تحولات إريتريا تعيد تشكيل خريطة القرن الإفريقي
تمهيد
تعتبر إريتريا دولة حديثة فى القارة الأفريقية، وكان استقلالها عام 1993 مرآة عاكسة للعديد من التشابكات الدولية والإقليمية، وفي إطار جملة المتغيرات التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي، والتي تمثل فيها إريتريا الدور المحوري فى إعادة رسم الخريطة الجيواستراتيجية للمنطقة، والتي تعكس توجهها نحو إعادة تشكيل لموازين القوى في تلك المنطقة خاصة مع دخول فاعلين اقليمين دوليين أخرين إلى ميدان المنافسة حول مناطق النفوذ والسيطرة، بالإضافة إلى تأثير المعطيات والمتغيرات الإقليمية، مثل الأزمة الخليجية- الخليجية والسعي المصري لاستعادة دوره في تلك المناطق الحيوية على البحر الاحمر. بالتالى تسعى تلك الورقة إلى قراءة تحليلية للداخل الاريتري، والمتغيرات التى تشهدها اسمرا وانعكساتها على اعادة رسم الخريطة السياسية لمنطقة القرن الافريقي، ومن ثم الخروج بنتائج وتوصيات عملية حول مستقبل الحراك السياسي في تلك المنطقة.
أولا: الخريطة الجيوسياسية والسكانية لاريتريا
تقع إريتريا في منطقة القرن الأفريقي، تجاورها من الشمال والغرب جمهورية السودان، ومن الجنوب جمهورية إثيوبيا، وجيبوتي من الجنوب الشرقي. ويبلغ طول سواحلها على البحر الأحمر 1000 كم، وتمتلك ميناءي “عصب” و”مصوع”. وتبلغ مساحتها حوالي 121320 كم2، وتقسم إداريًا إلى 3 أقاليم، كما تمتلك إريتريا حوالى 126 جزيرة، أهمها أرخبيل دهلك وبه نحو 25 جزيرة، ولذا حرصت العديد من القوى الإقليمية والدولية على السيطرة على الجزر الإريترية كنقاط ارتكاز وتحكم في المنطقة.[1]
ومثلت إريتريا نقطة التقاء ومساحة عبور لموجات متتالية من الهجرات البشرية، سواء الامية والحامية والزنجية، ومن ثم فإن سكان إريتريا هم مزيج من هذه التزاوجات التاريخية، لذلك تتسم إريتريا بالتنوع والتعدد الإثني والعرقي واللغوي، ويقطن كل اثنية إقليما جغرافيًا مميزًا، ويشترك أفراد المجموعة البشرية الواحدة في صفات معينة، كاللغة والدين والطرق المعيشية.[2]
وقام الحزب الحاكم في إريتريا بتشجيع سياسة الفصل بين الدين والعرق عن الأمور السياسية، وتسمح السلطة فى إريتريا بممارسة أربعة أديان فقط هى المسيحية الأرثوذكسية، والكاثوليكية ، والمسيحية البروتستانتية ، والإسلام السني، فسكان إريتريا الذين يشكلون نحو خمسة ملايين نسمة يقسمون إلى 55% مسلمين و30% من المسيحيين الأرثوذكس و10% مسيحيين كاثوليك و3% مسيحيين بروتستانت، و2% الباقية ديانات تقليدية محلية. فالتركيبة السكانية الغنية بتنوعها توضح تأثير الخريطة العرقية والإثنية في إريتريا وارتباطها باللغة.[3]
وتعترف الدولة في إريتريا رسمياً بتسع مجموعات عرقية، هى التيغرينية ، وتيغري، وبيلين ، وساهو، وبجا، وعفار، ونارا، وكوناما، ورشيدا، ويتوزع سكان إريترية تاريخيًا بين ثلاث مجموعات لغوية، هي: الحامية والسامية والنيلية. فالجماعات التي تنتمي إلى الحامية أو السامية ترتبط بقبائل البجة في منطقة القاش، وقبائل الأسورتا والساهو في محافظتي إكلي قوزاي والبحر الأحمر، وقبائل البلين في محافظة كرن، وقبائل الماريا في أگوردات وكرن، وقبائل الدناقيل في سهل الدناقيل، وقبائل الحباب في نقفة وتغري، وقبائل منسع حول كرن، والقبائل النصرانية في حماسين، ولا يكاد يوجد أثر للسمات الزنجية المعروفة بين هذه القبائل باستثناء لون البشرة الأسمر الداكن الذي يجعلهم أقرب إلى قبائل السودان. أما النيليون أو أنصاف الحاميين فلا يتجاوز مجموعهم بضعة آلاف نسمة، وتمثلهم قبائل الكوناما أو البازا وقبائل الباريا وينتشرون في مناطق مختلفة من القاش وستيت.
