تداعيات انتخاب ترامب على العالم العربي: إيران ،الصين وفلسطين
د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات
ورقة سياسات:
•ملخص تنفيذي
– سيكون ترامب أمام اختبار تقديم سياسة جديدة مقنعة للعالم العربي في 3 ملفات أساسية: إيران، القضية الفلسطينية، العلاقة مع الشرق (الصين خصوصا).
– يقدم ترامب نسخة قديمة عن مواقفه المتشدّدة مع إيران من دون الأخذ بالاعتبار تقدم إيران النووي وتنامي دورها الإقليمي وقدرتها على الالتفاف على العقوبات.
– وعود ترامب بمزيد من التشدّد ضد إيران لن تؤثّر بالضرورة على صمود “اتفاق بكين” بين السعودية وإيران وامتداداته في المنطقة.
– دعم ترامب لإسرائيل لا يختلف عن موقف بايدن والإدارات السابقة، لكنه لا يقارب مسألة حلّ الدولتين ويبالغ ونائبه (فانس) في إهمال تغير المزاج العام في هذا الصدد.
– وعدُ ترامب بإنهاء حرب غزّة (يشبه وعده بإنهاء حرب أوكرانيا) يحتاج إلى خطّة ذات مصداقية، ويظهر وكأنه وعد انتخابي تشوهه التفاصيل.
– ينظر ترامب إلى تطوّر علاقات المنطقة مع الصين من منظار أميركي حزبي لجهة تحميل بايدن والديمقراطيين مسؤولية ذلك.
– سيكون من الصعب على “خيار الشرق” المنتهج عربيا وخليجيا أن يتأثّر بفوز ترامب مهما كانت وعوده.
•تقديم:
رفعت محاولة الاغتيال التي تعرّض لها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 13 يوليو 2024 من فرص انتخابه رئيسا للولايات المتحدة في نوفمبر المقبل. وفيما ظهر الحزب الجمهوري موحّدا حول مرشحه، ترامب، في مؤتمره (15-18 يوليو) في ميلووكي في ولاية ويسكونسون، فإن المشهد يبدو، بالمقابل، منقسما حول مرشح الحزب الديمقراطي بعد انسحاب جو بايدن، ما يعزز تموضع ترامب في السباق الرئاسي.
وإذا ما كانت تطوّرات الأشهر المقبلة الفاصلة عن موعد الانتخابات قد تغيّر من موازين القوى، غير أن احتمال عودة ترامب من جديد إلى البيت الأبيض يرفع نسب البحث عن تداعيات هذا الاحتمال على العالم العربي والشرق الأوسط، خصوصا إذا ما جرت مقارنة هذا الاحتمال بولاية الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض منذ يناير 2021.
• ترامب وإيران: العودة إلى زمن الولاية السابقة
لم تعد الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران خلال ولاية بايدن على الرغم من أنه كان قطع وعدا بذلك في حملته الانتخابية قبل ذلك. وبدا أن الإدارة الديمقراطية لا تستطيع نقض قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق عام 2018 والعودة إليه بمرسوم يصدر عن البيت الأبيض، وأن احتمالا من هذا النوع يحتاج إلى مفاوضات إضافية بغية إدخال تحديثات على اتفاق فيينا لعام 2015.
وفيما لم تسفّر هذه المفاوضات عن نتائج، غير أن تعطيل الاتفاق مكّن، بالمقابل، إيران من تحقيق تقدم في البرنامج النووي متخلّصة من قيود الاتفاق المرتبطة بخاصة بمعدلات تخصيب اليورانيوم وكميات التخزين.
بالمقابل يحتفظ ترامب بنفس الخطاب الذي انتهجه خلال ولايته الرئاسية (2017-2021) والذي قاد إلى تنفيذ وعده الانتخابي وإصدار قرار في 8 مايو 2018 بانسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). وقد أُلحق هذا القرار بـ 12 شرطا أعلن عنها وزير الخارجية آنذاك، مايك بومبيو، في 12 مايو 2018، يفترض على إيران أن تقبل بها قبل أي عودة محتملة لواشنطن إلى الاتفاق. واستمر ترامب في الحملة الانتخابية الحالية بالوعد بالتخلّص من “ضعف” إدارة بايدن في هذا الملف والعودة إلى التشدد في العقوبات ضد إيران وأية جهات تتعامل معها ومنع الإفراج عن أي أصول مالية لها في العالم.
