تداعيات قمّة السيسي-أردوغان: تركيا تتحدث عن التنقيب عن الغاز في سواحل ليبيا؟
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم:
بدا تصريح وزير الطاقة التركي بتلقي بلاده دعوة من ليبيا للتنقيب عن الغاز مفاجئا وغير واضح بالنظر إلى الأجواء الإيجابية التي سادت قمّة الرئيسين المصري والتركي في أنقرة. وتسعى التقارير لقراءة هذا الموقف وبيان ما إذا كان يعبر عن استمرار الخلاف بين القاهرة وأنقرة في شأن ليبيا، أم أنها علامة على تفاهمات قد تمّ التوصّل إليها تقود إلى تقاطع وليس تعارض في مصالح البلدين في ليبيا.
لقراءة هذا التطوّر يجدر بعناية رصد الملاحظات التالية:
– في 11 سبتمبر 2024 قال وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، إن بلاده مهتمة بعرض من طرابلس للتنقيب عن الطاقة قبالة سواحل ليبيا. وكشف الوزير أن ليبيا “عرضت علينا العمل بسفننا الخاصة بالمسح الزلزالي قبالة سواحلها”. وأضاف: “بصراحة، نحن متحمسون لهذا. لذا يمكننا أن نذهب إلى قبالة السواحل الليبية لإجراء أعمال المسح الزلزالي”.
– كان لافتا أن بيرقدار قد قال أيضا إن تركيا مهتمة أيضا بمشاريع أخرى في ليبيا وتبحث عن “المشروع والشريك المناسبين”. بما أعطى انطباع باستبطان التصريح دعوة لمصر لتكون شريكا. خصوصا أنه كشف في تصريحاته أن تركيا مهتمة بحقول الغاز قبالة سواحل مصر، وأضاف أن البلدين يعملان على مشروع يتعلق بحصول القاهرة على الغاز ويتضمن وحدات تركية عائمة للتخزين وإعادة التغويز.
– يعود خلاف تركيا ومصر بشأن ليبيا إلى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة طرابلس في نوفمبر 2019. ثم إلى عام 2020 حين أرسلت تركيا عسكريين إلى ليبيا لتدريب ودعم الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرا في مواجهة قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر.
– في 3 اكتوبر 2020 أبرمت أنقرة مع حكومة طرابلس اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية رفضتها مصر واليونان. كما وقعت تركيا في عام 2022، مع حكومة طرابلس اتفاقا مبدئيا بشأن استكشاف الطاقة، وعارضته مصر واليونان أيضا.
– يكشف مصدر مصري مراقب أن السياق الليبي لتصريحات وزير الطاقة التركي يأتي في ظل توجه أنقرة لتنقيب عن النفط في سواحل الصومال. وقد أعلن وزير الطاقة التركي أن أنقرة تسعى إلى إرسال سفينة الاستكشاف “عروج ريس” إلى الصومال بحلول أكتوبر لإجراء أعمال مسح زلزالي هناك ضمن اتفاق تعاون في مجال الهيدروكربون بين البلدين.
– في 11 سبتمبر الجاري، نددت وزارة الخارجية التركية بتوقيع الولايات المتحدة اتفاقية خريطة طريق لتعزيز التعاون الدفاعي مع قبرص، ورأت أنها تضر بالموقف المحايد لواشنطن، ويُخلّ بالاستقرار الإقليمي ويُصعّب إيجاد حل دائم للقضية القبرصية. فيما طالب مصدر مسؤول بوزارة الدفاع بمراجعتها لتجاهلها القبارصة الأتراك وتكريس النظر إلى جمهورية قبرص على أنها الممثل الوحيد للجزيرة المقسمة.
– يذكّر خبراء مصريون في هذا الصدد أن موقف القاهرة هو مع ضرورة التزام الاطراف في شرق المتوسط بالقواعد القانونية المعمول بها في مسألة تعيين الحدود البحرية، وأن الاعتراض على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس لم يقتصر على مصر واليونان بل عن البرلمان الأوروبي أيضا.
– في 14 اكتوبر 2022، طالب البرلمان الأوروبي، حكومة عبد الحميد الدبيبة، بإلغاء مذكرة التفاهم التركية الليبية الموقعة عام 2019 بشأن ترسيم الحدود البحرية. وشدد البرلمان الأوروبي، على عدم تنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة مع تركيا في 3 اكتوبر 2020، وفقا لتوصيات لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي.