هناك أيضًا امتزاج سلالي يتعذر تحديد فواصله لمرور زمن طويل من المصاهرة والمجاورة. ومن الهجرات العربية المبكرة إلى المنطقة قبل ظهور الدعوة الإسلامية بطون من بني حمير عرفوا بقبيلة “البلو” وقد صاهرت البجة وحكمت بعض الإمارات البجاوية في إريتريا. وقد وفد إلى المنطقة في أزمنة لاحقة قبائل من ربيعة وأخرى من القحطانية والجهنية. وتعد قبيلة الرشايدة آخر الهجرات العربية إلى إريترية، وقد توافدت إليها عن طريق السودان منذ سنة 1846 وانتشرت على الشريط الساحلي من مصوع حتى حدود السودان.[4]
حركة اليمين المتطرف “الاغازية الإريترية فى اسرائيل:
تعتبر قومية الاغازية(المتحدثين باللغة الاغازية) حركة يمينية متطرفة، تسعى إلى إقامة دولة تيغرينية أرثوذكسية مسيحية في إريتريا وجزء من إثيوبيا، وتعمق سياساتها العسكرية المناهضة للمسلمين الانقسامات داخل المعارضة الإريترية المتعثرة، وبدأت تلك الحركة المتطرفة العمل على المسرح السياسي الإريتري قبل عامين، وظهرت الحركة من داخل المعارضة التيغرينية الأرثوذكسية المسيحية في المهجر، وبدأت تنشط في عدة أماكن مختلفة في أوروبا وإثيوبيا وإسرائيل، لكنها لازالت تمثل أقلية داخل المعارضة الإريترية المشتتة فى الخارج، إلا أنها بدأت تظهر بشكل مؤثر على نطاق واسع.
وتكرس الحركة اهتمامًا كبيرًا لليهود والصهيونية ودولة إسرائيل، ويؤكد الأغازيون على العناصر اليهودية في دينهم ويشددون على التشابه بين الرؤية الصهيونية لإقامة دولة إسرائيل ورؤيتهم الخاصة لإقامة الدولة الأغازية، كما تحاول الحركة الحصول على المساعدة من إسرائيل والجماعات اليهودية لتحقيق أهدافها فى اقامة دولتهم فى إريتريا وأجزاء من إثيوبيا.
ثانياً: النظام السياسي والاقتصادي والحزبي باريتريا
ظلت إريتريا تحت السيطرة الإيطالية وفقاً لمعاهدة Ucciali المبرمة بين إمبراطور الحبشة (مينليك) والحكومة الإيطالية في عام 1889، إلا أن هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية عام 1941 جعلت إريتريا محمية إنجليزية، ووفقا لتقرير لجنة الاستطلاع التي شكلتها الأمم المتحدة بعد عرض القضية الإريترية على الجمعية العامة، فقد اقترحت ضم إريتريا إلى إثيوبيا، وهو اتجاه دعمته الولايات المتحدة، وأمام الضغط الأمريكي وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1950 وأعلنت أن إريتريا ستنضم إلى أثيوبيا فى إطار اتحاد فيدرالي، وبالتالى انسحبت بريطانيا من إريتريا فى 1952، ليتولى الجيش الإثيوبي إدارة كل الممتلكات الإريترية، ثم استقلت أسمرا عن الحكم الإثيوبي بعد استيلاء الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا بقيادة أسياسي أفورقي عام 1991، وحصلت إريتريا على الاستقلال رسميًا بموجب استفتاء تقرير المصير عام 1993. [5]
ولقد شهدت فترة انتهاء الوجود الايطالي في إريتريا بداية تشكيل الحياة الحزبية فى اسمرا، حيث نشأت عدة أحزاب لها ارتباطات خارجية، تبنى بعضها سياسة الاغتيالات مثل حزب الاتحاد مع إثيوبيا الذي أنشأ ميليشيا إرهابية عرفت باسم “الشفتا” اغتالت عددًا من القيادات الوطنية، كما شهدت تلك الفترة انتعاشا سياسيا وثقافيا، إذ انتجت المتغيرات الجديدة صحف خاصة وقطاع أعمال نشط، بالإضافة إلى تشكيل جمعية تشريعية منتخبة وأقرار دستور وتم اعتماد اللغتين العربية والتجرينية لغتين رسميتين لإريتريا.
