموض جراء تناقض مصالح باريس وموسكو مع مصالح الجزائر في المنطقة. فما الذي يعنيه فوز ترامب للبلدين وما الذي يعوّلان عليه وفق ذلك؟
نرصد المعطيات والخلفيات التالية لرصد مسار مصالح البلدين وتقاطعها أو تعارضها مع أجندة ترامب
– في السادس من نوفمبر الجاري، هنأ العاهل المغربي، الملك محمد السادس، ترامب بفوزه، وأعرب عن تطلعه للتعاون المشترك من أجل إحلال الأمن في الشرق الأوسط وإفريقيا. وأكد أن “البلدين قد تمكنا من إقامة تحالف تاريخي وشراكة استراتيجية، وما يتقاسمانه من قيم ومصالح مشتركة مكنتهما من العمل سويا من أجل بناء مستقبل أفضل للشعبين، والنهوض بالعلاقات وتعزيز دورها في دعم السلام والأمن والرخاء في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وخارجها”.
– في اليوم عينه، هنأ الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ترامب، وأعرب له عن عزمه على العمل معه من أجل ترقية الديناميكية الايجابية التي تشهدها الشراكة الثنائية بين البلدين إلى آفاق أرحب. وذكّر تبون ترامب “بعمق علاقات الصداقة التاريخية التي تجمع الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية والديناميية الإيجابية التي تشهدها الشراكة الثنائية في شتى المجالات.
– يرى باحثون في شؤون المنطقة أن ترامب اهتم بالمنطقة في ولايته الأولى من بوابة مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل ودور شمال أفريقيا ، ومن بوابة توسيع “الاتفاقات الإبراهيمية” بصفتها إنجازا تاريخيا شخصيا له.
– تأخذ مصادر مغربية مراقبة على ترامب اكتفاءه، بعد الاتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، بإصدار إعلان رئاسي, في 10 ديسمبر 2020, يعترف بمغربية الصحراء من دون تطوير الأمر لاحقا إلى إجراءات تلزم الولايات المتحدة بهذا الإنجاز.
– تقول هذه المصادر أنه إذا كان ترامب يريد ردّ جميل المغاربة في اعترافهم باستقلال الولايات المتحدة في عهد جورج واشنطن في القرن الثامن عشر، فعليه نقل اعترافه بمغربية الصحراء إلى الكونغرس لتحويل الإعلان الرئاسي إلى معاهدة تلزم كافة حكومات أميركا.
– تلفت هذه المصادر إلى أن المغرب لا يريد الوقوع في خطأ إيران في توقيع الاتفاق النووي من غير أن يتحوّل إلى معاهدة يصادق الكونغرس عليها، ما سهّل على ترامب نفسه الانسحاب من هذا الاتفاق.
– اتسم موقف إدارة بايدن بحذر في التعاطي مع قرار الاعتراف بمغربية الصحراء، إذ حرصت على اتباع مسار متوازن يجمع بين التأكيد على ثبات موقفها من دعم السيادة المغربية على الإقليم من جهة، والإشارة إلى دعم الجهود الأممية لحل النزاع من جهة ثانية، دون اتخاذ خطوات عملية لترجمة قرار الاعتراف على أرض الواقع.
– في الأول من اكتوبر 2024، أشار وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال محادثات مع نظيره المغربي، ناصر بوريطة، إلى أن واشنطن “لا تزال تعتبر مقترح الحكم الذاتي المغربي جادا وذا مصداقية”.
– تحدثت تقارير عن اهتمام إدارة ترامب الأولى بليبيا، بصفتها دولة مصدّرة للطاقة. وقد انفتحت تلك الإدارة على خليفة حفتر في سعيّ لتدعيم نفوذ واشنطن في هذا البلد في منافسة مع فرنسا وروسيا وإيطاليا ودول أخرى. ويُعتقد أن ليبيا ستبقى مهمة في أولويات إدارة ترامب جديدة بسبب موقعها الجيوستراتيجي وحصتها في سوق الطاقة.
