تبرّم داخل بيئة حزب الله من عدم تدخلّ إيران
رسائل بزشكيان في نيويورك تثير القلق
تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم: سجل مراقبون ارتفاع حالة الامتعاض والضيق والتبرّم داخل بيئة حزب الله في لبنان، من عدم تحرّك إيران للتدخل عسكريا دفاعا عن الحزب في الحرب الحالية ضد لبنان. بالمقابل تمعن المنابر الرسمية في طهران في إبراز مواقف تؤكد التوجه نحو خطاب سلم وانفتاح جديد، واعتماد سلوك جديد يستبعد الردّ على اغتيال اسماعيل هنيّة في طهران.
قراءة المعطيات والتحليلات:
– في 24 سبتمر 2024، قال الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في نيويورك على هامش قمّة الأمم المتحدة، إن “حزب الله وحده لا يستطيع أن يقف في وجه دولة (إسرائيل) مسلحة تسليحا جيدا جدا ولديها القدرة على الوصول إلى أنظمة أسلحة تتفوق بكثير على أي شيء آخر”. أضاف: “يجب ألا نسمح للبنان بأن يصبح غزة أخرى على أيدي إسرائيل. لا يستطيع حزب الله أن يفعل ذلك بمفرده. لا يستطيع حزب الله أن يقف بمفرده ضد دولة تدافع عنها وتدعمها وتغذيها الدول الغربية والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية”.
– يعنقد محللون بأن الرئيس الإيراني يمثل توجها إيرانيا يحظى بموافقة المرشد، علي خامنئي، والحرس الثوري، بعدم الانجرار إلى حرب يسعى إليها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ما يعني أنه قد تمّ استبعاد فكرة الردّ على اغتيال، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، اسماعيل هنيّة، في طهران في 31 يوليو 2024، وبالتالي عدم التدخّل في الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد حزب الله في لبنان.
– قال بزشكيان أيضا: “لا نرغب في أن نكون سببا لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، لأن عواقبه ستكون لا رجعة فيها”.وأضاف “نريد أن نعيش في سلام ولا نريد الحرب”. ويُعتقد أن هذه التصريحات تمثّل توجها عاما متّسقا مع برنامج الرئيس الجديد في الانفتاح على المنظومة الغربية عامة والولايات العامة خاصة.
– في 16 سبتمبر الجاري، قال الرئيس الإيراني في مؤتمر صحفي تحدث خلاله عن خططه في الداخل والخارج، الرئاسة، إن طهران “لا تعادي الولايات المتحدة”، وأن على الأميركيين أن “يوقفوا عداءهم تجاهنا من خلال إظهار حُسن نيتهم عملياً”، مضيفاً: “نحن إخوة للأميركيين أيضاً (…) ونحن لا نفكر في التوسع أو في تصدير ثورتنا إلى أي مكان”.
– يشير خبراء في الشؤون الإيرانية إلى أن خطاب الانفتاح سبق أن صدر عن الرؤساء، أكبر هاشمي رفسنجاني، ومحمد خاتمي، وحسن روحاني، لكنه تمّ إجهاضه من قبل التيار المتشدد برعاية خامنئي. ويعتقد هؤلاء أن هناك حاجة حقيقية للنظام السياسي في إيران للخروج من مأزق العقوبات الاقتصادي، التي فرضتها الولايات المتحدة منذ عام 2018، والعودة للانخراط في المنظومة الاقتصادية الدولية. ويرجّحون أنه تمت “هندسة” الانتخابات الرئاسية التي جرت في 28 يونيو الماضي لاختيار بزشكيان للعب هذا الدور.
– ما زال الجدل يدور في طهران بشأن مستويات الانفتاح المقبولة. وكان وزير الخارجية، عباس عرقجي، فد نفى، في 24 سبتمبر الجاري، التصريحات التي تم تداولها للرئيس الإيراني حول خفض التصعيد مع إسرائيل ووضع الأسلحة جانبا. ورأى مراقبون أن التصريحات أثارت جدلا في إيران استدعى نفيها.