وتأخذ الجمهورية الإريترية بالنظام الرئاسي القائم على التعددية الحزبية (الشكلية)، ووفقًا للدستور فإن الرئيس هو رئيس الدولة والحكومة في ذات الوقت وينتخبه المجلس الوطني بأغلبية ثلثي الأعضاء لمدة خمسة أعوام ويقوم الرئيس بتعيين مجلس الوزراء بعد موافقة المجلس الوطني عليه.[6] وتتولي الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة حكم البلاد منذ الاستقلال، ورغم صدور قانون يناير 2001 من جانب اللجنة التشريعية الوطنية تقر بالتعددية الحزبية فإنه لم تتم المصادقة عليه ودخوله حيز النفاذ.[7]
تشكل قضية التعددية السياسية وعلاقتها بواقع المعارضة السياسية وحرية تأسيس الأحزاب واحد من التحديات التي تفرض نفسها على قدرة النظام السياسي على استيعاب المتغيرات والتطورات السياسية بعد نحو عشرين عامًا من الاستقلال. وتمثل المعارضة في الخارج الأساس الذي تستند إليه العديد من الأحزاب السياسية الإريترية، ومن هذه الأحزاب يبرز حزب الشعب الديمقراطي الإريتري الذي يدعو إلى إسقاط نظام الحكم لأسياسي أفورقي، وتبني مبدأ تقسيم السلطة والثروة، الى جانب ذلك يبرز تيار الإسلام السياسي في إريتريا، والذى يستند إلى تيار المعارضة من الإسلاميين الذين يرون أن هناك تهميشًا متعمدًا لهم من قبل الحكومة والنظام السياسي بالقدر الذي يمس حقوقهم كمواطنين، ويأتي حزب العدالة والتنمية الإريتري على رأس هذا التيار الإسلامي المعارض في إريتريا.
أما فيما يتعلق بالمجتمع المدنى فى إريتريا، فيمكن القول أن المجتمع المدني الإريتري يعاني من مشكلات مرحلة التكوين، فهو لا يزال في مرحلة النشأة، وهو ما تعكسه طبيعة علاقته بالدولة، وتربط كثير من التقارير الدولية بين النظام الحاكم فى إريتريا والنظام الكوري الشمالي، وفى التقارير الصادر عن منظمة العفو الدولية فى 2018، أشار إلى أن الآلاف من الايرتريين واصلوا الفرار من إريتريا بينما، وضعت السلطات قيوداً شديدة على حق مغادرة البلد. واستمر فرض الخدمة الوطنية الإلزامية إلى أجل غير مسمى. ولا تزال القيود على الحق في حرية التعبير والدين قائمة. وظل الاحتجاز التعسفي دون تهمة أو محاكمة هو القاعدة بالنسبة لآلاف سجناء الرأي. وحُرم الآلاف من الحق في مستوى معيشي لائق.