غير أن العالم العربي خلال السنوات الأخيرة (لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، وبخاصة السعودية والإمارات)، اتّخذ مسارا تفاوضيا مع إيران بغضّ النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض وأجنداته في هذا الملف. ويندرج توقيع السعودية وإيران على “اتفاق بكين” في 10 مارس 2023 داخل فلسفة تروم ترتيبات إقليمية لتخفيض التصعيد مع طهران مستقلّة عن المفاوضات النووية وعن المسار المتذبذب للعلاقة الإيرانية مع واشنطن.
وقد تؤدي وعود ترامب المشدّدة حيال إيران إلى إرباك المشهد المتعلّق بإيران في العالم والشرق الأوسط ويرفع من مستوى التوتّر. لكن ذلك لن يضمن لواشنطن والمنطقة أن يساهم في تعديل موازين القوى بما يخفف من قلق عواصم الجوار من سلوك إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة. والأرجح أن طرفا “اتفاق بكين” سيعملان على التمسّك باتفاقهما خصوصا أن سياسات ترامب المدعّمة بموقف نائبه جي دي فانس لا توفّر بيئة دولية شاملة يمكن أن تُحدث تحوّلات مقنعة.
• ترامب والشرق الأوسط: ماذا عن الدولة الفلسطينية؟
بالنظر إلى الموقف الأميركي التاريخي الداعم لإسرائيل، وبالنظر إلى ما أظهرته إدارة بايدن من تضامن مع إسرائيل، إثر عملية “طوفان الأقصى” في اكتوبر 2023، ودعم عسكري مفتوح لها في الحرب على غزّة، فإن مواقف ترامب حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا تختلف عن المضمون السائد في واشنطن وإن قد يختلف التعبير عنها في الشكل. فإذا ما كانت إدارة بايدن تعبّر عن خلاف مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وليس مع إسرائيل، فإن ترامب كان عبّر بدوره خلال السنوات الأخيرة عن انتقادات مباشرة ضد نتنياهو الذي يسعى هذه الأيام إلى رأب الصدع مع المرشح الجمهوري.
وعلى الرغم من أن عملية “طوفان الأقصى” وحرب غزّة وامتداداتها الإقليمية التي وضعت إسرائيل وإيران لأول مرة في مواجهة مباشرة في أبريل 2024، غير أن ما صدر عن ترامب وفانس لا يأخذ بالاعتبار معطيات هذه التحوّلات ويرددان شعارات أهمية إسرائيل ومسلّمات دعمها وضرورات القضاء على “حماس”. كمان أن ما وعد ترامب بإنهاء لحرب غزّة لا تغذيه أية معطيات يمكن مقارنتها بسياسة بايدن في هذا الصدد.
وكان لافتاً أن المرشحينْ الجمهوريين (ترامب-فانس) لم يفصحا عن موقف واضح من حلّ الدولتين الذي باتت الولايات المتحدة في عهد بايدن تروّج له كحلّ نهائي للصراع. صحيح أن إدارة ترامب لم تحقق شيئا في هذا الصدد وبدت مواقفها غير جدّية أو عملية، غير أن البديل الجمهوري المطروح، وبالنظر إلى سوابقه في التسويق للحلّ الاقتصادي وما عُرف بـ “صفقة القرن”، لا يخطو أي خطوة “أميركية” نوعية خلاقة تأخذ بعين الاعتبار تحوّلات المزاج الدولي وشروط العالم العربي وما أصدرته محكمة العدل الدولية في 19 يوليو 2024 بشأن عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي.
وفيما تندرج جهود إدارة بايدن للدفع بملف التطبيع مع إسرائيل وخصوصا مع السعودية في إطار فلسفة ترامب حين كان رئيسا للحلّ وخطّة مستشاره وصهره جاريد كوشنر لتحقيق ذلك، غير أن هذا التطبيع يصطدم بشرط دائم تردّده الرياض يربط أي مسار لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية بـ “مسار لا رجعة عنه لإقامة دولة فلسطينية”. وإذا ما يصطدم هذا الشرط بموقف حكومة نتنياهو وبتصويت الكنيست في 17 يوليو 2024 على قرار لرفض إقامة دولة فلسطينية، فإن ترامب وفانس لم يدليا بدلو يقترح مخارج لهذا المأزق.