– في 23 سبتمبر، قال عرقجي إن “إسرائيل عالقة في مستنقع غزة ولم تحقق هدفها في القضاء على حركة حماس”، ولذلك تسعى اليوم إلى توسيع ساحة الحرب للخروج من مأزق غزة، مضيفاً: “نحن واعون جداً ولن نقع في فخهم وتحركاتهم نابعة عن العجز”. وأعرب وزير الخارجية الإيراني عن “أمله في أن تُستأنف المفاوضات النووية رغم هذه الظروف الصعبة”.
– في اليوم نفسه، قال عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، القائد العام الأسبق للحرس الثوري، إن بلاده تتجنب “الإجراء المتسرع في الرد على الصهاينة” في تعليق على اغتيال هنية في طهران، وأضاف رضائي: “سنصفع نتنياهو صفعة قوية”، مشيراً إلى أن “الاستخفاف بالعدو يمكن أن تترتب عليه مخاطر جادة”.
– تأتي هذه المواقف متّسقة ومكمّلة لتصريح لخامنئي في 9 سبتمبر الجاري قال فيه: “إذا تراجعتم أمام العدوّ المهاجم – وقد يكون المهاجم دعائيًّا، وأحيانًا أخرى يكون اقتصاديًّا، ورابعًا يكون عسكريًّا – تراجعًا غير تكتيكيّ، في بعض الأحيان، يكون التراجع تكتيكيًّا كما هي الحال مع التقدّم، ولا ضير في ذلك”.
– في 6 أغسطس الماضي، أشار الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى أنه “وفقا لتصور محور المقاومة للقتال فليس مطلوبًا من إيران أن تدخل قتالًا ضد إسرائيل دائمًا، وليس مطلوبًا من سوريا أن تدخل في القتال بسبب ظروفها الداخلية”.
– لاحظ مراقبون أن ضغوطا تشتد داخل بيئة حزب الله بشأن إعفاء إيران من التزاماتها الأخلاقية والعقائدية حيال حزب الله وعدم عزمها على التدخل لدعم الحزب في الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد الحزب في لبنان. ويرى هؤلاء أن التبرّم من الموقف الإيراني يتّسع وقد يكون تمهيدا لتبرّم لاحق من خيارات الحزب نفسه في هذه الحرب.
– يشدد بعض الخبراء في شؤون الحزب أن القيادات العليا للحزب التي تمّ اغتيالها مرتبطة بشكل مباشر بالحرس الثوري في إيران وعلى تواصل مع قياداته منذ عهد قاسم سليماني. ويُشاع أن بعض هذه القيادات تأتمر مباشرة من طهران، بما يعني أن اغتيالها هو خسارة إيرانية مباشرة، وهو أمر يرفع من مستوى الحنق على ترك إيران الحزب لمصيره.
– تشير مصادر متطابقة الى أن واشنطن امتلكت معطيات من إيران ليس لديها أي توجه للمشاركة في حرب تخاض ضد حزب الله في لبنان، ما يجعل حرب لبنان محدودة، ولا تتمدد نحو الإقليم.
خلاصة:
**يُسجل المراقبون تبرّما مكبوتا بدأ يشهد أعراضا علنية داخل صفوف البيئة الداعمة لحزب الله في لبنان من تراخي موقف إيران واستبعادها تدخّلها لدعم حزب الله في الحرب الحالية، بما اعتُبر تخليا عن التزامات إيران العقائدية حيال حزبها في لبنان.
**يفاقم هذا التبرّم إشارات صدرت عن منابر رسمية إيرانية تستبعد الردّ على اغتيال اسماعيل هنيّة في طهران تحت عنوان عدم الانجرار إلى حرب يريدها نتنياهو.
**تعبّر مواقف متتالية للمرشد والرئيس الإيراني ووزير الخارجية عن توجه لانتهاج سياسة انفتاح ودعوة للحوار والسلام بما يؤشّر إلى غياب أي خطط لدى إيران للانخراط في أي ردّ بعد شنّ إسرائيل عمليات عسكرية واسعة ضد حزب الله.
**يُعتقد أن غض طرف الولايات عن الحرب الإسرائيلية ضد لبنان يعود إلى معطيات من / أو صادرة عن/ طهران تؤكد مناخاً رافضا للانخراط في الحرب ما يمنع من تحوّل حرب لبنان إلى حرب إقليمية جرى التحذير منها خلال الشهور الأخيرة.