ثالثا: التنافس الاقليمي والدولي حول اريتريا
فرضت منطقة القرن الأفريقي نفسها على دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي لما تتميز به من موقع جيوسياسي استراتيجي هام، وبالتالي يمكن تفنيد ملامح الدور الاقليمي والدولي في إريتريا، على النحو التالى:
- الامارات
سعت الامارات إلى محاولة إيجاد موضع قدم لها في هذه المنطقة، وذلك عبر توقيع عقد إيجار للاستخدام العسكري لميناء عصب الإريتري والمطار الرئيسي لمدة 30عامًا، مع مدرج بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة الهبوط عليه، وهو ما ساعد في تحول هذه المنطقة إلى قاعدة عمليات رئيسية للقوات الإماراتية المشاركة في الحرب ضد التمرد الحوثي في اليمن.
- الولايات المتحدة
في المقابل، سمحت جيبوتي للصين بإقامة قاعدة عسكرية على بعض كيلومترات من القادة الامريكية، وهو ما أزعج الإدارة الأمريكية التي سعت لإيجاد بديل عن جيبوتى، قبل أن تجد ضالتها فى إريتريا. بالإضافة لذلك، هناك توجه للإدارة الأمريكية الراهنة إلى تشكيل تحالف إقليمي في تلك المنطقة، على غرار التحالف المزمع انشاؤه فى منطقة الشرق الاوسط من خلال بعض الدول العربية (دول الخليج والاردن ومصر) لمواجهة النفوذ الإيراني فى المنطقة، لذا فالهدف الأمريكي هو إعادة صياغة نظام اقليمي برؤية أمريكية في منطقة القرن الأفريقي هدفه تحجيم وتطويق إيران من أكثر من اتجاه، يضاف لذلك منافسة الوجود الصيني المتنامي في تلك المنطقة الحيوية والتي تمثل جزء رئيسي من طريق الحرير الذي تستهدفه بكين، لكن تعزيز الوجود الأمريكي وتحقيق تلك الرؤية يستند إلى دعم حلفاء (وكلاء) الادارة الامريكية في المنطقة ( مصر والامارات والسعودية) لصياغة نظام اقليمي شرق إفريقي، وهو ما يفسر الحراك السياسي والتغيرات الجوهرية التي تشهدها شكل العلاقات الراهنة فى منطقة القرن الافريقي.
- المانيا
كشفت بعض التقارير المحلية أن زيارة وزير التنمية التعاون الإقتصادي الدولي الألماني للعاصمة الإريترية ، فى أغسطس 2018، أسفرت عن إبرام إتفاق بالأحرف الأولى لإنشاء ميناء بحري شمال مدينة عصب يخصص لنقل البضائع الإثيوبية والجنوب سودانية وخدمات أخرى، لم تحدد ماهيتها، وهو ما يمثل فصل من فصول التنافس الدولي والاقليمي حول إريتريا.
رابعاً: ملامح وابعاد خريطة التفاعلات والعلاقات الجديدة فى منطقة القرن الافريقي
التحركات المتسارعة في منطقة القرن الإفريقي لا تكاد تتوقف، إذ تشهد تلك المنطقة فى الفترة الراهنة إعادة لرسم الخريطة السياسية، حيث كانت المفاجأة الحقيقية الاولي فى الموافقة الاثيوبية على تنفيذ اتفاق الجزائر عام 2000 لترسيم الحدود مع إريتريا وهو ما يعني تلقائيًا التنازل عن بلدة بادمي التي كانت تحت سيطرة إثيوبيا.
ويمكن القول إن دولة إريتريا كانت معزولة تمامًا وسط محيطها الإقليمي، فعلاقاتها مع إثيوبيا كانت مقطوعة نهائيًا، كما كانت علاقات أسمرا شبه مقطوعة مع جيبوتي والصومال إلى جانب السودان، إذ شهد مطلع العام 2017 توتر العلاقات بين الخرطوم وإريتريا بعدما تناقلت وسائل إعلام أنباء عن وجود قوات مصرية في معسكر ساوا الإريتري، ثم بلغ الأمر قمته بإعلان السودان إغلاق الحدود مع الجارة الشرقية ونشر قواته المسلحة على تخوم ولاية كسلا المحاذية لإقليم القاش بركة الإريتري.