•ترامب و “خيار الشرق”: عقدة مواجهة الصين
تطوّرت علاقة العالم العربي مع روسيا والصين في السنوات الأخيرة وانتقلت إلى مرحلة جديدة من مسار “خيار الشرق” الذي تمّ انتهاجه بإيقاعات بطيئة السرعات قبل ذلك. وأظهر العالم العربي برمّته حيادا في الموقف من حرب أوكرانيا على نحو أظهر ابتعادا عن رواية الولايات المتحدة والغرب من دون أن يظهر انحيازا للموقف الروسي. كما عبّرت المجموعة العربية عن حرص على العلاقة مع أوكرانيا ودعم لحلّ سلمي يأتي عن طريق التفاوض لإنهاء الحرب.
ولئن ينأى هذا الموقف بالنفس عن “صراع الكبار” غير أنه بالواقع يفضح “تمرداً” داخل العالم العربي على خطّط الولايات المتحدة التي تمتلك علاقات تاريخية مع دول المنطقة، لا سيما الخليجية منها. وكان للتوتّر الذي ظهر بين واشنطن والسعودية داخل منظمة “أوبك بلس” في نوفمبر 2023 واجهة جديدة في إدارة العلاقة بين واشنطن وحلفائها في المنطقة.
وفيما كشف “اتفاق بكين” بين السعودية وإيران الذي تمّ برعاية الصين عن اختراق نوعي تسجّله بكين في شؤون الشرق الأوسط، فإن ترامب يحمّل إدارة ترامب الديمقراطية مسؤولية نفور السعودية من واشنطن وابتعادها صوب علاقة أكثر قربا مع الصين.
صحيح أن سياسة بايدن، لا سيما لهجته السلبية في التعامل مع السعودية في بداية عهده قد تكون قد دفعت الرياض نحو مزيد من تطوير علاقاتها مع الصين، إلا أن خيارات السعودية والخليج وكل المنطقة العربية باتت نهائية، بغضّ النظر عن مواقف واشنطن ورزنامتها الانتخابية، باتجاه تنويع استراتيجي للعلاقات مع دول العالم.
ويرجَّح أن توق الرياض إلى التمتع بهامش مناورة واسع بعيدا عن اصطفافات الأحلاف هو ما قد يعرقل ما يُحكى عن اتفاقات أمنية استراتيجية مع واشنطن تفرّض تضييقا على هذا الهامش.
ولم يصدر عن الثنائي ترامب-فانس حتى الآن أي مقاربات عميقة من شأنها إحداث تحوّل في خرائط العرب الاستراتيجية في المشهد الدولي العام. ولم يكشف ترامب كيف بإمكانه إقناع السعودية بالتراجع عن سياساتها حيال الصين وما تمتلكه الولايات المتحدة تحت إدارته من معطيات ومغريات بديلة وناجعة وذات مصداقية لإعادة الساعة إلى الوراء.
•خلاصة واستنتاجات
**العالم العربي معنيّ مباشرة بما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. وإذا كان انتخاب مرشح ديمقراطي (بايدن أو غيره) قد يمثّل في السياسة الخارجية امتدادا لسياسات أوباما وبايدن مع العالم العربي، فإن سياسة ترامب تعكس جانبا مما عرفه العالم العربي في ولايته السابقة، لكنها تبقى غامضة لاسيما في ظلّ مستجدات المنطقة والعالم.
**موقف ترامب المحتمل والمتشدّد من إيران لن يؤثر على “اتفاق بكين” بين السعودية وإيران، وإن كان العالم العربي سيراقب بحياد تطوّرات العلاقة بين طهران وإدارة ترامب ويتموضّع بعناية وتأنٍ وفقها.
**لا يحمل ترامب أي جديد نوعي مختلف عن سياسة واشنطن التقليدية الداعمة لإسرائيل ولا يقدم حتى الآن خطة تتعامل مع مستجدات ما بعد “طوفان الأقصى”، لا سيما الموقف من اقامة دولة فلسطينية بصفتها أيضا شرطا سعوديا للتطبيع مع إسرائيل.
**على الرغم من تحميل ترامب إدارة بايدن مسؤولية تطوّر علاقات السعودية والصين، فإن “خيار الشرق”، لا سيما مع روسيا والصين، بات نهائيا لدى دول المنطقة ولن يكون يسيرا على ترامب تغيير وجهة هذا المسار.