تداعيات اغتيال العاروري فلسطينيا

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تجتمع عدة أسباب في دوافع اغتيال الشيخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي تتهمه إسرائيل بالمسؤولية عن بناء وتفعيل الخلايا المسلحة في الضفة الغربية وتعزيز الاتجاه المقاوم فلسطينيا :
– فالاغتيال يعد نهجا ثابتا لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وأحد أدوات السياسة الإسرائيلية على امتداد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وشمل ذلك قيادات الصف الأول لفصائل المقاومة الفلسطينية، فطاول شخصيات قيادية سياسية وتنظيمية وعسكرية وحتى رموزا ثقافية ودبلوماسية. وفي هذا الإطار استباحت آلة القتل الإسرائيلية سيادة كثير من الدول العربية والأوروبية، ولم يكن موضوع السيادة ليقلق القتلة أو يثير تحفظاتهم.
– غالبا ما يكون دافع الاغتيال هو “الانتقام”، ما تسميه الدوائر الإسرائيلية “تصفية الحساب” لتكريس معادلة قوامها أن من يمس حياة الإسرائيليين سيدفع الثمن عاجلا أو آجلا. ويمثل التخلص من بعض القيادات هدفا عملياتيا وسياسيا في الوقت نفسه، وبخاصة عند اضطلاع المستهدف بمهام نوعية يؤديها ليصبح الخلاص منه وسيلة للخلاص من المهام عينها، كما كان الاغتيال وما يزال وسيلة لردع القيادات الباقية على قيد الحياة.
تقديرات:
• من المشكوك فيه أن تمثل عمليات الاغتيال إنجازات ذات شان في مجرى الصراع الطويل، فالتقديرات الأمنية الإسرائيلية أن أي قائد يجري اغتياله يحل محله قائد بديل أكثر شبابا وحماسا ورغبة في الانتقام لسلفه. ولكن من المهم في حالة اغتيال العاروري الالتفات إلى سجاياه الشخصية ومن بينها ميزة انفتاحه على الآخر الوطني، وبحثه عن قواسم مشتركة تجمعه مع باقي أطراف الحركة الوطنية. وقد صدرت تصريحات لافتة للعاروري يشيد فيها بوطنية الفصائل الوطنية الأخرى وما قدمته من تضحيات وشهداء.
• لعب العاروري دورا مهما في ترميم العلاقة مع ما يسمى “قوى محور الممانعة” وفي كل هذه المواقف نجح في تجاوز نزعات التزمت الفصائلي وحتى الطائفي مغلّبا المصلحة العامة للقضية الوطنية الفلسطينية على الحسابات الحمساوية الداخلية.
• يعد العاروري من ابرز قادة حماس الساعين لإعادة تقديم الحركة بوصفها فصيلا فلسطينيا ذا خلفية إسلامية، وليس فرعا فلسطينيا لحركة الإخوان المسلمين، ظهر هذا التحول أولا في “وثيقة المبادئ والسياسات العامة” التي أعلنت في مايو 2017، لكن الوثيقة ظلت مكبلة بالثوابت التقليدية لخط الحركة الاسلامي ، أما الترجمة العملية لهذه التحولات فبرزت في أداء عدد من قادة حماس الجدد والشبان والذين تطورت قدراتهم القيادية خلال فترات الاعتقال الطويلة التي خلقت تجارب نضالية مشتركة مع قادة وكوادر الفصائل الأخرى.
• يمكن ادراج الاغتيال بما يتجاوز هدف “تصفية الحساب” إلى دور ومهام العاروري ؛ ليس فقط في تنظيم وتأهيل مجموعات المقاومة في الضفة الغربية والقدس ؛ وانما الاشتغال العملي على خيار التقارب بين مختلف أطراف الحركة الوطنية على طريق استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام. وهو الهدف الذي عملت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على تكريسه، واعتبر نتنياهو في تصريحاته له أن انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية؛ يمثل مصلحة استراتيجية اسرائيلية، هدفها بالطبع تفتيت الكيانية الفلسطينية الجامعة، والعمل لمنع قيام الدولة الفلسطينية الواحدة على كامل الأراضي المحتلة عام 67.
الخلاصة:
– اغتيال القيادي الفلسطيني الكبير في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله ؛ يشكل اختبارا صعبا لرهان تيار المقاومة الفلسطيني على القوى الإقليمية لما يسمى محور الممانعة وبخاصة الحليف الاستراتيجي الإيراني، الذي لديه اعتبارات وحسابات ومصالح سياسية تفوق قدرات وقرار حزب الله المنفرد ؛ لكنه في المقلب الآخر إذا أستمرّ الاستفراد الاسرائيلي بالشعب الفلسطيني ؛ فان ذلك سيعزز التيار الوطني والاعتبارات الوطنية العامة داخل حماس ؛ بما يفوق التزاماتها وتحالفاتها الإقليمية، كل ذلك دون إغفال أن إسرائيل تصنف حزب الله وسلاحه بوصفه التهديد الاستراتيجي والمركزي لإسرائيل، وتصنف إيران بوصفها تهديدا وجوديا لها .
– ثمة تقدير بأن الدروس التي ستخرج بها حركة حماس من هذه المعركة؛ والمكانة التي حققتها شعبيا ؛ ستجبر كل الأطراف الفاعلة فلسطينيا وعلى راسها حركة فتح الحزب الحاكم في الضفة الغربية والجهة المهيمنة تاريخيا على منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني؛ على مراجعة اشتراطاتها لضم حركة حماس للجسم القيادي الموحد لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية؛ بصورة مباشرة او من خلال واجهة سياسية تعبر عنها.
– مهما كانت نتائج الحرب على غزة؛ فان تصورا للحلول لمستقبل غزة وقضية الشعب الفلسطيني لا يمكنه ان يكون ببقاء حماس بوضعها السابق للحرب، ولا بدونها كما ترغب إسرائيل. ولعل تصريحات كيربي الأخيرة تؤكد تسليما أميركيا باستحالة القضاء على حماس الفكرة والتنظيم والتيار المنتشر في اوساط الشعب الفلسطيني، الأمر الذي سيدفع بكل المكونات الفلسطينية إلى تجاوز المصالح الفئوية الضيقة والعمل لتوليد صيغة جديدة للتمثيل الفلسطيني الموحد، ومرحلة انتقالية تتطلب أعلى درجات التوافق الوطني بما يعيد القضية إلى مكانها الطبيعي كواحدة من آخر مراحل الاستعمار الغربي، وتعد البلاد لانتخابات تشريعية وإعادة إعمار ما خلفته كارثة العدوان على غزة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.