– يرى باحثون أن شمال أفريقيا لم تحظ باهتمام استراتيجي في ولايتي ترامب وبايدن من بعده باستثناء ليبيا. ويلفتون إلى أن المنافسة مع الصين بدأت تجذب أنظار واشنطن، خصوصا فيما أعلن من مشروع لصناعة البطاريات في المغرب تستثمر فيه الصين مبلغ 10 مليارات دولار.
– يلفت هؤلاء إلى أهمية المنطقة في بحث الولايات المتحدة عن مقر دائم لـ “أفريكوم” الأميركية، وفي مقاربة شؤون الساحل الأفريقي، وإدارة الصراع مع الصين في المنطقة، فيما لا تظهر منافسة مقلقة لواشنطن مع روسيا في أفريقيا.
– يرجّح خبراء أن ترامب سيسعى لتوسيع مجال الاتفاقات الإبراهيمية في شمال أفريقيا، لكنهم يستبعدون نجاحه في تمرير الأمر في تونس والجزائر بعد فشل محاولة لتواصل إسرائيلي مع ليبيا. ويستبعد هؤلاء وجود مقايضات، كالتي حصلت مع المغرب، بإمكانها إقناع بلدان أخرى بالأمر، ناهيك من أن حرب غزّة جعلت هذا المسار أكثر تعقيداً.
– يتساءل الباحثون عما إذا كان ترامب، بصفته رجل مقايضة وصفقات، سيطلب ثمناً جديدا من المغرب مقابل تطوير الاعتراف بمغربية الصحراء في ظل تقرير للمبعوث الأممي، ستيفان دي مستورا يقترح تقسيمها. كما يتساءلون أيضا عن موقف ترامب في حال قدمت الجزائر مغريات لتطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة.
– يلفت مراقبون لشؤون الجزائر إلى اهتمام هذا البلد بتطوير علاقاته مع واشنطن بعد تعيين صبري بوقدوم سفيرا عالي الكفاءة في الولايات المتحدة من أجل ذلك. ويرى هؤلاء أن الجزائر قد تكون مهمة في حسابات ترامب بسبب موقعها العالمي في سوق النفط والغاز، وعلاقاتها مع منطقة الساحل، وإمكانية لعب دورا ما في ملف ليبيا.
– تحذر بعض المصادر من خطط ترامب لابتزاز تنازلات من الجزائر والمغرب معا، بما في ذلك إبرام صفقات بيع أسلحة أميركية، من دون تقديم بديل نوعي مهم للبلدين.
– يلفت مراقبون إلى مشروعين مغربيين، أولهما هو تنظيم كأس العالم 2030 إلى جانب كل من إسبانيا والبرتغال، والثاني مبادرة أطلسية، عمقها الأساسي اقتصادي تنموي، وهما ملفان كبيران، يتجاوبان مع مقاربة ترامب الأكثر ميلا نحو الاقتصاد والصفقات منها إلى القضايا السياسية.
خلاصة:
**يعوّل المغرب على عودة ترامب إلى البيت الأبيض لتطوير موقف واشنطن بشأن مغربية صحراء، ما يعزز موقف الرباط لدى الأمم المتحدة لتثبيت سيادته على الإقليم في مواجهة مشروع قدمه المبعوث الأممي ديمستورا لتقسيم الصحراء.
**تتطلع الجزائر إلى تطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة معوّلة على دورها في الساحل وليبيا، كما موقعها داخل سوق الطاقة العالمي.
**الأرجح أن ترامب سيكون مهتما بليبيا لموقعها الجيوستراتيجي وإمكاناتها الطاقوية، وقد تنطلق حوافز علاقات واشنطن مع بقية دول المنطقة من مدى دورها في تسهيل استراتيجيتها في ليبيا.
**ستبحث واشنطن التموضع في أفريقيا من بوابة الصراع مع الصين وليس روسيا، بما يعني أن سياساتها في شمال أفريقيا تأخذ هذه الأولوية بصفتها بوصلة العلاقة مع دول المغرب العربي.
**ترجح مصادر اهتمام ترامب بمشاريع المغرب الاستثمارية الواعدة، لكنها بالمقابل، لا تستبعد اهتمامه بسوق الجزائر من النفط والغاز وإمكانات انتقالها إلى الاستثمار في المعدات العسكرية الأميركية.