– يذكّر مصدر مصري مراقب أنه في 27 يناير 2021 أصدرت محكمة استئناف مدينة البيضاء الليبية (الدائرة الإدارية) حكما بانعدام قراري المجلس الرئاسي بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا بالإضافة إلى اتفاقية التعاون الأمني والعسكري.
– تدعو مصادر تركية إلى عدم تحميل تصريح وزير الطاقة التركي أكبر من حجمه، خصوصا وأنه لا يستند على معطيات أو اتفاقات عملية. ويدعو المصدر إلى وضع التصريح في إطار احتمال تعاون ببن مصر وتركيا في ليبيا يساعد نجاحه في تحالف بين البلدين ضد التوسّع الاثيوبي في القرن الأفريقي، خصوصا أن التصريح يتزامن مع الإعلان عن تنقيب تركي للطاقة قبالة سواحل الصومال.
– يؤكد باحث تركي أن أنقرة اقامت اتفاقا مع الحكومة الليبية المعترف بها من قبل الامم المتحدة. ويذكّر أن مصر التي رفضت الاتفاق قامت برسم حدودها البحرية مع ليبيا بشكل أحادي وأن جميع الأطراف الليبية رفضت هذا الترسيم، بما فيها البرلمان الليبي الموالي لمصر.
– في 24 سبتمبر 2022، أعلن البرلمان الليبي رفضه الشديد لإعلان مصر ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا بدون أي مشاورات مسبقة، معتبراً “هذه الخطوة تجاوزاً لروح الأخوة وحسن الجوار وانتهاكاً للسيادة الليبية لا يمكن القبول به”. وأعرب بيان صادر عن لجنتي الشؤون الخارجية والدفاع عن “استغرابهما من إعلان جمهورية مصر من جانب واحد ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا بلا أي مشاورات مسبقة”. وشددتا على أن “الترسيم من جانب مصر، في هذا الوقت الصعب الذي تمر به البلاد، يعد انتهاكاً للمصالح الليبية في المتوسط”.
– يؤكد مصدر مصري مراقب أن مصر عندما وقعت اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اليونان عام 2020 راعت المصالح البحرية لتركيا. وأن هناك رغبة حالية مصرية تركية للتعاون في مشاريع الطاقة، خصوصا أن البيان الختامي لقمّة السيسي-أردوغان ركز على التعاون في مجال الطاقة النووية والخضراء والغاز، بمعنى أن الطاقة أصبحت متغيّرا مهما في علاقة البلدين وتقاربهما.
– أشار باحث تركي إلى أن تصريح وزير الطاقة التركي تحدث عن مسح وليس تنقيب في السواحل الليبية. وفي التعليق على اعتراض على تغييب الطرف الليبي عن أي تفاهمات بين مصر وتركيا، أشار الباحث إلى أن أي تعاون مصري في مجال الطاقة والسياسة والأمن والاقتصاد هو لصالح ليبيا وليس على حسابها. مذكّرا أن شركات فرنسية وإيطالية وليس مصرية أو تركية هي التي تعمل حاليا في قطاع الطاقة في ليبيا.
خلاصة:
**يحرّك تصريح وزير الطاقة التركي بشأن دعوة ليبية للتنقيب عن الطاقة في سواحل ليبيا جانبا غامضا بشأن التفاهم أو الخلاف بين مصر وتركيا بشأن الملف الليبي.
**تسعى مصادر تركية وليبية غير رسمية إلى التقليل من شأن التصريح والتخفيف من تفسيراته السياسية، ويميلان نحو الاعتقاد بتعاون مقبل بين تركيا ومصر في مشاريع الطاقة في شرق المتوسط وتفاهمات تنسحب على ليبيا والشرق الأوسط والقرن الأفريقي.
**مراقبون يعتبرون التصريح بالون اختبار أو حاجة داخلية لطرابلس لتعزيز حكومة الدبيبة، وحاجة لأنقرة لتأكيد استمرار دعم حكومة طرابلس حتى إيجاد تسوية لن تكون مصر بعيدة منها.