ولم تقف التغيرات في منطقة القرن الإفريقي عند المصالحة الإثيوبية الإريترية، ففي نهاية يوليو 2018 توجه الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو إلى أسمرا بعد قطيعة دامت 15 عامًا، ودعا فرماجو اثناء زيارته لاريتريا الامم المتحدة لرفع العقوبات عن اريتريا، وكانت علاقات إريتريا والصومال قد تدهورت بسبب اتهامات وجهتها مقديشو لأسمرا بدعم حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، التي كانت تسعى لإسقاط الحكومة الصومالية، وبسبب هذه الاتهامات، فرضت الأمم المتحدة عقوبات على إريتريا منذ 2009 تشمل تجميد أصول ومنع مسؤولين سياسيين وعسكريين من السفر، إضافة إلى حظر على الأسلحة.
وانضم رئيس الوزراء الاثيوبي أبي أحمد إلى القمة الاريترية- الصومالية، حيث تم عقد قمة ثلاثية فى اسمرة، تم الاتفاق بها على توثيق العلاقات بين الاطراف الثلاثة، كما اشارت بعض التقرير الغربية إلى أن اللقاء الثلاثي ناقش التوسط بين إريتريا وجيبوتي خاصة أن الأخيرة انزعجت من تحركات جارتيها لمصالحة أسياس أفورقي، كما تخوفت جيبوتي من خسارة مينائها لحركة البضائع الإثيوبية، إذ توصل آبي أحمد لاتفاق يتم بموجبه استخدام إثيوبيا مينائي عصب ومصوع الإريتريين. وهو ما عكسته الزيارة المفاجئة التي أعقبت القمة الثلاثية لوزراء خارجية الدول الثلاثة (إثيوبيا، إريتريا، الصومال) إلى جيبوتي حيث التقوا بالرئيس إسماعيل عمر جيلي وناقشوا معه مخرجات قمة أسمرة.
واشارت بعض التقارير الغربية الى دور الامارات فى الوساطة من أجل إعادة هيكلة أو ترتيب لمنطقة القرن الإفريقي، وأن زيارة ابن زايد لإثيوبيا في يونيو2018 كرّست في الإعلام الدولي صورة جديدة بأن منطقة القرن الإفريقي أضحت “حلقة محورية في الأمن الإقليمي” برؤية تتوافق مع مضامين التحرك السعودي الإماراتي في هذا المحيط الجيواستراتيجي المتشابك بعيدًا عن نهج الحكومة الإثيوبية السابقة التي كانت أكثر ميلًا للتحالف القطري التركي.
ولكن عند قراءة أوضاع دول القرن الإفريقي، فإنه لا يوجد حليفًا صريحًا لأبو ظبي في المنطقة “حتى الآن” سوى أسياس أفورقي الذي تحتضن بلاده قاعدة إماراتية على ميناء عصب، أما إثيوبيا، فالعلاقات معها فى مرحلة الاختبار وتتطور تدريجياً، رغم الإغراءات الاقتصادية الاماراتية بإيداع 3 مليارات دولار فى البنك المركزى الاثيوبي دعما للعملة المحلية، كما أن علاقات الصومال وجيبوتي لا تزال متوترة مع دولة الإمارات حتى بعد التصالح بين مقديشو مع أسمرا، وكذلك السودان الغائب عن التحركات الأخيرة لن ينضم بالطبع إلى محور تقوده الإمارات، والمشكلة الكبرى التي تواجهها الأخيرة في منطقة القرن الإفريقي هي التوتر الذي طرأ بعد اخراج شركة موانئ دبي من ميناء جيبوتي واستبعاد أبو ظبي من تدريب الجيش في الصومال، إضافة إلى اتهامها بالتورط في مقتل الصيادين الإرتريين من قومية العفر.[8]
خامساً: الخلاصة
فى إطار التطورات التي تشهدها منطقة القرن الافريقي يمكن الاشارة الى عدة نقاط هامة، على النحو التالي:
أولا: هناك تراجع ملحوظ في القبضة الأمنية لنظام أسياس أفورقي، عكستها بعض الدلالات مثل رفض بعض قيادات الجيش مرافقة أفورقي أثناء زيارته إلى إثيوبيا، ثم جاء صدور كتاب ” إريتريا وطني” للمؤلف والوزير السابق برهاني أبرهي الذي سلط الضوء على جرائم النظام ، وهناك سيناريوهان مرجحان تفسر تلك التطورات الداخلية فى اريتريا، أولها أن يكون هناك بعض التحركات المعارضة لنظام افورقي من داخل الجيش الاريتري، بالتالى يتجنب الرئيس الاريتري أي تصعيد مع المعارضة الداخلية لتجنب اثارة موجة من الاحتجاجات التى قد تستدعى تدخل الجيش وامكانية تنحيته، وهو ما حدث فى عدة دول افريقية فى الفترة الاخيرة، بينما يشير السيناريو الثاني إلى ضغوط خارجية من قوى دولية واقليمية، على نظام افورقي لتخفيف من القبضة البوليسية تجنبا لانفجار الوضع الداخلي، وذلك لضمان بقاء نظام افورقي الذي تحتاجه تلك القوى الدولية فى الفترة المقبلة بعد تمرد جيبوتى.
ثانياً: يجب الأخذ فى الاعتبار تصاعد السخط الداخلي ضد نظام افورقي بعد التقارب مع إثيوبيا، حيث نظرت شريحة عريضة من الشعب الاريتري لتلك التحركات باعتبارها استسلام للمستعمر الاثيوبي وتجاوز عن الانتهاكات التى قامت بها إثيوبيا بحق الشعب الإريتري، وهو الأمر الذي فطن له النظام مبكرًا وبدأ بالعمل على التخفيف من آثاره من خلال التلميحات بإمكانية تطبيق الدستور والإلتزام بتحديد فترة زمنية للخدمة الوطنية، والإشارات الى احتمالات السماح بحرية التعبير.
حاصل القول: تعكس المتغيرات الراهنة الاتجاه إلى صياغة نظام جديد في منطقة القرن الافريقي، تقوده قوى دولية واقليمية ، فحرب اليمن والنفوذ الإيراني والتركي والاسرائيلي المتزايد في المنطقة، فتحت الاعين على أفكار جديدة لتكامل الأمن القومي لدول الخليج والمنطقة. كما تبرز الصين بعد تخليها عن عزلتها التاريخية كقوة منافسة للولايات المتحدة في أفريقيا . فقد عززت وجودها فى منطقة القرن الأفريقي بشكل مكثف ويهدد المصالح الأمريكية بشكل مباشر، يضاف لذلك أن عمق الخلافات الراهنة بين واشنطن والاتحاد الاوروبي يفسر التحركات المنفردة للقوى الأوروبية لإيجاد دورًا لنفسها في خريطة المنافسة في تلك المنطقة، وهو ما يفسر التحركات الالمانية، والتحركات غير المعلنة لكلًا من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا فى اريتريا.
[1] The State of Eritrea, department of Environment in Ministry of Land, Water and Environment: Asmara –Eritrea, December 2001, Pp 10-11.
[2] محمد عثمان أبو بكر، تاريخ إريتريا المعاصر: أرضًا وشعبًا، القاهرة، 1994، ص ص 175-176.
[3] أيمن السيد عبد الوهاب، إريتريا إشكاليات بناء الدولة والتفاعل مع بيئة إقليمية مضطربة، المركز العربي للبحوث والدراسات، ابريل 2016، متاح على الرابط التالى http://www.acrseg.org/40103
[4] Habtai, Araya, Between the World and the Village: The Role of Education in Sustaining and Developing an Eritrean Cultural Identity, Scandinavian Journal of Educational Research, 1995, Vol. 39, No. 3, pp. 181-194
[5] محمد الحسيني، آفاق أفريقية، العدد 24، ربيع 2007.
[6] محمد عاشور مهدي، دليل الدول الإفريقية، القاهرة: معهد البحوث والدراسات الأفريقية، 2007، ص ص 207-212.
[7] Africa south of Sahara 2011, 40th edition, routledge: London and new York, Pp 202-203.
[8]https://arabicpost.net/opinions/2018/09/19/مصالحات-وقمة-ثلاثية-في-أسمرة-هل-نشهد-مي/